الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتب والمجلات الالكترونية المسموعة ... دعوة جديدة لاستثمار الوقت

دياري صالح مجيد

2011 / 4 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في عالم اليوم , الذي تتسارع فيه خطى الابداع البشري بطريقة هائلة تتخذ اسلوب التراكم المعرفي المتسارع بحثا عن نوعية حياة افضل لا يمكن لها ان تتحقق بعيدا عن تخليق مجتمع مفكر مبدع يجدد دمائه الفكرية بشكل متكرر , تبرز لنا نتاجات علمية تستحق منا كل التقدير لشعوب انتجت , وفقا لتفوقها العلمي والتقني , كماً عظيماً من المدخلات التي غيرت حتى مفهوم الحياة الانسانية بطريقة تنم عن ابداع مبتكريها ومؤسسي نجاحاتها اللاحقة التي لا تنقطع او تتوقف عند مرحلة محددة .

في الغرب تجد عندما تجوب ابسط دوله ومدنه ان اغلب الشباب فيه اليوم لا يفارقون شيئا اسمه الأم بي ثري و الآيبود وملحقاتها وتوابعها او ما نتج عنه من تطور ابداعي خلاق ممثل بجهاز او باخر, فالكل هناك يضع سماعة ما في اذنيه خاصة في باصات النقل العام وفي العديد من وسائط النقل الاخرى , في محاولة من هؤلاء الشباب العمل على الاستمتاع بالوقت من جهة والتحرر من ضغوطات الوقت من جهة اخرى في ظل الامنيات الواسعة والعريضة التي يملكها الشباب دون ان يكون الوقت عاملا مسعفا لهم في تحقيق كل تلك الامنيات التي تحرم كثيرا منهم هناك من مجاراة رغباتهم العارمة في القراءة والمطالعة لامور مهمة تقع خارج نطاق التخصصات الاكاديمية التي يدرسها هؤلاء المبدعون في القاعات الدراسية في الجامعات العريقة المختلفة هناك .

هذا الامر هو يا اعزائي القراء معاكس تماما لما نراه من تعاطي لا عقلاني مع الوقت في المجتمعات الغيبية التي نحيا فيها هنا في بلدان العالم العربي , حيث ينعدم التخطيط تماما في كيفية التعامل مع عامل الزمن وفي الاهمال المتعمد عبر قرون من الزمن لعملية استثمار الوقت الهائل المتاح في حياتنا الخاوية التي لا يوجد فيها كثير من الانجازات الابداعية الحقة , بفعل ضياع اغلب وقتنا في امور لا طائل منها , يصحبها نمو دكتاتورية المجتمع في ظل اتساع وتيرة التخلف الفكري فيه , خاصة لدى طيف واسع من الشباب الذي لم يعد يؤمن بالقراءة او الثقافة ودورها في تطوير حياة الشعوب , لذا يقال بان الغرب عادة ما يتصف بان شعوبه تمتاز بحبها الكبير للقراءة والتعرف على ثقافة الاخرين . لذا تراهم يسعون بكل جد واجتهاد الى تعزيز الامكانية التي تتيح للفرد الغربي تطوير ملكة القراءة وبالتالي المستوى الثقافي للغالبية من ابنائه .

في ظل هذه الرؤية عمد الغرب اليوم الى تطوير ما يسمى بالكتب الالكترونية التي اصبح لها تجارة رائجة في عالم اليوم , كما عملوا على تطوير ما يعرف بالكتب المسموعة بعد ان تتم عملية تحويلها من الورق الى صوت هادر جميل , تُتاح من خلاله للعديد من اؤلئك الذين لا يملكون الوقت الكافي للقراءة على الورق , امكانية التعرف على هذه الكتب وما تحويه من كنوز عظيمة عبر الاستماع لها بطريقة التحميل على اجهزة الآيبود وغيرها من الاجهزة التي اعدت لهذا الغرض .

في هذا الاطار اود اجراء المقارنة التالية لكي اقنع فقط من لا يحبذ لغة الحوار العلمي بكيفية تاثير هذا الاجهزة والابتكارات في اعادة التعاطي مع عامل الزمن وكيف هو بالفعل مورد لا يخلو في حالة التعاطي الايجابي معه , من نتائج مادية عظيمة على صعيد حياة الفرد والمجتمع معاً , ايماناً منا بان تطور ونهضة الامم والشعوب لا يمكن ان تكون بعيدا عن تطور فردي مدفوع بروح التضامن الاجتماعي التي تقود الى تطور جمعي بالنتيجة .

