الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مصر القديمة، إلى مصر الجديدة.. إلى المطار!

شريف مليكة

2011 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


مشوار الثورة المصرية أضحى متعثرا بكل أسف. وهذا ليس رأيي أنا وحدي ولكنه رأي الغالبية من الكتاب والمحللين من داخل حدود الوطن وخارجه. وها هي الثورة البيضاء النقية التي اختطفت قلوبنا في الخامس والعشرين من يناير، والتي عبرت فوق الديكتاتور الحاكم في الحادي عشر من فبراير، تبدو الآن وكأنها "كذبة ابريل".
مشوار ما بين "مصر القديمة" و"مصر الجديدة" ربما يستغرق ساعة إذا قررت الخوض بوسط مدينة القاهرة، أو نصف ساعة على الأكثر لو اتخذت الطرق السريعة التي تدور حول العوائق المرورية المتصلبة بطول السنين. لكن أن يستغرق الأمر شهورا، ولا يبدو للطريق نهاية حتى الآن، فذلك يدعونا لأن نتوقف قليلا عند أقرب محل عصير، لنفكر في أسباب التأخير بينما يراجع قائد المركبة سلامة المحرك، ويتأكد من الخريطة التي بحوزته، بما إنه يقوم بذلك المشوار لأول مرة على ما يبدو.
قد يقول أحدهم "الموضوع مش ناقص يا جماعة، لأن المشوار ربما يحتاج لكثير من التروي حتى لا تدهس العربة أحدا ولو بالخطأ، أو تنحرف عن مسارها ولو لبعض السنتيمترات الآن، الأمرالذي سيؤدي في النهاية لأن نجد أنفسنا في شبرا الخيمة ـ مثلا ـ بدلا من مصر الجديدة". أقول حسنا! كلام جميل، ولكن أن يتعدل المسار بعشوائية ملحوظة، وبعد كل مظاهرة مليونية، أو كل حدث جلل يمر بنا، يجعلني أشك في كون القائد يعرف الطريق بالضبط، أو فيما لو كان يزمع فعلا أن يأخذنا إلى مصر الجديدة في النهاية، أم إنه في الحقيقة (بيفسَّحنا) شوية مكافأة لنا على خروجنا من مصر القديمة أصلا، أو ليثبت لنا في النهاية إن (القديمة تحلا ولوكانت وحلة!) حتى نتعقل ونرجع عما شرعنا فيه، فنطلب منه أو حتى نتوسل إليه أن يعود بنا إلى "مصر القديمة" وكفى المؤمنين شر القتال. أو يجعلني كل ذلك ـ على الأقل ـ أشك لو كنا سنصل يوما لمقصدنا على أي حال، إذا ما استمررنا على هذا المعدل الغريب في السير في مكاننا (محلك سر) لشهرين حتى الآن. ولست أدري لماذا تحضرني الآن بالذات قصة موسى النبي في الكتب المقدسة الذي قاد شعب إسرائيل للخروج من أرض مصر، ولمدة أربعين سنة ليعبر بهم سيناء ـ الرحلة التي ما كان لها أن تستغرق أكثر من أسابيع أو شهور على الأكثر.
لننظر سويا إلى الإنجازات. الشعب يريد إسقاط النظام، فلا يسقط النظام إلا بعد طلوع الروح (بالمعنى الحرفي وبعد طلوع أرواح أكثر من 800 شهيد) ثم تبقى وزارة مبارك الإنتقالية! وكأننا أمام عملية (فصال) أمام دكان بخان الخليلي: مظاهرة مليونية تطيح ببعض الوزراء ولكن يبقى "شفيق". مظاهرة مليونية جديدة تبدل "شفيق" القديم البائد بـ "شرف" الجديد إبن الثورة والميدان.. ماشي.. ولكن يدور الجدل حول الأمن الغائب والمظاهرات الفئوية والتعديلات الدستورية. يطيح الجيش بالمتظاهرين في التحرير حتى يعود الأمن، وتعلو الاتهامات بالتنكيل بالمتظاهرين والمتظاهرات (وما أدراك بما حدث للمتظاهرات بميدان التحرير)، ثم يعتذر المجلس الأعلى بعدها للشعب وتثار مقولة (رصيدنا عند الشعب يسمح). تحرق وتهدم كنيسة بإطفيح فيحدثنا السلفيون عن كونها مجرد ردة فعل (للسحر والربط) الذي كان يمارسه قسيس الكنيسة! ومليونية جديدة أمام ماسبيرو تخرس السلفيين ويعيد الجيش بناء الكنيسة. ثم تسود غزوة السلفيين، فتقطع الأذن وتهدد السافرات وتهدم الأضرحة، حتى يصل الأمر لأضرحة الحسين وأهل البيت فيثور الأزهر وتتوقف الحملة. ثم يعلن عن وجوب الاستفتاء بشأن الدستور القديم الساقط أصلا، فتقع غزوة "الصناديق" ويخرج الشيخ يعقوب ليعلنها صريحة بأن (اللي مش عاجبه يروح عالمطار).
إذن فالمشوار من مصر القديمة لمصر الجديدة، الذي اقتلعنا من جذور الظلم والقهر والفساد، والذي تغنينا به وغنينا له وزمرنا وطبلنا منذ قيام الثورة، لم يعد مضمونا على الإطلاق الآن، وعلى أي حال فإذا لم يعجبك الحال في مصر اليوم، فالمشوار لمطار القاهرة ليس ببعيد، إرحل إرحل إرحل!
هكذا أرى الحال اليوم في مصر مع كل أسف. وإلا فما معنى أن يماطل النائب العام في محاكمة زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور حتى تتجمع الجماهير في ميدان التحرير؟ ولا تبدأ محاكمة مبارك وعائلته ـ إذا كانت قد بدأت بالفعل ـ إلا بعد مليونية جديدة؟ أستظل قرارات القيادة في مصر (محلك سر) حتى تأتي الجماهير وتدفع بالعربة من الخلف لتجتاز شارعا أو حيا؟ أتساءل هنا هل لدى قائد المركبة الرؤية الواضحة التي تؤهله لإكمال المشوار؟ ثم ماذا عن تلك القرارات العكسية التي من شأنها أن يتحسر الناس على غياب "مصر القديمة" عن الأنظار؟ ماذا عن إطلاق السلفيين نحو المنابر الدينية والإعلامية على السواء؟ ماذا عن تفريق المظاهرات بالعنف وبالقوة وبالرصاص الحي؟ هل يكفي مجرد الاعتذار بعد كل مرة؟ ماذا عن الحكم بسجن شاب لثلاث سنوات لأنه كتب رأيه ـ أيا كان هذا الرأي ـ والذي حدث إنه لم يعجب المجلس العسكري؟ أيسجن كاتب الرأي ويقتل المتظاهر أو يمتهن، بينما نكتفي بشجب واستنكار هادم الكنيسة والضريح وقاتع الأذن؟ أم إن كل هذا يجعلنا نتحسر على أيام "مصر القديمة" ونقد السلطة والحاكم وقتها الذي طالعنا فوق صفحات الجرائد والمدونات كل يوم، واختفاء أصحاب الفكر ـ والفعل ـ الأصولي الإسلامي العنيف في جحورهم حينذاك، حتى أطلقوا اليوم ليمارسوا إرهابهم في العلن كما نرى اليوم؟
ما الذي حدث؟
أعترف بأن نبرتي اختلفت هذه المرة وأنا أتحدث عن الثورة المصرية الرائعة! ولكني معذور.. فأشباح الثورة المضادة تتراقص أمام عيناي، وأداء المجلس العسكري لم يعد بنفس العزم والانطلاق والشفافية التي كان عليها. لقد تكررت مشاهد التخبط والتسلط والترفع، ثم الاعتذار.. لماذا لم نعد نسمع عن "الدولة المدنية" المرتقبة؟ لماذا لم يستجب الجيش لمطالب الثورة الأولى في اختيار نفر من وسطهم للمشاركة مع مدنيين مشهود لهم ليقوم مجلس رئاسة يقود البلد خلال هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر. تلك المرحلة التي ستحدد شكل مصر الجديدة وهيكلها الذي سيحملها ويحملنا نحو المستقبل؟ قالوا لنا إن ذلك قرار صعب ومحفوف بالمخاطر، ولكنهم لم يقولوا أكثر، وكان ـ ومازال ـ عليهم أن يقولوا لنا أكثر. فالمسؤولية الملقاة على عاتقهم خطيرة، وتحتاج منهم اليوم لشجاعة إعلان حاجتهم لمؤازرة المدنيين المتخصصين ليعبروا ـ معا ـ بمصر وشعبها من مصر القديمة إلى مصر الجديدة. وبدون أن يلجأ البعض منا للذهاب إلى المطار، لأن الوضع في الوطن صار ـ كما قال الشيخ السلفي ـ لم يعد يعجبه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف