الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق الأوسط إلى أين؟

مجدى خليل

2011 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أتفاقية أوسلو التى وقعت فى البيت الأبيض يوم 20 اغسطس 1993 والتى عرفت بغزة واريحا أولا، كتب شيمون بيريز كتابه عام 1994 بعنوان " الشرق الأوسط الجديد" طارحا فكرة ضرورة الأنتقال من اقتصاديات الحروب إلى اقتصاد السلام، فلا منتصرون فى الحروب بل الكل مهزوم،فعالم القرن الحادى والعشرين كما طرح يجب أن يرتكز على تحسين نوعية الحياة ورفع مستوى المعيشة وتعزيز الأمال والطموحات الحياتية، وتحقيق أهداف الرخاء الاجتماعى والعدل الاجتماعى.وقد كتب وقتها المفكر المصرى الراحل لطفى الخوالى كتابا عام 1994 يؤيد هذه الفكرة بعنوان " عرب؟ نعم. وشرق أوسطيون أيضا"،طارحا فكرة أن الشرق الأوسط الجديد سيمتد إلى بعض الدول الأوروبية أيضا مثل اليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. لقد ماتت فكرة الشرق الأوسط الجديد فى مهدها لأنها جاءت من إسرائيل ، ونتيجة لتعثر عملية السلام بعد أوسلو، ونتيجة لعدم قبول العرب لإسرائيل كعضو فى هذا الشرق الأوسط الجديد.
فى عام 2006 طرح جورج دبليو بوش وكوندليزا رايس مشروعهم عن " الشرق الأوسط الكبير" الذى سيواجه الراديكالية الإسلامية فى المنطقة المتمثلة فى إيران وحزب الله وحماس والقاعدة، وإنه لا مانع من حدوث عدم استقرار مؤقت نتيجة انتفاضات الشعوب على مستبديها، المهم ولادة شرق أوسط كبير من رحم الفوضى ،مسالم ديموقراطى صديق للغرب ولإسرائيل وعدو للراديكالية الإسلامية.
وقد رد سعد الدين إبراهيم على هذا المشروع بمقالة غاضبة نشرها فى أغسطس 2006 فى صحيفة الواشنطن بوست بعنوان " شرق أوسط جديد: غاضب ـ إسلامي ـ ديمقراطي" طارحا فكرته "إن الشرق الأوسط الجديد الذي يولد هذه الأيام لن يكون شبيهاً لما حلم أو يحلم به جورج وكونداليزا. ولن يكون محباً أو حليفاً للأمريكيين. إنه سيولد عبوساً قمطريرا، غاضباً، ولو إلى حين. ثم حينما يهدأ صراخ هذا الوليد الجديد، وتنكشف ملامحه، سيتضح للجميع أنه "إسلامي"، وأن جيناته شرق أوسطية أصيلة، وليست هجينية من صلب جورج وكوندي. سيحمل الشرق الأوسط الجديد ملامح حزب الله اللبناني، وحماس الفلسطينية، والإخوان المسلمين المصرية، وحزب العدالة والتنمية التركي، وحزب العدالة والتنمية المغربي. فهذه الحركات والجماعات والأحزاب أثبتت جدارتها اجتماعياً واقتصادياً، قبل أن يعلو صوتها سياسياً، ويشتد ساعدها عسكريا "ً.
مشروع الشرق الأوسط الكبير مات أيضا قبل أن يولد لأنه طرح من قبل واشنطن، ولظروف حرب العراق التى جعلت أمريكا مكروهة عند العرب والمسلمين، ولأن المشروع اعتمد على حلف مصر- السعودية- الأردن-إسرائيل، وهى فكرة تشبه حلف بغداد القديم، والأهم كيف يمكن ولادة شرق أوسط جديد تحت قيادة أنظمة مستبدة وفاسدة إلا إذا كان الغرض منه هو دعم المشروع الأمريكى فى المنطقة وقبول إسرائيل كعضو فاعل فى الشرق الأوسط، وأخيرا لا توجد افكار جذابة ومغرية لشعوب المنطقة تجعلها تضحى من آجل قبول هذا المشروع الأمريكى فى ظل دعم أمريكا لاصدقائها المستبدين من الحكام العرب وعدم حياديتها تجاه الصراع الفلسطسينى الإسرائيلى.
ورغم موت مشروع الشرق الأوسط الكبير إلا أن فكرة كوندليزا رايس التى سمتها " عدم الأستقرار البناء"، والمعروفة فى المنطقة العربية ب " الفوضى الخلاقة" قد نجحت وبدأت تؤتى ثمارها فى تونس ومصر وليبيا وقريبا فى اليمن والاردن والجزائر والبحرين وباقى دول الشرق الأوسط.
وجه الشرق الأوسط كله سيتغير فى السنوات القادمة، ولكن يظل السؤال إلى أين؟ شرق أوسط ديموقراطى أم شرق أوسط إسلامى غاضب؟.
إن مؤشرات الثورات فى مصر وتونس تقول حتى الآن إنها لم تكن ثورات الإسلاميين ولا ثورات الفقراء الجياع ساكنى العشوئيات ولكنها ثورات الشعوب من كل الاطياف، قادها شباب الطبقة الوسطى المعولم.، وانها لم تكن ثورات من آجل الإسلام ولا ضد أمريكا وإسرائيل وأنما ثورات من آجل الحرية والكرامة والعدالة ومقاومة النهب والفساد.. ولكن المعروف أيضا أن بداية الثورات ليست مثل نهايتها....فما هى تلك النهاية المتوقعة فى الآجلين المتوسط والطويل؟
النموذج المصرى الملهم
فى تقديرى أن النموذج المصرى سيكون حاسما فى تحديد شكل الشرق الأوسط الجديد،وكما كان إنقلاب يوليو العسكرى عام 1952 مؤثرا فى دول المنطقة وانتج أنظمة عسكرية مشابهة للنظام المصرى سميت ( أخوات يوليو السبعة) وهم ليبيا، واليمن، والسودان، والجزائر، والعراق، وسوريا،ومنظمة التحرير الفلسطينية،وجمع معظم العرب حول مفهوم القومية العربية، فإن الشكل الذى سيستقر عليه النظام المصرى بعد ثورة 25 يناير سيكون مؤثرا فى المنطقة العربية برمتها.

تفاؤل واسع ومخاوف مشروعة
بعد ثورة 14 يناير فى تونس، و25 يناير فى مصر، و17 فبراير فى ليبيا، وظهور احتجاجات واسعة فى اليمن والبحرين والجزائر وحتى سوريا والسعودية، ساد تفاؤل واسع فى الاوساط العربية والدولية حول نهاية " الأستثناء العربى" فيما يتعلق بالديموقراطية على أعتبار أن الموجة الخامسة للديموقراطية انطلقت من المنطقة العربية وأن ربيع الديموقراطية أينع فى المنطقة ، بل وصل التفاؤل بالبعض باعتبار أن القرن الثامن عشر كان قرن الثورة الأمريكية والفرنسية، والقرن العشرين قرن الثورة الروسية والصينية اما القرن الحادى والعشرين سيكون قرن الثورة العربية.
ولكن هذا التفاؤل بدأ يتراجع تدريجيا ليحل محله مخاوف مشروعة وهى:
اولا:الخوف من أن يوقف القذافى ربيع الديموقراطية العربية بأستخدامه المفرط للقوة ضد الشعب الليبى.
ثانيا:الخوف من أنهيارالنظام البحرينى المعتدل سيعزز النفوذ الإيرانى فى المنطقة.
ثالثا: الخوف من سيطرة الإسلام الجهادى على الجزء الشرقى من ليبيا.
رابعا: الخوف من الفوضى والانقسامات فى اليمن وأن تتحول إلى صومال أخرى وموطن رئيسى للتنظيمات الجهادية.
خامسا: الخوف من سيطرة الأخوان والقوى الإسلامية الأخرى على مصر، لتقود بدورها أسلمة الشرق الأوسط كله.
سادسا: الخوف من أستمرار حالة عدم الأستقرار فى المنطقة بما يؤثر بدوره على الأقتصاد العالمى بالسلب.
عودة للنموذج المصرى
كما قلت أن النموذج المصرى سيكون له الدور الرئيسى فى قيادة التغيير فى المنطقة العربية ولكن السؤال إلى أين؟.
رغم سلمية الثورة المصرية، ورغم ابتعادها عن الشعارات الإسلامية، ورغم ان المخططين والمنفذين لها منذ البداية كانوا من الشباب الواعى والراغب فى القضاء على الفساد والإستبداد وإسقاط النظام وتفكيك مؤسساته لصالح دولة مدنية ديموقراطية تعيد بناء مؤسساتها بشكل صحيح ، إلإ ان العديد من المؤشرات السلبية بدأت فى الظهور:
● الظهور الواسع للتيارات الإسلامية السلفية والجهادية بالإضافة إلى الاخوان المسلمين، والإعلان عن رغبتهم للمشاركة فى العملية السياسية على أرضية الدولة الإسلامية، وتهديدهم القوى لمن يقترب من المادة الثانية من الدستور التى تتعلق بالشريعة.
● الضغوط التى مارستها بعض الدول العربية على مصر، وعلى رأسها السعودية والكويت لوقف محاكمة مبارك، والتهديد بسحب الاستثمارات العربية وطرد العمالة المصرية لديها إذا تمت محاكمته.
● الخوف من تدخل الدول العربية لعرقلة النموذج المصرى للديموقراطية كما حدث فى العراق.
● الشكوك فى وجود صفقة بين الأخوان المسلمين والمجلس العسكرى، خاصة بعد تعيين المجلس العسكرى لشخصية إسلامية لرئاسة لجنة التعديلات الدستورية، والاحتفاء بعدد من رموز الإسلام السياسى .
● الخوف من حدوث اضطرابات اجتماعية وطائفية فى ظل غياب الأمن والتدهور المتسارع فى الوضع الأقتصادى.

والسؤال ما هو مستقبل مصر؟
فى تقديرى أن مصر ستتخبط فى السنوات الأولى كما حدث فى اغلب الثورات الكبرى ، ولكن فى الآجل المتوسط،أى بعد عدة سنوات من الآن ستسلك أحدى الطريقين،أما طريق النظام الإسلامى الحالى فى تركيا وهو يتخذ طريق الأسلمة خطوة خطوة بذكاء شديد محاولا التهام المؤسسات العلمانية بالتدرييج، أو ستسلك مصر طريق النموذج الباكستانى، أى تبادل المصالح والأدوار وكراسى السلطة بين العسكريين والإسلاميين. ورغم أن كل من النموذج التركى الحالى والنموذج الباكستانى يطلق عليه ديموقراطية، إلا أن كليهما أبعد ما يكون عن النموذج الغربى فى الديموقراطية والذى يهتم بالحريات قبل صناديق الأنتخابات.
نموذج الحكم القادم فى مصر سيؤثر بلا شك على شكل الشرق الأوسط برمته وبالتالى على العالم كله، ودور الأقباط والعلمانيين سيؤثر على شكل النظام المصرى القادم.. وهذا بدوره يضع المسئولية على الغرب لتقوية وضع الأقباط والعلمانيين وبناء تحالف بينهم يخدم الدولة المدنية.

توصيات
1-الشركاء الطبيعيون للأتحاد الأوروبى فى مصر هم الأقباط والقوى العلمانية، ودعم الأتحاد الأوروبى للأقباط والعلمانيين سيعمل على منع انزلاق مصر إلى دولة دينية،أو على الأقل تأخير خطوات هذه الدولة الدينية.
2-على الأتحاد الأوروبى الضغط على المجلس العسكرى من آجل ضمان حماية الدولة المدنية فى مصر.
3- تسريع ضخ المعونات إلى النظام المصرى فى الوقت الراهن مع ربط ذلك بمراقبة العملية الديموقراطية وحماية الحريات العامة.
4-فتح فروع للمراكز الأوروبية فى مصر من آجل المساعدة فى تسريع العملية الديموقراطية ومراقبة تطورها.
5-تدريب قيادات من الأقباط والعلمانيين على المشاركة السياسية والعمل العام
6-يجب أن تشمل أى محادثات أوروبية مع الطرف المصرى ضمان الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

ترجمة نصية لورقة مقدمة لشبكة الأفكار الأوروبية بمدريد يوم 22 مارس 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدق مناحم بيجين
بشارة خليل قــ ( 2011 / 4 / 15 - 18:23 )
قال حينها ان الاسلام لا يستطيع التعايش مع الاخر
فلبين,الصين,تايلاند,الهند,القوقاز,البلقان,قبرص ,نيجيريا,اثيوبيا:في كل هذه الدول والاقاليم حيث المسلمين اقلية لم يستطع المسلمين التعايش مع الاخرين.تبدو ملامح هذا العجز حتى في مسلمي الهجرة الجديدة للغرب
في الحقيقة باكستان نفسها وكذلك بنغلادش انفصلتا عن الهند على اساس ديني كخطوة نكران للجميل بحق المهاتما غاندي الذي استطاع تحرير الهند بينما هم طالبوا بتقسيمها
اما بالنسبة لمصر فهنالك احتمالات ضعيفة جدا باقامة دولة مدنية حديثة وما نتيجة الاستفتاء الا مؤشر واضح ضد الدولة المدنية.واما شباب التحرير فما هم الا الاداة للوصول الى اسلمة
لدولة شكلا ومضمون

اخر الافلام

.. العاهل الأردني يستل سيفه تحية للأجهزة الأمنية والعسكرية


.. غانتس: يجب أن نعمل معا من أجل الوصول إلى انتخابات نشكل بعدها




.. وزير الخارجية الأميركي يبدأ جولة جديدة في المنطقة لبحث سبل ا


.. مصادر يمنية: مهمة إيصال الأسلحة إلى الحوثيين تنفذ عبر جماعات




.. تحقيق أمريكي يفضح فظائع الاحتلال في معتقل سدي تيمان