الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فخاخ (اليوم السابع) ومسئولية التيار الإسلامى

هانى جرجس عياد

2011 / 4 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ثلاثة فخاخ متتالية اختارها الأستاذ خالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع، لتكون عنوانا لمقاله فى العدد الأسبوعى (الثلاثاء 12 أبريل)، فهو –أولا- يخلط بين الإسلام والإسلاميين «الإسلام هو دين الحرية والدولة المدنية (أصلا)» رغم أن المشكلة مع الإسلاميين وليست مع الإسلام، ثم يختزل –ثانيا- المخاوف من السلفيين فى الأقباط فقط «مخاوف الأقباط من السلفيين مبالغ فيها» وكأن المخاوف من السلفيين تقف عند حدود المسيحيين ولا تجتاح دائرة أوسع كثيرا منهم، ليشهر فى وجوهنا -ثالثا- كارت «عفا الله عما سلف»، بفخ ثالث مركب «لا يجوز محاسبة التيار الإسلامى على ردود فعله فى سنوات الطغيان لأن العنف الذى انفجر طوال حكم مبارك كان رد فعل على عنف أجهزة الدولة»، فيدخلنا من ناحية فى مفهوم العنف لدى الإسلاميين، وما إذا كان مركبا أصيلا فى الفكر، أم أنه مجرد رد فعل طارئ على فعل سلطوى عنيف، ويضعنا من ناحية أخرى فى مواجهة سلسلة لا تنتهى من التساؤلات إن بدأت بالبحث عن مبررات تدثر العنف (الإسلامى) برداء دينى، رغم أنه مجرد (رد فعل)؟ لن تنتهى بالتساؤل عن الأسباب التى دفعت هذا العنف –باعتباره رد فعل- بعيدا عن رموز السلطة التى جاء منها فعل العنف، وما هى جريرة نجيب محفوظ –على سبيل المثال- لينال قسطا من هذا العنف (رد الفعل)؟ ثم يفاجئنا من ناحية ثالثة بالتنازل طوعا عن محاسبة المجرم على جريمته، رغم أـنه شخصيا ليس صاحب حق شخصى، ولا حق مدنى فى أى من تلك الجرائم.
الذين يرفضون مفهوم الدولة الدينية، أو الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية، والمسيحيون جزء منهم، لا يناقشون ما إذا كان الإسلام، يضمن الحرية والعدالة للجميع أم لا، فالإسلام –كدين- أقدس وأسمى من أن يكون موضوعا لجدل يتعلق بالحرية أو غيرها، إنما النقاش يدور حول رؤية الجماعات الإسلامية المختلفة لشكل ومضمون الدولة الحديثة، والمخاوف تكبر وتتسع دوائرها متجاوزة حدود الآخر الدينى، فالشريعة هى الاجتهاد البشرى فى تفسير النص الدينى، والاجتهاد ليس نصا مقدسا، لكنهم يريدونه كذلك، والاجتهاد يختلف باختلاف الزمان والمكان، لكن بينهم من يريد إعادة الدولة الحديثة خمسة عشر قرنا من الزمان، وتتداخل لديهم الأماكن فتسقط الحدود بين الصحراء والوادى.
تتبدى المخاوف فى تساؤلات أية شريعة سوف يطبقها هؤلاء؟ هل هى شريعة حرمان المرأة (المسلمة أيضا وليست المسيحية فقط) والآخر الدينى من بعض المناصب، مثلما يذهب الأخوان المسلمون، أم أنها شريعة الجزية (حسب عبود الزمر)؟ هل هى الشريعة التى تقول إن الحجاب فرض؟ أم الشريعة التى تفرض الحجاب قسرا؟ هل هى الشريعة التى استند إليها جمال عبد الناصر خطيبا على منبر الأزهر «سنقاتل ولن يفرض أحد علينا الاستسلام»، أم هى الشريعة التى أفتت فى زمن لاحق بشرعية الصلح مع إسرائيل استنادا إلى نص «إن جنحوا للسلم فاجنح لها»؟ (رغم أن الذى جنح للسم آنئذ هو نحن وليس هم!!)، هل هى الشريعة أفتت فى ستينيات القرن الماضى أن «الإسلام دين الاشتراكية»، أم تلك التى أفتت بعدما جرت مياه كثيرة فى كل الأنهار بحرمة التأميم، وشرعية صيانة الملكية الخاصة؟ ثم من يضمن لنا أن تتذكر الشريعة أبو ذر الغفارى، ولا تعود تحرم حق التظاهر وتجرم الخروج على الحاكم، طالما الحاكم يحكم ممن وجهة نظره باسم الشريعة؟ هذه التساؤلات-المخاوف وغيرها كثير، ليست موجهة للإسلام كدين، وإنما لاجتهادات بشرية قابلة للخطأ والصواب، ومن غير اللائق، فضلا عن أنه من غير الجائز، أن يرفع أحد المصحف لمواجهة هذه التساؤلات، فيما يكاد يكون ضربا من ضروب الإرهاب الفكرى، أو أن يحشرها قسرا فى ثنائية إسلام ومسيحيين.
المخاوف من السلفيين –على سبيل المثال- لا تنحصر فى الأقباط فقط، لكنها تمتد وتتسع متجاوزة حدود الآخر الدينى لتصل إلى المسلمين الذين يؤرقهم هدم الأضرحة وإلغاء الموالد وتدمير التماثيل، وبالمثل عندما يتعلق الأمر بمن يطالبون بتطبيق الحدود، حيث أننى لا أعتقد أن المسلمين المصريين، دون استثناء، متلهفون لتطبيق الحدود، والمسيحيون وحدهم من يتخوفون من ذلك.
ورغم أن المشكلة أكبر من أن تكون «مخاوف الأقباط»، فالقول إنها مبالغ فيها، يتضمن اعترفا واضحا أن بعض هذه المخاوف –على الأقل- مشروع وله ما يبرره، لكن بدلا ممن البحث عن أسباب هذا الجزء المشروع من الخوف، نوجه اللوم للخائفين، لأنهم (مذعورون) رغم أنه لا يوجد مبرر لما هو أكثر من (القلق)!!
أما حكاية «رد الفعل على عنف الدولة» فهى قصة أخرى.
لن أعود إلى الوراء كثيرا، يكفى فقط أن نذهب إلى سبعينيات القرن الماضى عندما عرف المجتمع «عنف الإسلاميين» ضد الناصريين والشيوعيين واليسار بوجه عام، فقد حدث هذا برعاية الدولة وإشرافها، ولم يكن رد فعل. وفى أيامه الأخيرة مارس السادات العنف ضد كل أطياف المجتمع، لكن أسيوط تشهد أن الإسلاميين انفردوا وحدهم بما يسميه الأستاذ خالد صلاح «رد فعل». وفى زمان عبد الناصر تعرض الشيوعيون (خلال الفترة 1958 – 1965) لأقسى أنواع التعذيب والاضطهاد، وفقا لما كانت عليه تكنولوجيا التعذيب فى ذلك الوقت، وتباينت ردود الفعل، ليس فقط بين التنظيمات الماركسية، وإنما بين الأفراد أيضا، لكن التاريخ لا يذكر أن شيوعيا واحدا مارس الإرهاب ضد المجتمع والدولة، كرد فعل لمعاناة الشيوعيين فى سجون عبد الناصر. وإلى جانب الإسلاميين، تعرض المئات، وربما الآلاف، من المصرين –خلال الأعوام العشرين الماضية- لمختلف صنوف التعذيب الهمجى، فى بعض أقسام الشرطة ومعظم مقرات أمن الدولة، والتى استحقت وصفها بالسلخانات، معظم هؤلاء لم يكن له انتماء تنظيمى لأى حزب أو جماعة، لكن أيا منهم لم يخرج ليصب غضبه (كرد فعل) على ما لاقاه من تعذيب، وحدهم «الإسلاميون» دون غيرهم انفردوا بحكاية رد الفعل.
ثم إن «رد الفعل» يستدعى اعتذارا، وليس «مراجعات فقهية» التى تعنى أن ممارسة العنف كانت جزءا أصيلا من البنية الفكرية لهذه الجماعات.
أما القرار بأنه «لا يجوز محاسبة التيار الإسلامى على رد فعله فى سنوات الطغيان...» فهو قرار بالغ الغرابة.
التيار الإسلامى وحده دون غيره من يجب أن يحدد ما إذا كانت ممارساته الإرهابية هى رد فعل أم لا، وأظن أن «المراجعات الفقهية» قد حددت بما لا يدع مجالا للبس أو الاجتهاد، أن تلك الممارسات كانت نتيجة لفهم خاطئ للدين، فلا مجال هنا لأى توصيف أخر.
والتيار الإسلامى وحده دون غيره من يجب أن يقرر ما إذا كان يريد الاندماج فى المجتمع أم أنه مازال يعتقد أنه مجتمع كافر يجب محاربته شرعا.
ومن غير اللائق أن يتنصل التيار الإسلامى من مسئولية خطأه فى فهم صحيح الدين، أو انفراده دون غيره فى الاندفاع المجنون برد فعل كاد يدمر المجتمع والدولة.
والاندماج فى المجتمع ليس منة من أحد لأحد، فهذا المجتمع ملك لكل المصريين دون استثناء، وليس من حق أحد أن يرحب بالإسلاميين أو أن يطردهم، لكن الاندماج يستدعى بالضرورة قبول الاختلاف، والاندماج لا يجرد أحد من حقه فى الاعتقاد أنه وحده من يملك الحقيقة منفردا، دون أن يعنى ذلك بأى حال من الأحوال أن تفرض ما تعتقد به على أحد، الاندماج فى المجتمع يعنى التخلى نهائيا وتماما عن أساليب الترويع والإرهاب الجسدى والفكرى فى التعامل مع الأخر.
الاندماج فى المجتمع مسئولية التيارات الإسلامية وحدها دون غيرها، والكرة الآن فى ملعبهم وليست فى ملعب الأستاذ خالد صلاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قلم للبيع لأعلى سعر
محمد بن عبد الله ( 2011 / 4 / 14 - 17:08 )
رد على هذا المرتزق أمس الدكتور مدحت قلادة

واليوم كتب د. ياسر يوسف غبريال ردا أقوى مذكرا بتسجيل فضح محاولات خالد صلاح لبيع قلمه للحزب الوطني...ابحثوا عنه على النت !



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