الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة العربية الكبرى - فى مسألة تجفيف المنابع

محمود حافظ

2011 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان الحراك الثورى يجتاح الوطن العربى من الخليج إلى المحيط فهذا الحراك الثورى والذى بمقتضاه ثارت الشعوب العربية على أنظمتها المستبدة والمتسلطة والتى إستحوزت وبدون حق مقدرات وثروات هذه الشعوب وإن هذا الإستحواز لهذه الأنظمة لن يحدث إلا إذا كان هناك قوى داعمة لهذه الأنظمة خارجية أدت صيرورتها الكونية إلى خلق هذه الأنظمة ودعمها ورعايتها ومدها بالقوة سواء قوة البطش أوقوة السيطرة الأيديولوجية هذه القوة الخارجية رسمت خريطة طريق لها هذه الخريطة قد أصلت من البداية وهذه البداية نستطيع تحديدها بوضع نهاية لحركة التحرر الوطنى العربية والتى تحددت من وجهة نظرنا بإقصاء رائد هذه الحركة وهو الزعيم المصرى جمال عبد الناصر وإن هذا الإقصاء قد بدأ منذ بداية سبعينيات القرن الماضى ونحن نستطيع القول أن العام 1970 م هو العام الذى حدد من قبل القوى الخارجية كحد فاصل يفصل نهاية حركة التحرر الوطنى العربية وبداية خريطة الطريق للإمبريالية العالمية بالقيادة الأمريكية لتعمل على بسط هيمنتها على العالم العربى والذى كان طريقه هو العداء لأمريكا الحليفة الكبرى لإسرائيل وعندما نتحدث عن العالم العربى نود التوضيح أن شعوب هذا العالم العربى هى القوة المناهضة للهيمنة الأمريكية أو الهيمنة الإمبريالية .
كان لابد من أن تنجز الشعوب العربية ثورتها ضد الهيمنة وإلا بقيت هذه الشعوب فى عداء مستمر للهيمنة الأمريكية هذا الإنجاز والذى تحقق لهذه الشعوب بواسطة النصر المحق وحسم حلقة الصراع العربى الإسرائيلى فى العام 1973 م هذا النصر الذى حققته الشعوب العربية على إسرائيل عسكريا كان نقطة الحسم والقطع حسم لإنتصار الإرادة العربية على العدو الإسرائيلى وقطع لحركة التحرر الوطنى والعمل على تجفيف منابع الثورة العربية الكبرى والتى بدأت بثورة الجماهير العربية بعد الحرب العالمية الثانية لنيل هذه الجماهير إستقلالها من المحتل الأجنبى الأوربى آنذاك .
هنا لابد من طرح مقولة تجفيف المنابع وماذا يعنى التجفيف وما هى المنابع هذه المقولة التى أصبحت تتداول حاليا فالمنابع هنا هى القنوات الداعمة والمؤيدة لحركة التحرر الوطنى وللثورة العربية ضد الإستعمار وهذا المنبع هو القوة المناهضة للإمبريالية العالمية وآنذاك هى قوة اليسار العالمى والذى كان بزعامة الإتحاد السوفيتى والذى طرح البديل للشعوب المحررة وهذا البديل التنموى كان لابد أن يكون حلا إشتراكيا لتحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية عن طريق التنمية بالموارد المتاحة لهذه البلاد وأن يتم دعم هذه البلاد المحررة من حركة اليسار العالمى الداعمة للدول المحررة والتى تجمعت تحت راية دول عدم الإنحياز .
إن الإنجاز الذى تحقق بهذه المساعدة كان إنجازا كبيرا على مستوى التنمية ومستوى الإستقلال هذا الإنجاز الذى حددنا سلفا نهايته بإقصاء الزعيم المصرى جمال عبد الناصر وخاتمة الإنجاز حرب أكتوبر 1973 م .
وإذا كان المنبع الذى دعم وساعد على تحقيق هذا الإنجاز هو حركة اليسار العالمى فبالضرورة يجب تجفيف منابع هذه الحركة بطرح بديلا أيديولوجيا يكون الهدف منه إقصاء اليسار وقذفه بعيدا عن الدول العربية .
تركز هذا الإقصاء بواسطة طرح اليسار العالمى كيسار إلحادى لايعترف بالأديان فى منطقة جغرافية هى مهبط كافة الأديان السماوية بدءا من اليهودية ونهاية بالإسلام مرورا بالمسيحية وأن شعوب هذه المنطقة لديها الميل الطبيعى والعاطفى للتدين وأن أى معول هادم للدين سوف يقابل بالرفض من شعوب هذه المنطقة .
كان العامل الثانى بعد طرح عامل تجفيف منابع اليسار هو خلق سلطة إستبدادية ودعمها بالقوة الغاشمة للسيطرة على الشعوب بعدما تم تفعيل تجفيف منابع اليسار .
إن عملية تجفيف منابع اليسار فى الوطن العربى قد خلقت نوعا من اليأس لدى الشعوب العربية والذى كان مزاجها متجها نحو الفكر اليسارى لما لمسته من وضع مادى على أرض الوطن هذا الوضع المادى كان قد ترجم فى آليات التنمية فى البلدان التى نهجت النهج الإشتراكى كمصر وسوريا والعراق والجزائر والذى بان فى بناء قاعدة إقتصادية يبنى عليها صناعات تستوعب قوة العمل فى هذه البلدان .
كان لابد وبالضرورة فتح ينابيع لمنابع جديدة تساير خريطة الطريق الإمبريالية وهذه المنابع الجديدة تأصلت وفى مصر تحديدا بعودة المنفيين من جماعة الإخوان المسلمين والذين إستوطنوا المملكة العربية السعودية بعد إستبعادهم من النظام الناصرى وكان بالضرورة لوجودهم فى المملكة السعودية الوهابية أن يمتزج فكر الإخوان بالفكر السلفى الوهابى ليعود الإخوان المسلمين من السعودية بقدرة مالية من البترودولار وبقدرة أيديولوجية تحمل مع فكرهم المسحة الوهابية السلفية هذه العودة قد تم الترتيب لها على أن يتم إقصاء اليسار العربى والمصرى بواسطة البديل وهو اليمين الدينى وهذه المعاد-لة ه9ى المعادلة التى تبناها النظام الساداتى وعمل على الترويج لها وتمويلها من المنابع السعودية والتى تخشى تفشى الفكر اليسارى لديها وهو الفكر الكفيل بإسقاط النظام السعودى الذى يستحوز على مقدرات الشعوب العربية فى السعودية بالدفع العاطفى نحو التدين القسرى بواسطة الإتلاف بين السلطة المدنية والمتمثلة فى عائلة آل سعود والسلطة الدينية المتمثلة فى الحركة الوهابية والتى يمثلها فى الشارع السعودى جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وكانت الجامعة المصرية هى ىالوحدة الأولى التى تم فيها وضع اللبنات الأولى لإقصاء اليسار وحل محله الجماعات الدينية من الإخوان المسلمين وما جلبوه معهم من الفكر السلفى الوهابى والذى ظهر فى حماعتى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامى وسرعان ما تم التجهيز لمفرخ لهذه الجماعات بإبتكار الوضع الأفغانى وإطلاق صيحة حى على الجهاد وسرعان ما إستجاب النظام المصرى وقام بتصدير الشباب المصرى لأفغانستان لمحاربة الشيوعين الكفرة الملحدين طبقا للرواية المروج لها من قبل الإمبريالية العالمية والتى قررت العمل على تفكيك الإتحاد السوفيتى حتى لايكون بديلا إشتراكيا لتدهور نظامها الرأسمالى والذى كان على عتبة الإنهيار فى منتصف سبعينيات القرن الماضى فكان لابد من العمل على إقصاء هذا البديل فكريا ونظريا وإقصائه أيضا من موطن تكدس الثروة حتى يتم إخضاع النظم العربية للنظام الرأسمالى العالمى وتأبيد هذه النظم إستبداديا عن طريق الحث الأيديولوجى نحو كراهية اليسار كنظام بديل وحماية هذه النظم الإستبدادية بالقوة الغاشمة لقمع شعوبها العربية أيضا بالقوة الغاشمة والغطاء الأيديولوجى .
هذا الغطاء الأيديولوجى والذى تمثل فى تأسيس منابع تخدم هذا الغرض هذه المنابع تمثلت فى تأسيس العديد من الجمعيات الخيرية والتى تعمل على مد يد العون للفقراء الذين وجدوا نتيجة تجفيف منابع اليسار وإجهاض حركة التنمية فى إستيعاب اليد العاملة عن طريق إنشاء مشاريع تنموية تستوعب اليد العاملة .
هذا الأمر الذى يجب أن يجعلنا أن نوضح أن مشروع القضاء على اليسار العربى والذى بدأ بالتحالف بين السلطة المستبدة والجماعات الدينية كان قد أستكمل الحلقة بالعمل على التخلص من بقايا النظام الناصرى والذى كان فى طريقه للتحول الإشتراكى والذى تم ببناء قاعدة إقتصادية متمثلة فى بناء قطاع عام صناعى قوى وهذا التخلص قد تم ببيع هذا القطاع العام الصناعى وإجهاض هذا المشروع والذى أدى إلى توافر جيش من البطالة هذا الجيش هو الذى عملت على إستمالته منابع الجمعيات الدينية الخيرية بمده بالفتات لسد رمقه وتجنيده لخدمة مصالح هذه الجمعيات كإرسال شبابهم لمقاومة الشيوعية فى أفغانستان .
وإذا كانت هذه الجمعيات الخيرية أحد المنابع للبنية الأيديولوجية للتيار الدينى فقد كان منبع آخر تمثل فى تأسيس المدارس الخاصة ذات النشأة الدينية وهذه المدارس الخاصة ذات الأجر المتدنى كانت بديلا عن المدارس الحكومية والتى عمل النظام المستبد على تدهور حال العملية التعليمية فيها الأمر الذى جعل أولياء الأمور ينحون قسرا نحو الدروس الخصوصية لتعليم أولادهم وهم يعون جيدا أن نهاية التعليم بطالة فكان أن لجأ قسم من الشعب على تعليم أولادهم فى هذه المدارس الخاصة الدينية والتى توفر فى العملية التعليمية عن الدروس الخصوصية وعن المدارس الخاصة الباهظة الأجر وبالضرورة أن تقوم هذه المدارس الخاصة ببناء جيل جديد من الشباب الممون لهذه الجماعات .
كان من ضمن هذه المنابع أيضا التركيز على بعض دور العبادة وجعلها مقارات بديلا عن المقارات الحزبية ففى هذه الدور تعقد الإجتماعات وتعقد الندوات الفكرية ويتلى فيها المحاضرات والوظيفة هنا كراهية الفكر العلمانى والتجييش للفكر الدينى السلفى الوهابى .
وبعد مقتل السادات وإقصائه بواسطة هذه الجماعات وأيضا بعد المحاولة الفاشلةلإقصاء مبارك فى أديس أبابا قامت السلطة المستبدة بفك الإرتباط بينها وبين الجماعات الدينية ولكن محاولتها لم تنجح إلا بعد أحداث 11 سبتمبر ( أيلول ) 2001 م والإعلان الإمبريالى عن تجفيف منابع التيار الدينى السلفى الذى تم إنشائه ورى منابعه بواسطة الإمبريالية العالمية لخدمة مصالحها .
وإذا كان هذا هو الحال فى مصر الملهمة فإن الأمر فى سوريا الشقيقة كان قد تم إقصاء التيار الإسلامى من سوريا على يد حافظ الأسد وتشتيت التيار الإخوانى فى سوريا ولجوء معظم قياداته إلى الخارج خوفا من بطش النظام فى سوريا وقد حاولت هذه الجماعة الإخوانية السورية إختراق النظام السورى إلا أن كافة محاولتها قد باءت بالفشل .
أما فى الجزائر وتونس والمغرب والأردن واليمن فإن هذا التيار السلفى قد تلقى الضربات من الأنظمة القمعية المستبدة لمحاولته إقصاء هذه الأنظمة .
هذا التيار قد نجح ضمنيا بالسودان إلا أنه فى النهاية قد أدى إلى تقسيم السودان إلى دولتين شمالى وجنوبى .
هذا هو حال الأمة العربية قبل قيام الثورة العربية الكبرى فى تونس ثم مصر ثم إشتعال الثورة فى ليبيا والبحرين واليمن وكافة الشعوب العربية الثائرة على أنظمتها المستبدة فالثورة هنا هى ثورة على النظم المستبدة المتحالفة مع النظام الإمبريالى العالمى هى ثورة تعمل على إسقاط هذه النظم وتغييرها هى ثورة جعلت شعارها هو الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية فهى ثورة شعوب عربية تعمل على إسترداد حقها الطبيعى فى ثرواتها التى إستحوزت هذه النظم المستبدة عليها وجعلت هذه الثروة بمثابة الأكسجين للنظام الإمبرالي العالمى المهيمن لمنع إنهياره البنيوى هذا النظام الذى أصبح متحكما فى الكون ولديه القدرة على إقصاء أنظمه وإستبدالها بأنظمة أخرى طالما كانت الأنظمة المراد إقصائها سوف تسبب الإساءة إليه ولكن من الثابت أيضا أن هذا النظام كل ما يخشاه ثورة الشعوب وأن الحال أيضا فى الثورة العربية الكبرى هى ثورة شعوب عربية هدارة تجتاح الوطن العربى بأكمله هذه الثورة والتى قامت بها الشعوب العربية بواسطة شبابها قامت بإنجاز ثورتها فى تونس ومصر دون أن تحتم هذا الإنجاز فحتمية الإنجاز هنا تحتاج إلى راعى وراعى الثورات والذى يتمثل فى اليسار قد جفت منابعه واليسار العربى الآن كل همه فى البحث فى أصولياته دون أن يكون فاعلا بين الشعوب العربية الأمر الذى جعل النظام الإمبريالى العالمى يعمل على فتح الينابيع الذى كان قد أغلقها بعد أحداث 11 سبتمبر ( أيلول ) ليعمل على رى منابع التيار الدينى وما نقرأه الآن هو إنهمار المياه فى نهر التيار الدينى وخاصة المتمثل فى الإخوان المسلمين فقد بدأت الجمعيات الخيرية العودة وبكثافة إلى ممارسةعملها وبدأ الإعلان عن العمل فى دور العبادة لتخرج الطلائع السلفية وبدأ العمل فى المدارس الدينية ولاضير فى ذلك أن يلعب البترودولار الدور الأكبر فى تمويل رى منابع التيار الدينى فكما بدأ هذا الرى للمنابع داخل فصيل من فصائل الثورة المصرية نجد هذه المنابع وبالبترودولا تخترق النظامك السورى والأردنى وكافة البلدان الثائرة .
لاشك أن اليسار يعى جيدا مايحدث على الساحة العربية ولكن هذا اليسار لايملك القدرة المادية التى تمتلكها النظم المستبدة الباقية والتى إستحوزت على ثروات شعوبها وأن الأمر على اليسار العربى أصبح ثقيلا جدا لكى يعمل ويتغلغل صفوف الجماهير الثائرة فإذا كان التيار الدينى من أمامه فمن الخلف يوجد التيار الليبرالى .
لقد زاد من عمق تأزم اليسار العربى أن اليسار العالمى الداعم والذى يتمثل فى الصين والهند ودول أمريكا اللاتينية كالبرازيل وفنزويلا والدولة التى قهرت سياسة الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا إضافة إلى روسيا هذه الدول الداعمة للحركة اليسارية العالمية أصبحت تقف وتساند وتدعم أشد الديكتاتوريات العربية قسوة على شعوبها ولا معنى لهذا الدعم الذى يدعمه اليسار العالمى للديكتاتور القذافى الذى وصف شعبه بالجرزان وأخذ يضرب هذا الشعب بالدبابات ومدافع المورتر والهاوتزر وبصواريخ جراد ولا عجب فى ذلك فإن التكنولوجيا الحديثة لثورة المعلومات قد أوضحت المخبئ وأصبح هذا المخبئ مفضوحا من خلال كاميرات وسائل الإعلام هذه الديكتاتوريات التى جعلت من شعوبها شعوبا متخلفة غير قادرة على العمل بعدم إستنهاض هذه الشعوب من خلال تنمية بشرية مستدامة حتى تقوم هذه الشعوب بإدارة ثروتها لقد فطنت هذه الديكتاتوريات المستبدة إلى أن إيقاذ الشعوب سوف يكلفها إستبدادها فإن ييقظة الشعوب وكما هو الآن يجعلها تنحى إلى الحرية والديموقراطية .
إن الطرف الذى من الممكن أن يعمل على تشغيل منابع اليسار يقف وراء السلطات المستبدة كما فى الحالة الليبية وأن مسألة إنعاش المنابع اليسارية لابد لها أن تعتمد على الذات اليسارية وإلا على الثورة العربية الكبرى السلام وأن شعار الحرية واليموقراطية والعدالة الإجتماعية سوف يظل شعارا طالما بقيت منابعه جافة وطالما تم تفعيل تيار اليمين والذى دوما بينه وبين الحرية والعدالة الإجتماعية خندقا لايتم التقاطع ولا التقابل فقد تأسس التيار اليمينى على الإستغلال فكيف يقيم العدالة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارات جوية عنيفة من الاحتلال على رفح في قطاع غزة


.. 6 شهداء وجرحى وصلوا مستشفى الكويت التخصصي برفح جراء قصف إسرا




.. الخارجية الأمريكية: لا ينبغي أن تكون هناك مساواة بين إسرائيل


.. وجوه جديدة تظهر في سدة الحكم أبرزها محمد مخبر النائبِ الأولِ




.. العلماء يكتشفون فيروسات نادرة عملاقة عمرها 1.5 مليار عام