الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام في كوبا ، الحصار الإقتصادي ، الحلقة الرابعة

فائز الحيدر

2011 / 4 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أيـام في كوبـا

الحلقة الرابعة

الحصار الأقتصادي

فائز الحيدر

تشهد كوبا ومنذ عام 1962 أقسى حصار إقتصادي عرفه التأريخ ، فمن وثيقة سرية كشف عنها النقاب في عام 1991 ، بينت إنه في نيسان / 1960 وقبل حوالي سنة من عملية خليج الخنازير للأطاحة بالنظام الثوري الكوبي من قبل الولايات المتحدة ، كتب نائب وزير الخارجية لشؤون القارة الأمريكية آنذاك مذكرة الى الرئيس الأمريكي جون كنيدي يقول فيها (( لا توجد معارضة سياسية فاعلة في كوبا ، وعليه فإن السبيل الوحيد المتوفر لدينا اليوم من أجل القضاء على الدعم الداخلي للثورة هو خلق حالة من الإستياء والتذمّر بين صفوف الشعب الكوبي ، تقوم على أساس الضيق والصعوبات الإقتصادية ، وينبغي على وجه السرعة إستخدام أي وسيلة يمكن للعقل أن يتصورها من أجل إضعاف حياة كوبا الإقتصادية بغية التسبب بالجوع واليأس والإطاحة بالحكومة لاحقا" )) .

ومنذ ذلك التقرير وحتى اليوم بدأت الإدارة الأمريكية تسعى للأطاحة بالنظام الكوبي من خلال خلق حالة من اليأس وفرض حظر تجاري الغرض منه هو تجويع الشعب الكوبي . وفي ظل هذه السياسة اللاإنسانية المقيتة ولّد وعاش الملايين من أبناء الشعب الكوبي حياتهم . وتحتم على الكوبيين تحمل المعاناة والظروف المعاشية الصعبة الناتجة عن هذا الحصار ، وبالرغم من إن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قرارا" في السنة الماضية / 2010 وهو القرار التاسع عشر بنفس الخصوص والذي يقضي برفع الحصار الإقتصادي والتجاري والمالي المفروض على كوبا منذ شباط عام 1962 ، فقد واصلت الولايات المتحدة على تشديد حصارها ضد الشعب الكوبي وإتخذت جملة من العقوبات الإقتصادية الجديدة وشددت ملاحقتها لنشاط الشركات الكوبية على الساحة الدولية ، ومارست ضغوطاً أكبر على حلفائها للتعاون معها في مشاريع تهدف الأطاحة بالنظام الكوبي .

ونتيجة للحصار الأمريكي وللقليل من فعاليته توجهت كوبا للقيام بعدة نشاطات إقتصادية للحصول على العملة الصعبة للحفاظ على إقتصادها الوطني من الأنهيار وأحد هذه النشاطات هو الأهتمام وتنشيط قطاع السياحي ، لذلك يشعر السائح إن هناك إرتفاعا" نسبيا" في الأسعار لو قورن مع المواطن الكوبي ، ففي كوبا عملتان ، هما ( البيسو القابل للتحويل ) والذي يمكن الحصول عليه من تحويل الدولار الكندي أو اليورو ويستعمله السواح فقط وتزيد قيمته على الدولار الأمريكي بقليل أحيانا" ، أما ( البيسو المحلي الغير قابل للتحويل ) وهو المستعمل من قبل المواطن الكوبي فقيمته حوالي 25 سنتا" من الدولار وبذلك يكون سعر الحاجيات بالنسبة للمواطن رخيصة نوعا" ما ، علما" بإن كوبا قامت بحظر إستعمال الدولار الأمريكي ردا" على الموقف الأمريكي منها .

فرغم الحصـار القاتل فكوبا اليوم ليست كوبا الأمس ، فقد إستيقظت من غفوة دامت لسنوات طويلة كانت خلالها تتلقى مساعدات كبيرة من الأتحاد السوفيتي والدول الأشتراكية وأخذت تتحرك بسرعة لتحسن إقتصادها بالإعتماد على قدرات شعبها ولتلحق بقطار المستقبل رغم إن ما يشاهده السائح اليوم في شوارعها من مشاهد تعود به إلى أجواء الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي عبر السيارات والبنايات القديمة..

ومن خلال جولتنا وتشجيعا" للسياحة شـاهدنا الكثير من الأسواق والمتاجر والبارات والكابريهات والمطاعم المحلية التي تقدم أشهى المأكولات على أيدي طباخين ماهرين وهم يوجهون لنا الدعوات لدخول مطاعمهم ، هذا أضافة إلى المطاعم التي تقدم الوجبات الأيطالية والفرنسية وغيرها ، ولكن لم نرى مطاعم الوجبات السريعة ، فبعض من ألتقيتم من الكوبيين يقولون إن كوبا قد حافظت على خصوصيتها ، لذلك لم نشاهد مطاعم للوجبات السريعة ولا مقاه على الطريقة الأمريكية . لا لافتات ولا إعلانات في الشوارع تتنافس لجذب الزبائن ، لا دعايات تملئ صناديق البريد كل يوم ، لا كازينوات للقمار ولا بيوت للدعارة ، لا عروض خاصة ولا تسابق في إيهام المواطنيـن بتحقيق السعادة والرفاهيـة بشراء بطاقـات اليانصيب ، فالبضاعة موجودة في الأسواق والناس تشتري ما تحتاج اليه بدون إعلان .

في هافانا القديمة لم نلاحظ الحداثة إلا القليل بسبب الحصار الأمريكي ، فلا ناطحات سحاب يكسوها الرخام من الخارج والداخل كما في الدول الرأسمالية ، ولا أبنيـة زجاجية ولا أخـرى ذات أضوية ملونة بل بيوت أثرية متأثرة بطراز العمارة الأسبانية الذين أستعمروا البلاد طيلة ما يقارب الأربعة قرون ، فهافانا القديمة كما نراها اليوم عبارة عن متحف كبير ، فلا يحتاج المرء فيها أن يدخل الى متحف أو يزور موقعا" أثريا" معينا" ، فهي كبقية المدن الكوبية عبارة عن متحف في الهواء الطلق ، فهناك العديد من المواقع الأثرية التي أدرجتها منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي .

ظمن جولتنا في الشطر القديم من المدينة قمنا بزيارة لمصنع شراب ( الرام ) الكوبي المشهور Havana Club وتابعنا خطوات إنتاجه وسـير العمل داخـل المصنع وتذوقنا بعض من إنتاجـه ، ثم بدأت جولتنا في أحيائهـا التراثيـة القـديمة وكنائسها ، النساء الكوبيـات ( الغجريات ) من ذوات الشـفاه الأفريقية الغليظة واللواتـي تجاوز غالبيتهن الأربعين عامـا" أو أكثـر ويلبسن الملابـس الفلكلـورية الملونـة يسـرعن نحونـا لطبع القبلات على خدود السواح والمساكين من أمثالنا مقابـل التكرم بقليـل من العملة الكوبية ( البيسو ) وبالطبع لا يمكننـا التخلص من هذه المواقف الحرجة دون أن تأخذ صورة مع صاحبة القبلة شئت أم أبيت ، فالقبلة من أولائك النسـوة على الخدود ليست مجانيـة أو خدمة سياحية توفرها الدولة كما يتصورها البعض بالعكس فهي تساوي عشرة دولارات أمريكية أو أكثر وما عليك إلا التفاوض لكي تقلل السعر قدر المستطاع وبالحوار الديمقراطي بالطبع مع صاحبة القبلة فنحن كما يعلم الجميع نعيش في زمن الديمقراطية وحقوق الأنسان ، ولم أستطع التخلص من ذلك الموقف حتى قامت زوجتي محرجة بدفع أكثر من دولارين ثمنا" لقبلة من أحداهن على خدي الأيسر بعد أن شبكتني بأيديها مع أخذ صورة تذكارية بكامرة الفيديو لتلك القبلة التي دفعت ثمنها لاحقا" هههــــه .

واصلنا سيرنا في أزقة الحي القديم لنرى مشاهد لم نشاهدها في أي بلد آخر ، هناك في ساحة ( دي أرماس ) ، كاتدرائية ( سان كريستوبال ) الأثرية المعروفة بأبراجها وناقوسها الكبير ، وبقربها سوقا" أطلقت عليه شخصيا" ( سوق الهرج ) ولكنه أكثر تنظيما" ونظافة حيث يباع فيه كل ما يود السائح شراءه من اللوحات الزيتية لأشهر الرسامين الكوبين والمئات من القطع التذكارية والهدايا الخفيفة والملابس وإلى جانبها رفوف تحمل الروايات لأشهر الكتاب في العالم أمثال الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي ، والأيطالي ألبرتو مارافيا ، والكولمبي جابرييل جارسيا ماركيز وغيرهم ، مع مؤلفات لينين وماركس وستالين والعديد من الكتب الماركسية وتجارب الثوار في العالم ومؤلفات وأقوال وصور الثائر جيفارا والبطل القومي خوسيه مارتيه وصور مختلفة لهافانا ومعالمها ، في هذه السوق الضيّقة يمكن مشاهدة جمال الكوبيات كما كنا نشاهدها في شارع النهر في بغداد أيام زمان ومنه أيضا" يمكن رصد الشخصية الكوبية النحاسية التي قلما تشاهدها في بلد آخر والتي نشأت من تزاوج السكان البيض الأسبان والأفارقة الذين جلبهم الأسبان إلى كوبا للعمل في مزارع قصب السكر منذ عقود طويلة يتخللها بعض الصبية ورجال مسنين الذين يمدون أيديهم لمن يصادفهم بالطريق لغرض الحصول على بعض الدولارات .

يزور كوبا مئات الألوف من السائحين القادمين من أوربا وكنـدا وغيرهما وهم يحرصون بصورة خاصة علـى زيارة المدينة القديمـة ومعالمـها التاريخية والجلوس في مقاهيهـا والتجول في شوارعها للإستماع لموسيقى السلسا وأغنيـة) جوانتاناميرا ) ( إي‮ ‬فتاة‮ ‬جونتانا ) الشهيرة للشاعر البطل القومي خوسيه مارتيه والتي يقول المقطع الأول منها ( أنا رجل أمين ، من حيث تنمو شجرة النخيل ، وقبل أن أموت ، أود تقاسم الشعر مع روحي ) إلخ . وهذه القصيدة هي‮ ‬احدي‮ ‬أعظم قصائد خوسيه الوطنية التي‮ ‬صدرت سنة‮ ‬1891 بديوانه الشعري‮ (‬ أبيات بسيطة‮ )‬ وحاليا" تعتبر أفضل‮ ‬أغنية وأكثر شهرة في القرن العشرين ‮ و‬تضم عددا" لا‮ ‬يحصي‮ ‬من المقاطع المختلفة وكثيرا" ما تغني‮ ‬بها الأفراد والجماعات من الفنانين المشهورين اللاتينيين والأوربيين .‮.‬

بعد الأنتهاء من جولتنا في الشطر القديم من هافانا توجهنا لقلب المدينة ووقف الباص الذي يقلنا في منطقة تُسمى المنتزه المركزي ( Central Park ) حيث يلاحظ جموع الناس وحركتهم ، وبجانب هـذا المنتزه يتواجـد المبنى التأريخي ذو القبـه البيضـاء والمعروف بالـكابيتول Capitolio ) ) الذي بني في 1929 لكي يكون مجلس الشيوخ ، وهذا المبنى الضخم يتم التعرف عليه من قبته المرتفعة في سماء المدينة . وداخل هذا المبني يوجد تمثال الجمهورية وهو ثالث أكبر تمثال في الأماكن المغلقة في العالم . ويقع فيه أيضا" مقر أكاديمية العلوم بكوبا والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي ويحتوي على أكبر مجموعة للتأريخ الطبيعي في البلاد . وأمام الكابيتول يوجد متحف رائع ذو تصميم معماري جميل .


يتبع ... هافـانـا مدينـة التـراث والأعـمدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش