الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كن إنسانا ... في وداع فيتوريو ... لا تعذر تطرفنا يا صديقي

سائد السويركي

2011 / 4 / 16
القضية الفلسطينية


كن إنسانا
في وداع فيتوريو أريجوني
ما زلت أذكر اللحظة الأولى التي وطأت قدما فيتوريو فيها غزة ، هناك أناس يصبحون جزءا من حياتك بمجرد رؤيتك لهم ، فيتوريو أول شيء صنعه هو تقبيل تراب غزة ، وأول شيء صنعه هو قراره بأن يصبح مقاتلا أمميا في سبيل الحرية ، فيتوريو وغزة حكاية استكملت نهايتها المأساوية ، لأننا عشنا وما زلنا نعيش كما النعامة التي تدفن رأسها في الرمل ، نحن لا نرغب في الإعلان عن وجود فكر مجنون يؤسس للقتل العشوائي باسم الله والوطن والدين ، فيتوريو عندما جاء كان يعتقد أن غزة هي أجمل مكان في الكون ، لهذا كان يفترض أن مصيره سيكون مثل مصير المناضلة الأممية من أصل يهودي " ريتشل كوري " ، كان يفترض أن هناك إمكانية لاغتياله ، وقد كان قريبا من الموت عدة مرات برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي ، كم مرة أطلقوا عليه النار ، كم قذيفة سقطت على بعد أمتار منه في الحرب الأخيرة على قطاع غزة ، كم مرة تم استهدافه وهو يدافع عن الصيادين في عرض البحر .
في مرة سألته لماذا حضرت إلى غزة ؟ ولماذا أنت مستعد للموت في سبيل حرية الفلسطينيين ومن أجل كسر الحصار ، لم أفهم إجابته ، ولي حق في عدم الاستيعاب ، لأن العقل العربي الذي نحمله هو عقل عنصري لا يستطيع أن يبحث له عن دور إنساني في هذا العالم متعدد الثقافات والديانات ...
قلت له : نحن لا نفكر مثلك ، وحتى لو احترقت إيطاليا ، لن يفكر أحد منا بالذهاب للتضامن معها ... ضحك ... لأنه أدرك أزمة العقل التي أحملها
فيتوريو ... فلسطيني حتى النخاع أكثر منا جميعا ، إنسان دفع حياته ثمنا لقيمه التي ما زلنا أعجز من أن نفهمها ، لأننا وببساطة لا ننتمي لعالمه الجميل والطيب .
مشكلتنا في جوهرها هي مشكلة العقل والقيم ، والعصبية والقبلية والعنصرية التي تسللت إلى كل خلايانا ...
أحدهم قال لي : نحن يهود هذا العصر ، لأننا باسم الله نقتل أنبياءنا ، قلت له : أنت محق ،القيم التي حملها فيتوريوهي قيم حملها الأنبياء من قبله ، الدفاع عن المظلوم ، الاستعداد للموت من أجل الفقراء والضعفاء والمكسورين والمحاصرين ...
غزة أحبت فيتوريو ، غزة قتلت فيتوريو ، غزة بكت دما وشعرت بكثير من الإثم والخطيئة لأنها شنقته .
هي التناقضات المخجلة لأناس فقدوا معناهم ، القتل لم يكن الجريمة الوحيدة للجماعة التي اختطفته ، المؤلم أكثر هو السياق الذي اغتيل فيتوريو على أرضيته ، في الإعلان المشئوم عن الاختطاف ، بدا فيتوريو مذلا ومهانا على أرض غزة ، تسيل الدماء من وجهه ، كتبوا في الإعلان أنه فاسد مفسد للبلاد والعباد ...
هذه جريمة أخطر ...
كان فيتوريو فاسدا لأنه قرر أن يترك والده المريض بالسرطان ووالدته المريضة ليقاتل نيابة عن غزة في معركة حريتها ، فيتوريو كان فاسد عندما أصيب بالقصف الإسرائيلي على غزة إبان الحرب ، فيتوريو كان فاسدا لأن قيمه كانت كما خلقها الله ، طاهرة ونقية ، فيتوريو كان فاسدا لأن صمم على كسر الحصار والحصول على الجنسية الفلسطينية ، ومساعدة الفلاحين على العودة لأراضيهم التي منعتهم إسرائيل من دخولها على طول الحزام الأمني ...
هذا نوع جديد من الفساد الذي حاكمه القتلة باسم الله عليه ...
فيتوريو ...لم يكن هو الأول في قائمة ضحايانا الطويلة والمخجلة ، لم نشف بعد من رصاصات قاتل آخر في جنين قرر أن يغتال المخرج جوليانو مير خميس ، صاحب أروع فيلم وثائقي أعاد الاعتبار للمقاومة الفلسطينية المسلحة ، جوليانو ابن آرنا اغتلناه على أرضية ذات السياق الفاسد والمجرم والمجنون الذي نحمله في عقولنا ...
على آلان جونستون أن يكون سعيدا الآن ، لأنه كان قاب قوسين أو أدنى من الموت باسم الله والوطن والدين على أرض غزة التي أحبها أيضا ...
نحن نحمل وعيا فاسد حتى النخاع ، لأننا لا نملك القدرة على مراجعة منظومتنا الفكرية التي أسست وما زالت تؤسس لكل هذه الوحشية المجنونة التي نمتلكها ، نحن نحمل وعيا فاسدا لأننا نعرف جيدا ، أن كل واحد منا هو مشروع قاتل مأجور ، أو قاتل وطني ، أو قاتل سلفي ، لا بأس مجرد اختلافات في التوصيف لا تعني شيئا ، نحن قتلة .
القاتل هو ابن منظومة فكرية وثقافية ، يكفي أن نزرعها في عقول أبنائنا ... لنرى أيديهم الملطخة بالدماء فيما بعد ...
هل نملك القدرة على المراجعة الشفافة للذات لنعرف كيف انزرعت فكرة القتل الوحشي في تربة غزة التي تدافع عن حريتها وإنسانيتها ، أين هم أهل الله الوسطيون ، أين هم المنظرون لسماحة الدين ، أين هم أهل الله الذين يقدمون صورة رائعة للمسلم النقي الطاهر ، أين هم أهل الله الذين يقولون للقتلة ، الدين ليس سجادة صلاة ومسبحة ، الدين قيم وسلوك ...
هل انتهت جرائمنا يا غزة ، هل من محب آخر سيختطفه أناس مرضى ، وسيمارسون عليه وحشيتهم حتى ينالوا جنة الله واثنين وسبعين من الحور العين .
الله لا يكافئ القتله ، بل يكافئ المحبين المخلصين الودودين ...
فيتوريو كان يقولها دائما : كن إنسانا
فهل كنا كذلك
التصحيح يبدأ من إعادة الإعتبار لدين الله بسماحته ، الأمر يبدأ من الجرأة في الاعتراف ، أن التطرف الذي يملأ عقول الكثير منا ، هو ظاهرة ينبغي محاربتها
ربا لو فعلنا ذلك
تغفر لنا روح فيتوريو الذي مات مظلوما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين التعليقات ؟
ناديه احمد ( 2011 / 4 / 16 - 21:11 )
شىء غريب لم اجد فى أكثر المواقع تعليقات من القراء تدين القتله .لماذا هذا الصمت ,, الا يستحق ان نوجه لاهله كلمة مواساه أو أعتذار ؟ هل هو أقل من مروة الشربينى ( مع احترامى للشهيده) , لا نكيل هكذا بعشرة مكاييل وليس بمكيالين . ان قتل الاسير جريمة تستنكرها كل الاديان , فما بالكم بمن جاء ليقدم المساعده ؟

اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا