الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثير حركة 20 فبراير على الحركة النقابية

محمود جديد

2019 / 4 / 25
ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي


طيلة عقود جرى إحكام الطوق البيروقراطي داخل النقابات العمالية، وتكلست أجهزتها، بتشجيع وسعي من الدولة. فقد قامت هذه بدمج قمم النقابات في عدد من المؤسسات الرسمية، "المنتخبة" منها وغير "المنتخبة". و غرقت القيادات في لعبة"الحوار الاجتماعي"، وراحت تروج بين القواعد العمالية خرافات "الشراكة الاجتماعية" و "الحرص على الاستقرار" (استقرار الاستغلال و الاضطهاد).





انقلب دور النقابات العمالية من أداة نضال، يتجه عملها من تحت إلى فوق، من العمال صوب أعدائهم ، أرباب العمل ودولتهم، لتصبح آلية يتجه عملها من فوق إلى تحت، وسيلة بيد الدولة لضبط الساحة العمالية بمساومات مع البيروقراطية التي حظيت بامتيازات، وتورطت أقسام منها في فساد و اختلاسات مذهلة، ليس آخرها ما اقترف ذلك اللص الذي رفعته الك.د.ش إلى مجلس إدارة التعاضدية العامة، و ليس أقلها ما فعل غير المأسوف عليه النائب السابق لقائد إ.م.ش الذي عاث فسادا في الضمان الاجتماعي.

باتت النقابات نوعا من الملحقة بوزارتي التشغيل وتحديث القطاعات العامة تقدم العون في "تدبير الموارد البشرية". فكان دور القيادات البيروقراطية حاسما في تمرير عدد من التعديات على طبقة العمال: مدونة الشغل، ميثاق التعليم، التأمين الإجباري عن المرض، المساعدة الطبية للمعوزين، تغيير عدد من مراسيم الوظيفة العمومية، الاستعداد لضرب المكاسب الطفيفة في أنظمة التقاعد، و تمهيد طريق قانون منع الإضراب، وقانون التدخل في الشأن الداخلي للنقابات و مضايقة عملها. وعلاوة على هذا النتائج الكارثية لما يسمى "الحوار الاجتماعي".

فحصيلة هذا الحوار زيادات متهكمة في الحد الأدنى للأجور، و فتات لصغار الموظفين، وتلاعب بمصير الأسر العمالية في جميع مناحي الحياة: الغلاء، التعليم ، الصحة، السكن ... وحتى أمور بسيطة، ليس للدولة البرجوازية فيها مبرر "الكلفة المادية، لم تجد طريقا إلى التنفيذ. منها إعادة النظر في الفصل 288 من القانون الجنائي المجرم للإضراب بالقطاع الخاص، و إلغاء ما يجرم إضراب الموظفين في مرسوم فبراير 1958، وإلغاء ظهير التسخير ،.. وكلها مسائل مضى على توقيع الحكومة عليها 8 سنوات.

وطبعا كان سبيل تحقيق هذا التحول هو قمع الأصوات النقابية المعارضة، بالعنف و الطرد و تغييب الديمقراطية الداخلية.

نتج عن ذلك تدهور مريع في الساحة النقابية بمزيد من تشتيت قواها، بانشقاقات متتالية، وبظاهرة الانتقال من نقابة إلى أخرى، وظهور نزعة فئوية مغرقة في الانعزالية في قطاعات الوظيفة العمومية، ونفور متزايد من العمل النقابي.

تضطر البيروقراطية إلى مسايرة توق القاعدة العمالية إلى النضال. إذ يؤدي ضغط المشاكل المحتد إلى نشوب إضرابات، فتقوم البيروقراطيات بمواكبتها للتحكم فيها من أجل إبقائها في الحدود التي لا تضر بالتزامتها بالسلم مع أرباب العمل و دولتهم. لا تتعدى الإضرابات يوما او يومين، وبمطالب غير دقيقة، وبطرق تسيير لا تمت للديمقراطية بصلة (دعوات إلى الإضراب في انترنت، انعدام أي تواصل جماعي مع القاعدة، إلغاء إضرابات، ..)

وسياسيا، واصلت قيادة الاتحاد المغربي للشغل تواطؤها مع الاستبداد، بحصر النضال العمالي في حدود مهنية، بأشكال مفككة متروكة لمصيرها بلا تضامن، و مشاركتها في مؤسسات الديمقراطية الزائفة. هذا مع سعي إلى تمويه كل ذلك بكلام بائس عن "التغيير الديمقراطي". وتقدم وثيقة الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل بعنوان"من اجل رفع تحدي التغيير الديمقراطي في المغرب"[30 يونيو 1992] صورة مكتملة عن الخطاب المستعمل إزاء العمال لحجب تبعية سياسية للقصر، وانتفاعية وضيعة متهافتة على كراسي المؤسسات الزائفة.

اما الك.د.ش، فقد كانت حتى مطلع سنوات 2000 مجرد جناح نقابي لحزب الاتحاد الاشتراكي، أداته لاستغلال القوة النضالية العمالية من أجل المناوشة و الضغط المحسوب. و لم تجد، بعد انفصالها عنه، طريقا آخر غير النهج البوعبيدي الذي ترعرعت فيه. فكان السلوك السياسي لقيادتها نفس نهج التعاون مع القصر بضمان السلم الاجتماعي و المشاركة في الديمقراطية الزائفة، مع استثناءات جوفاء مثل مغادرة مجلس المستشارين ليست سوى تأكيد للقاعدة.

باختصار تمارس القيادات النقابية سياسة برجوازية داخل الطبقة العاملة، سياسة احتواء قوة العمال النضالية في إطار لا يهدد استقرار الاستغلال و الاستبداد.

هذه هي الحالة التي وجدت فيها حركة 20 فبراير الحركة النقابية المغربية.

20 فبراير هو نهوض قوى نضال كامنة، عمالية وشبابية و شعبية، بحفز من السيرورات الثورية بالمنطقة المغاربية و العربية. وجدت البيروقراطيات النقابية الدائبة على التحكم بقوى النضال نفسها إزاء قوة خارجة عن تحكمها. لم تأخذ في البداية توق الشباب إلى الكفاح مأخذ جد، فلم تكترث قط بالدعوة إلى التظاهر يوم 20 فبراير. لكن بعد خروج عشرات الآلاف في المدن و القرى، وبمطالب سياسية لم يسبقها نظير، لم يكن لقادة النقابات بد من إبداء التأييد الكاذب في كلام البيانات.

طبعا، لم تكن القواعد النقابية بمنأى عن تأثير 20 فبراير. فقد بادرت بعض الاتحادات المحلية في ك.د.ش ، وبعض الجامعات في إ.م.ش، إلى المشاركة الفعلية في التعبئة و التظاهر يوم 20 فبراير.

و على نطاق أوسع، خارج القسم المنظم من الطبقة العاملة، شارك العمال في مظاهرات حركة 20 فبراير، ووقفاتها الاحتجاجية، ومختلف أنشطتها. ويجري هذا عبر مطالب الحركة المتعلقة بالوضع المعيشي، و بالبطالة، لكن أيضا عبر المطالب السياسية.

فحالة الرفض العام للمؤسسات الديمقراطية الزائفة، المعبر عنها بنسبة لمقاطعي الانتخابات تفوق 70 بالمائة، تشمل الشغيلة طبعا.

إن ما كانت البيروقراطية النقابية تكبله من طاقة الكفاح لدى العمال يجد اليوم متنفسا في حركة 20 فبراير. وهذا معطى عظيم الأهمية، لأنه يفتح إمكان ارتقاء وعي العمال السياسي على أسس جديدة. فالنقاش الذي أطلقته التحركات الميدانية لحركة 20 فبراير، ورد النظام بمناورة تعديل الدستور، تخلق حالة سياسية جديدة تفتح أعين العمال على حقيقة مختلف الأحزاب السياسية، ومختلف طبقات المجتمع. ويتيح كذلك فرصة تنوير غير مسبوقة حول مكانة طبقة العمال في المجتمع، ونوع الديمقراطية المتضمن في المشروع التاريخي للطبقة العاملة.

كما أن الميزة الأهم لحركة 20 فبراير، ميزة الكفاح الميداني المتحدي لقوانين القمع السياسي، ترياق بالغ الأهمية للطبقة العاملة التي حبست البيروقراطيات النقابية فعلها النضالي في إضرابات مهنية وجيزة، و اهتمامها السياسي في اللعبة الديمقراطية في مؤسسات النظام.

وأدت الأجواء النضالية العامة التي نشأت ببلدنا بفعل حركة 20 فبراير إلى نهوض عدد من القطاعات العمالية، واستئنافها النضال من اجل مطالبها. كما يلاحظ أيضا تململ مطلبي بالعديد من المقاولات التي ليس بها تنظيم نقابي.

و إن تخوف النظام من تطور الحركة النضالية الشعبية دفعه إلى تقديم تنازلات تهم المعيش اليومي للكادحين، منها ضخ مبالغ إضافية في صندوق دعم المواد الأساسية، و الوعد بسن نظام أساسي لشغلية العدل الذين طبعوا السنة الماضية بإضراباتهم، و الرضوخ الجزئي لمطالب عمال سكك الحديد، و إبداء استعداد للزيادة في الحد الأدنى الأجور،...

بالنظر إلى المستوى الراهن للضغط، وحالة تشتت النضالات، لن تكون التنازلات أهم من المعتاد، و سيكون توقيع اي اتفاق في هذا الظرف مع أرباب العمل وحكومتهم سعيا إلى إفشال النهوض الذي بدأت أماراته تتكاثر.

إن الخروج من الحلقة المفرغة لنضالات مفككة تبدد طاقة الشغيلة النضالية، و "حوارات اجتماعية " خاوية لا تفيد غير أعداء العمال، يقتضي رفع مستوى التعبئة و النضال بالإفادة من الوضع الجديد الذي خلقته حركة 20 فبراير.

يجب ان يرفع المناضلون العماليون الكفاحيون وتيرة العمل، بمد الجسور بين قواعد مختلف النقابات، و الإقدام على مبادرات نضالية ، قطاعية و محلية، مفعمة بروح الوحدة العمالية و الكفاح الطبقي. يجب علينا تطوير كل أشكال التنسيق، و التجاوب التضامني مع كل النضالات الجارية ايا كانت النقابة الداعية إليها، و تغليب مصلحة الشغيلة. يجب ان نكد ونجد لتتلاقى استعدادات النضال لدى الشغيلة، بالقطاع العام و الخاص على السواء، في إضراب عام حقيقي يشل الاقتصاد و الدولة.

وقد بدأت بالظهور مبادرات محلية من ذلك القبيل المطلوب، يتعين إنجاحها لتصير مثالا ُيقتدى به. و لأول مرة يُتاح إمكان إضفاء طابع شعبي على الإضراب العام بفعل وجود حركة 20 فبراير التي مدت جذورها في كل ربوع المغرب.

يجب طرق الحديد وهو حام.

محمود جديد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قارورة مياه تصيب رأس #دجوكوفيتش بعد تأهّله


.. الداخلية العراقية تؤكد عزمها ملاحقة عصابات الجريمة المنظمة ف




.. مخاوف من تلف المواد الغذائية العالقة أمام معبر رفح بسبب استم


.. واشنطن تنتقد طريقة استخدام إسرائيل لأسلحة أميركية في غزة




.. قصف وإطلاق نار مستمر في حي الزيتون جنوب مدينة غزة