لو نظرنا بكل بساطة الى الواقع المزري لوسائط النقل العام في العديد من دولنا , واخذنا فقط نموذجاً واحداً للقياس وهو رحلة يومية يقطعها الموظف والكاسب و الطالب الجامعي من بيته الى مقر عمله او جامعته التي يدرس فيها , ولتكن تلك الرحلة بمعدل 2 ساعة ذهابا وايابا وبواقع 5 ايام في الاسبوع , عند ذلك نحصل على نتيجة مفادها " ان الفرد في ظل هذه الحالة يخسر اسبوعيا 10 ساعات من حياته في وسائط النقل العام , وهو بذلك يخسر 40 ساعة شهرياً , و 480 ساعة سنوياً , و 1120 ساعة بالنسبة للطالب الجامعي خلال اربع سنوات , و 4800 ساعة بالنسبة للموظف والكاسب خلال عشر سنوات " بمعنى ان الطالب يقضي قرابة 46 يوم من حياته كاملة في وسائط النقل , وان الموظف والكاسب يقضي قرابة 200 يوم في وسائط النقل . وهو ما يعد بحقيقة كارثة تلحق بما يعرف بالتنمية البشرية التي يراد لها الارتقاء بالانسان في ظل صناعة مستقبل افضل تدعونا معه هذه المؤشرات الى التفكير الجدي في كيفية تقليل هذا الزمن لصالح امور اكثر انتاجية في حياة الفرد والمجتمع من جهة , وفي كيفية التعاطي البناء مع هذا الوقت من جهة اخرى , كي لا يكون مجرد وقت ضائع بلا قيمة او انتاج في حياتنا قصيرة الاجل على هذا الكوكب . يجري ذلك كله في مقابل الكيفية التي يستثمر بها الفرد الغربي " مصدر المقارنة " مثل هذا الوقت واثر ذلك في حياة الشعوب الخاضعة لذات المقارنة .

لذا لو افترضنا بان مجتمعنا قدء بدء بنبذ العديد من العادات غير المجدية في التعاطي مع الوقت بشكل لا عقلاني فيما يتعلق بوسائل النقل على سبيل المثال لا الحصر , وبدء باستخدام تقنية الآيبود سواء اكان بنسخته الامريكية او اليابانية او الاوربية او الصينية الرخيصة الثمن والجيدة النوعية , فعند ذلك نستطيع القول ان هنالك امكانية لتطور ايجابي في حياة شعوبنا لخلق واقع مستقبلي افضل في كيفية التعاطي مع عامل الزمن .

الكل يعرف بان العقل البشري بحاجة الى المران المستمر , لكي يتمكن حامله من استخدامه بطريقة خلاقة وابداعية , وكي يساهم ذلك بتطور المجتمع وتمكينه من مجاراة التطورات والتعقيدات الجارية في الحياة . لذا لو افترضنا بان كل منا " استمع " يوميا لمقالة او لجزء من فصول كتاب في اي من المجالات التي يحبها المرء , الا يحق لنا عندها ان نقول شكرًا للغرب الذي اسعفنا بحل منطقي لضياع قيمة الوقت في حياتنا ؟ فكم مقالاً وكتاباً " سنسمع" في رحلتنا اليومية تلك وعلى مدى زمني طويل ؟ وكم سيساهم ذلك في تغيير حياتنا وطريقة تفكيرنا ؟ وكم سيساهم ذلك في تطوير حياتنا وحياة شعوب هذه البلدان ؟ وكم سيفتح ذلك الامر لنا من آفاق نحو عوالم مجهولة لنا , لا يمكننا بطريقة تعاطينا اللامبالية مع الوقت ان نصل اليها او ندرك ما هيتها ؟ وكم من اللغات نستطيع ان نعرف في محاولتنا تلك , وكم من التجارب و الثقافات نستطيع ان نهضم ؟ .

انها ثورة التكنولوجيا التي اتمنى ان تجد لها موطيء قدم عند الشباب في دولنا في القريب العاجل , بحثا عن مستقبل نعيد فيه لغة الحوار المتمدن والعقل الراجح المفكر , في زمن نعيد فيه احياء لغة المنطق وثقافة القراءة التي اثبتت انها الطريقة المثلى بالنسبة للشعوب و للحكومات اذا ما ارادت الاستثمار في العقول لا فقط في البترول , من اجل غد افضل ومستقبل اروع واجمل لكل الاجيال القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا