الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة السياسية لوسائل الإعلام الاجتماعية: التكنولوجيا، مجال النشاط العام والتغيير السياسي (3)

هاشم نعمة

2011 / 4 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


مسرح الانهيار

أي مناقشة للعمل السياسي في الأنظمة الاستبدادية يجب أن يأخذ في الاعتبار الانهيار المذهل للأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية عام 1989 والانهيار اللاحق للإتحاد السوفيتي عام 1991. خلال الحرب الباردة، استثمرت الولايات المتحدة في أنواع مختلفة من وسائل الإعلام، تشمل محطة إذاعة صوت أمريكا، الجناح الأمريكي في موسكو، وتهريب آلات تصوير المستندات إلى الدول الاشتراكية لدعم الصحافة السرية، مع ذلك، وبالرغم من هذا الاهتمام بوسائل الاتصالات، فإن نهاية الحرب الباردة لم تنطلق من انتفاضة مستمعي صوت أمريكا لكن نتجت من التغيير الاقتصادي. ففي الوقت الذي انخفض فيه سعر النفط ارتفع سعر القمح، حيث يتمثل النموذج السوفيتي في بيع النفط بأسعار مرتفعة وشراء القمح بأسعار رخيصة هذا النموذج توقف عن العمل. نتيجة لذلك، أضطر الكرملين لتأمين القروض من الغرب، تلك القروض التي من شأنها أن تعرض للخطر تدخل الحكومة العسكري في شؤون الدول غير الروسية. في عام 1989، يمكن للمرء أن يناقش، إمكانية المواطنين على التواصل، أخذين بعين الاعتبار دور القوى الاقتصادية الكبرى، ويتضح من المناقشة أن هذا التواصل كان خارج موضوع انهيار هذه الأنظمة.

من الممكن أن يبقى القادة على قيد الحياة أو ينجون حتى عندما يموت الملايين . ستالين فعل ذلك في الثلاثينات، وماو تسي تونغ في الستينات، وكيم يونغ يل فعل ذلك أكثر من مرة في العقدين الأخيرين. لكن كانت هناك اختلافات بين تلك الحالات وثورات 1989 فقد واجه قادة ألمانيا الشرقية، وجيكوسلوفاكيا، وبقية الدول مجتمعات مدنية قوية بما فيه الكفاية وقادرة على المقاومة. لذلك نتج عن التظاهرات الأسبوعية في ألمانيا الشرقية، وميثاق الحركة المدنية 77 في جيكوسلوفاكيا، وحركة التضامن في بولونيا ظهور حكومات ذات توجهات ملموسة كانت في الانتظار.

إمكانية هذه المجموعات المعارضة على إنتاج ونشر الأدب والوثائق السياسية، حتى باستخدام آلات تصوير بسيطة، وفرت بديلا منظورا للأنظمة الاشتراكية. وبالنسبة للمجموعات الكبيرة من المواطنين في هذه الدول، فإن الإفلاس السياسي، وأكثر أهمية من ذلك، الإفلاس الاقتصادي للحكومة لم يعد سرا ولكن أصبح حقيقة عامة. وهذا جعل من الصعب وبعد ذلك من المستحيل على الأنظمة أن تأمر جيوشها باتخاذ إجراءات ضد هذه المجموعات الكبيرة.

لذلك، حدث تغيير في توازن القوى بين الدولة والمجتمع المدني أدى إلى انهيار سلمي بدرجة كبيرة للأنظمة الاشتراكية. فقد ضعفت إمكانية الدولة على استخدام العنف، وزادت إمكانية ممارسة العنف بدرجة أقوى من قبل المجتمع المدني. وعندما أنتصر المجتمع المدني، فإن الكثير من الأشخاص الذين أعربوا عن أفكار معارضة للأنظمة الاشتراكية – مثل تاديوز مازويكي في بولندا وفاسلاف هافل في جيكوسلوفاكيا – أصبحوا القادة السياسيين الجدد لهذه البلدان. إن وسائل الاتصالات خلال الحرب الباردة لم تتسبب بانهيار الحكومات، لكنها ساعدت الناس على أخذ السلطة من الدولة عندما أصبحت في موقف ضعيف.

إن الفكرة القائلة بأن وسائل الإعلام، مثل صوت أمريكا قد لعبت دورا مساندا في التغيير الاجتماعي من خلال تقوية مجال النشاط العام تحاكي فكرة الدور التاريخي الذي لعبته الصحافة المطبوعة. كما ناقش ذلك الفيلسوف الألماني هابيرماس في كتابه الصادر عام 1962 بعنوان "تحول بنية مجال النشاط العام"، حيث ذكر بأن الصحافة المكتوبة ساعدت على دمقرطة أوروبا عبر توفير فضاء للنقاش والاتفاق وسط المواطنين العاملين في المجال السياسي، في الغالب، قبل أن تصبح الدولة ديمقراطية بشكل كامل، وانسحبت مناقشة هذا الموضوع إلى عمل علماء متأخرين، مثل اسا برغس، ايلازبيث يسنستين.

الحرية السياسية يجب أن تكون مترافقة مع مجتمع مدني متعلم بما فيه الكفاية ومترابط بشكل كثيف بما فيه الكفاية لمناقشة القضايا المطروحة للجمهور. ففي دراسة مشهورة تتعلق بالرأي السياسي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1948، لعالمي الاجتماع يلهو كاتز وبول لازارسفيلد اكتشفا بأن وسائل الإعلام العامة لوحدها لا تستطيع تغيير أراء الناس؛ بدل ذلك توجد عملية من مرحلتين. المرحلة الأولى، تتمثل ببث أو نقل الآراء من قبل وسائل الإعلام، وبعد ذلك تأتي المرحلة الثانية حيث يتم ترديد ما بث أو نقل من قبل الأصدقاء، وأفراد الأسرة، والزملاء. في هذه المرحلة الاجتماعية، تتشكل الآراء السياسية. وهذه هي المرحلة التي يمكن فيها للانترنت، عموما، ووسائل الإعلام الاجتماعية، خصوصا، أن تعمل بشكل مختلف. وكما هو الحال مع الصحافة المطبوعة، ينتشر الانترنت ليس كوسيلة استهلاك إعلامي فقط لكن كوسيلة إنتاج إعلامي أيضا- فهو يسمح للناس على المستوى الخاص والعام بتوضيح ومناقشة صخب الآراء المتعارضة.

إن فكرة تطور مجال النشاط العام ببطء، حيث يعتمد الرأي العام على كل من وسائل الإعلام والنقاش تشكل جوهر وجهة النظر البيئية (أي التي تأخذ في الاعتبار البيئة الاجتماعية والاقتصادية)* المتعلقة بحرية الانترنت. على العكس من رأي تعظيم الذات القائل بأن الغرب يمتلك أو يحتفظ بمصدر شفرة الديمقراطية- وإذا جعلها فقط في متناول الجميع، سوف تنهار بقية الدول الاستبدادية - وجهة النظر البيئية هذه تفترض بأن التغيير السياسي سيحدث بدرجة أقل ما لم يتم نشر وتبني الأفكار والآراء في مجال النشاط العام. حيث أن الوصول إلى المعلومات يكون أقل أهمية بكثير، من الناحية السياسية مقارنة بالوصول إلى حالة النقاش. علاوة على ذلك، من المرجح أن ينبثق مجال النشاط العام في المجتمع نتيجة استياء الناس من القضايا الاقتصادية أو يوما بعد اليوم من الحكم أكثر مما يفعل اعتناقهم للمثل السياسية المجردة.

لنأخذ مثلا معاصرا، الحكومة الصينية، حاليا، ستكون في خطر في حالة اضطرارها لتبني معايير ديمقراطية متبناة من قبل أفراد الطبقة الوسطى المنحدرين من الهان وهي المجموعة الاثنية التي تشكل غالبية السكان والتي تطالب بحكومات محلية أقل فسادا وسيكون هذا الخطر أكثر من قضية مطالب مكونات البيوغورس أو التبتيين بالحكم الذاتي. وبشكل مشابه، فإن الحملة التي وقع عليها مليون شخص، لصالح حركة حقوق المرأة الإيرانية التي ركزت على إلغاء القوانين المعادية للمرأة، كانت أكثر نجاحا في التأثير في سلوك الحكومة الإيرانية مقارنة مع مواجهات حركة الخضر المتزايدة.

بالنسبة للملاحظين الذين ينظرون بتفاؤل للتظاهرات العامة، فإنه يتبين من العمل التجريبي والنظري أن الاحتجاجات، عندما تكون فعالة، فهي تمثل نهاية عملية طويلة، وليس بديلا عنها. إن أي التزام حقيقي من قبل الولايات المتحدة لتحسين الحرية السياسية على مستوى العالم ينبغي أن يركز على أن العملية- يمكن أن تحدث فقط عندما يكون هناك مجال نشاط عام قوي.

* المترجم

الترجمة عن مجلة Foreign Affairs, January-February 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة