الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : تََساوِقٌ

عبد الرزاق السويراوي

2011 / 4 / 17
الادب والفن


الى الذين عاشوا الغربة بعيداً عن الوطن ...
حين وصل بيته قبل قليل وهو عائد من العمل , كان الوقت تجاوز الرابعة عصرا , ومع ذلك
فحرارة الجو أشْعرته بأنّ جسده يوشك أنْ ينصهر تحت شدّتها , ما دعاه لأنْ ينسى
مخالب الجوع التي تنهش أمعائه بعد ساعات طوال من العمل . ودونما إبطاء دخل الحمّام
, وراحتْ ثقوب الدش , ترشق جسده العاري بالماء , كزخّات مطر كثيف , فبدأ يشعر
بإنطفاء تدريجي لجمرات حرارة جلده تحت زخات الماء ........... الماء الدافئ يغمر الحوض
الإسمنتي المستطيل المغلّف من الداخل بالسراميك الأبيض , وبموازاته تماما , تقع دكّة
المغتسل التي غُلّفتْ هي الإخرى , ومن جميع جهاتها , بالسراميك أيضا . ثمة جثة
لرجل نحيف تجاوز على ما يبدو الستين أضجعه الغاسل فوق الدكة وشرع بتغسيله , يساعده
صبي يحمل بعض ملامحه السمراء . غرفة المغتسل كانت أصغر بكثير من قاعة الأنتظار
الملاصقة لها حيث تجمهر فيها بعض ذوي المتوفى , وربما من جيرانه أيضا , بإنتظار
أنْ تنتهي عملية الغسل والتكفين . كان الوقت ضحى وشدة برودة الجو , كشعاع يخترق
جلودهم ليلامس العظام , لكنهم لم يشعروا بلسعاته , فالجميع شارد الذهن , ورهبة
المكان , أشبه بسيف أصلتتْهُ قوة خفية وأخرستْ الألسنة , فكان الصمت هو المهيمن
على الجميع في تلك اللحظات ..........في هذه اللحظة , نادته زوجته بنبرة كان الإنزعاج
واضحاً فيها " أليس في نيّتك الإنتهاء من الإستحْمام , فالغداء منذ وقت على السفرة
وسيفقد نكهته ؟ " . لم يأبه لما قالته زوجته , فهو الآن في لحظة من الإستسلام
المنعش لبرودة الماء المنسكب من ثقوب الدش على جسده , فذكّره بزخّات مطر الربيع في
بلاده البعيدة عنه , لكنه سارع وأخبرها بأنّه على وشك الإنتهاء ............ القائم
على غسل الجنازة أوشك على الإنتهاء من غسْل الجسد المسجّى على الدكّة , فبعد أنْ أكمل
لفّ القطعة الأولى من الكفن على الجثة , أمر صبيّه أنْ يناوله القطعة الإخرى من
الكفن الأبيض .......... ببجامة بيضاء خرج من الحمّام للتو واضعاّ منشفة كبيرة نسبيا
, على كتفه الأيسر وهو يمرّر أصابعه على شعره الذي لم يسرحّه بعد فغطّتْ بعض
خصلاته السوداء اللامعة حافتي أذنيه من الأعلى وبعضاً من جبهته ........... في غرفة
المغتسل , أصبحتْ الجنازة جاهزة تماما بعدما تمّ تكفينها فبدَتْ كرضيعٍ مُقمّطٍ بقماش أبيض .
أوْعزَ الغاسلُ لصبيّه أنْ يُؤْتى له بالتابوت , ثم جلس على حافة حوض الماء و أشعل
سيجارة وراح يدخن فيما نظراته تتوزع بين الجنازة وباب المغتسل بإنتظار أن يجلب له
التابوت ........... جلس قبّالة زوجته و توسّطهما إبنهما الذي لم يبلغ الخامسة بعد ,
كان واضحا أنّ شهيته للطعام ضعيفة رغم خواء معدته وشعوره بالجوع الشديد . إكتفى
بشيء يسير من الطعام ثم إرتشف قليلاً من الماء لينهض بعدها ويتوجه صوب المغسلة ,
لاحقته نظراتُ زوجته القلقة وقالتْ " منذ أيام وأنت شارد الذهن " . قاطعها قبل أنْ
يتركها تسْترْسل في كلامها " كأنكِ يا عزيزتي تتناسين المكالمة التي وردتني من أهلي قبل إسبوع ,
ألَمْ أخبْركِ بأنني شممْتُ فيها تلميحاً ً يوحي بتردي الوضع الصحي لأبي , لكنّ أهلي كما أعتقد , لمْ
يخبروني بذلك صراحة , وكَمَا تَرين , ها نحن الآن في بلاد الغربة وبعيداً عن الأهل ,
و, وجلّ ما أخشاه أنْ ....". شعر بعدم القدرة على النطق ليكمل العبارة فلاذَ بالصمت حين
وصل المغسلة .

بغداد
2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا