الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصافي سؤال الشعرية ج1

علي متعب جاسم

2011 / 4 / 17
الادب والفن


يصدق احيانا ان نطلق على شاعر ما انه شاعر مثير !وقد يكون اوتكون الاثارة بمناح مختلفة ! اثارة فنية او فكرية او عاطفية على اختلاف انواع العواطف .
والشاعر الجيد من يثير في متلقيه استجابة ويخلف في ذهنه تساؤلا ليس بالضرورة ان ينتمي الى عصره بل ربما من المهم ان يكتشف الشاعر واسئلته فيما بعد عصره اذ يعني ذلك مقدار ما يحمله شعره من اسئلة صالحة وفاعلة .
والصافي احد هؤلاء الشعراء الذين تنبع اهميتهم الشعرية ومكانتهم من كونه حاول ان يختط لنفسه خطا شعريا متمايزا عن الحاضنة التي وعته "الاجتماعية والسياسية ".
هذه الواعية التي انتجت شعراء مثل الرصافي والزهاوي والشبيبي بخطوط شعرية متقاربة انفردت بانضاج شعرية مغايرة استثمرت "اليومي"وتبنت السهولة "والعادية"لانتاج نص بقي فاعلا الى هذه اللحظة .
اشار من درسه الى انه يمثل خطا مستقلا في الشعر اذ ذهب الدكتور جلال الخياط الى وضعه تحت شعراء "المدرسة المستقلة "واصفا اياه انه ليس بالمقلد وليس بالمجدد.1
وترى الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي ان النجفي اسهم في تغيير الحساسية الشعرية
وقد اوجزت مفاتن شعريته ب"بساطة شديدة في الاسلوب وبلغة شعرية كثيرا ما تقترب من الكلام السائر "كما انه "استطاع ان يعالج المواضيع العادية في الحياة اليومية من دون ان يتعثر "كما افلح "في استدعاء نوع من الدعابة المتحفظة "فاتحا "مجالا جديدا للتجربة في الشعر "2
ولكن كما يبدو لي وعلى تناول الباحثين والنقاد لشعره لم يدرس الصافي دراسة تبين بعمق مسالك شعريته . كيف استثمر اليومي في شعره ؟ ولماذا اصبح مميزا ومقروءا ؟وهل شكل اتجاها ما في الشعر العراقي ؟
اسئلة كثيرة تثار اثناء قراءة الصافي والاجابة عنها ليست سهلة تماما ولن تكون وافية الا _ربما بالقدر الممكن تحقق رصد مسالك الشعرية فيه وسنحاول هذا .
1. المضمون .تشكل النمط اليومي شعريا
حملت تجربة الصافي نمطا من التعامل مع المضمون يختلف عن المالوف في حينها .
وهونمط تشكل عنده بفعل مؤثرات بيئية بحتة .اقصد بالبيئية انه نتاج بيئة اجتماعية هيات له التالف مع عوامل التشرد والانكسار النفسي اذ لقي في مقتبل شبابه عاملان اسهما في انتاج هذا التحول :هما واقع اسرته الذي لم يتسن له العيش في وسطها انسانا سويا ،ما اثر في تنامي نفسية مستقرة وشخصية متوازنة .والعامل الثاني انصياع الصافي بوازع ديني"وهوربيب الدراسة الدينية النجفية" ومشاعر وطنية للانخراط في صفوف الشباب المقاتلين ضد الانكليز ،وما تبع ذلك من متابعتهم اياه واضطراره الى الهرب شرقا الى ايران قاضيا فيها ثمان سنوات .
هذان العاملان رسخا في لاوعيه مفهوما خاصا للحياة اذ هو يفلسفها من منظار الاغتراب النفسي الذي عمقه التشرد الاجتماعي فهو لايشعر بالانتماء الى جماعة
بمفهوم الجماعة الاليفة وزاده في ذلك، الاغتراب المكاني الذي قهره بعد ثمان سنوات وانتهى به متسللا الى وطنه ليلقى قدره مقبوضا عليه منفيا الى السجن في بيروت ما زاد في غربته وعمق من وحدته . لم تكن حياة الصافي عادية فتقلباته من حال الى اخر ومعاناته واغترابه ولدت عنده نمطا من الفلسفة التي اتخذها معيارا لحياته وهي الذاتية . نادرا جدا ان انوجد شاعرمعاصر له بالاتجاه هذا مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الذاتية الرومانسية التي تسربت منذ الثلاثينات الى العراق لم تؤثر في مثل هذا التوجه فهو ونتيجة للظروف التي مر بها اعتقد ان خطه الشعري لابد من ان يعبر عن ادق تفاصيل حياته .كانت موجة من الاعتقاد الشعري سائدة انذاك تقول ان الشعر العصري هوالشعر الذي يعبر عن واقعه وعصره ،وهنا مفترق الطرق اذ فهم بعض الشعراء من مجايليه ان الشعر العصري شعر يرصد الظاهرة الخارجية التي استجدت على ظاهر الحياة ،الحكومات،البرلمانات ،الوزارات ،الارملة ،كرة القدم ،المدارس ...الى..الاخر ما طرا بفعل التحولات السياسية والاجتماعية ،عالج الشعراء هذه التحولات برؤية خارجية منتقدة او محفزة وراصدة من دون ان تبلور هذه الرؤية موقفا رؤيويا ثابتا ومحكما وتبع ذلك تبني مجموعة من القيم الفنية وربما يصح القول "اللافنية !" .لكن الصافي ونتيجة للمؤثرات التي صاغت شخصيته ودفعته باتجاه اكتشاف مفردات الحياة بحساسية صادقة تبنى مفهوم الشعر العصري الذي يعني رصد واظهار ما يحس به ويعانيه وليس ما يراه .الشعر العصري يرصد اثر النفس وتقلباتها بفعل المؤثر العصري ومن هنا يصح ان نقول ان الصافي رائد كتابة القصيدة التسجيلية التي تعكس مفردات الحياة اليومية برؤية ذاتية غير مشروطة وليست خاضعة لاملاءات خارجية .سواء كانت هذه الاملاءات مرحلية تسربت من مجايليه او قديمة خلفتها قراءاته التراثية .يصعب ان تتحدد موضوعات معينة طرقها الصافي لسبب بسيط هو ان شعره مواكبة تراتبية وتراكمية لمجمل حياته ،ففي كل موقف له راي ،ولكل حالة من حالات النفس موقف شعري حتى لو تكرر الموقف وتراكمت التجارب ،من غير تنظيم ومن دون ترتيب ولذا كان شعره يوميات ربما تتكرر وربما تتتضايف ولابد من القول باشارة مهمة ان هذا النمط من الشعر يرتبط بتجربة صاحبه ما يعني ان هناك احداثا كثيرة تمر او مرت سياسية او غيرها من دون ان ترتسم خطوطها في شعره وما اعتنى به من تجارب هو فقط ما كان شديد الاثر والملامسة لمفردات حياته .تولد عن كل ذلك وتبلور موقف تجاه المجتمع . اعتقد الصافي ان المجتمع انهكه وعزله لانه يسير وفق مقتربات لايراها هو صحيحة ،ولذا اعلن تمرده الذي جسد عزلته ووحدته ،ويبدو لي ان تمرد الصافي ناتج بالاساس عن ذلك الاحساس الحاد بالاغتراب الذي تفاقم حتى اصبح جزءا من نفسه وسلوكا في طبعه :يقول:
ينفرني طبع عن الناس نافر فاحسبني بين الورى عائش وحدي
ويقول ايضا :
الا تبا لمجتمع دنيء تكون جنسه من كل رجس
اتيت لانشر الاصلاح فيه فما اصلحت بل افسدت نفسي
في حالة اشبه ماتكون بتمرد الصعاليك على واقع نظام القبيلة قديما ، فمال بعضهم مثل الشنفرى الى عالم الحيوانات التي راى فيها "الاهل" قائلا:
ولي دونكم اهلون سيدعملس وارقط ذهلول وعرفاء جيأل
هم الاهل لامستودع السر ذائع لديهم ولاالجاني عليهم
تمرد الصافي على قيم المجتمع "الانساني"لزيفها وبطلان الروحي
ان عصر الالات هذا عدانا فغدونا نعيش كالالات
متجها الى عوالم اخرى ربما كان عالم الحيوان اقرب اليه من عالم البشر :
احب الكلب وابن الكلب بل من دعاه الناس عند السب كلبا
فقالوا فيم نار الغيض تذكو اذا الانسان باسم الكلب سبا
فقلت لانهم اعطوه شانا على ما يستحق سما واربا
السؤال الذي نريد طرحه .الى أي مدى يشكل المضمون اهمية في ارفاد الشعرية ؟ واذا امكن ان نقول هل للمضمون اهمية في رسم معالم شعرية النص ؟
ما متعارف عليه ان المضمون يتاسس اهمية وضعفا بناء على الادوات التي تمكن الشاعر من تناوله اياه .هذا يعني ان المضمون ايا كان تتوقف اهميته في الانموذج الفني الذي يقدم به ،تتبع ذلك طبعا زاوية الرؤية وعمق النظرة وهو امر يتوقف بدرجة كبيرة على ثقافة الشاعر ووعيه ،ولكن مع الصافي الامر يحتاج الى تريث قليل ،فالصافي يقيم معماره الشعري على اساس فني يتقاسم جانباه المضمون والبناء الفني .
فهو من وجهة نظري لم يجعل الشعر في مصلحة المضمون ولم يضع قصائده في قوالب نظمية اعتاد القارئ ان يلمحها فيه سواء كانت من الاغراض التقليدية او من الاغراض التي استجدت في عصر النهضة وانما عكست الفكرة والموقف واللحظة والتجربة شعرا ولذا امتازت مضامينه بانها لصيقة الواقع وذاتيةفضلا عن انها ترصد افكارا هي جزء من طبيعة الانسان في ظل تحولات اديولوجية واجتماعية بدا انه يتعرض لها بعد ما اصبح المجتمع العربي يتعرض لها بشكل واضح نتيجة الانفتاح ووفادة الافكار الجديدة والتحولات السياسية وما تبعها على الصعد كافة ،من هنا لايمكن ان تكون قصيدة الصافي قصيدة مناسبة ! تذوب بذوبانها وانما قصيدة موقف وقصيدة لحظة مشعة لن تتاكل بسهولة بل هي صالحة في كل مكان وربما لن تموت على مر الازمنة بسبب انها ارخت لتحول اجتماعي ومثل هذه التحولات مستمرة في عالمنا العربي باختلاف في الدرجة والنوع . يصح الى حد بعيد ان تكون قصائد الصافي انموذجا حيا لتاريخ الانسان ورصدا لتحولاته النفسية كما يصح ان نصفها بانها قدمت تجربة غنية لذيذة في القراءة وصدقا يستقطب عطف القارئ ويثير استجابته.
هذا الجانب يسعفه بناء فني كان له تمايز ايضا عن الخط السائد وسنتناوله في الجزء الثاني من هذا المقال .
الاحالات .
1.الشعر العراقي الحديث .مرحلة وتطور .د.جلال الخياط .78 وما بعدها
2.الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث .د.سلمى الخضراء الجيوسي .ترجمة عبد الواحد لؤلؤة .مركز دراسات الوحدة العربية .ط2007.2: 258 وما بعدها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس