الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة اللوتس : الإنجازات والمحاذير ...

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2011 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



رغم ان الثورة المصرية بدأت منذ تسعين يوماً فقط ، إلا إن إنجازاتها الكبيرة تقف شاهدة على روعتها . فالثورة الشعبية السلمية الأروع بين ثورات كل الشعوب في العصر الحديث قد أثمرت العديد مما كان يسكن عالم الحلم والتمنيات . فقد أطاحت الثورة برئيس جسَد معاني الإستبداد والفساد لثلاثين سنة ... كما أطاحت الثورة بمشروع النجل المهين والذي كان يستهدف الوصول لحكم مصر ... وحطمت الثورة أسطورتي جهاز مباحث أمن الدولة والحزب الوطني (المؤسستان تمت تصفيتهما)... وجعلت الثورة أي رئيس في المستقبل لمصر مجرد موظف كبير لفترة لا تتجاوز ثمان سنوات ... وأودعت الثورة العديد من رموز العهد البائد بالأماكن الأنسب لأمثالهم وهي زانازين السجون ، ومن بين هؤلاء من كانوا يشغلون كل المواقع الكبرى (الرئيس المخلوع ونجلاه ورئيس آخر حكومة قبل الثورة ورئيسا مجليس البرلمان وأهم وزراء آخر سني العهد الأسود والأسوأ ورموز عصابة لجنة السياسات والحلف المشئوم لإئتلاف السلطة والثروة) ... كما أطاحت الثورة بعدد غير قليل من الكتاب والإعلاميين الذين كانوا محض عملاء للرئيس ونجله المخلوعين ... وأقامت الثورة البينة على ان الكل سواسية أمام القانون عندما جعلت الرئيس المخلوع ورموز عهده مجرد متهمين أمرت النيابة بحبسهم على ذمة التحقيق أسوة بكل من تدور حولهم الشبهات ... وجعلت الثورة قانون الطورئ (لأول مرة منذ ثلاثين سنة) على بعد خطوات قليلة من نهايته المرجوة. والإنجازات المعنوية لهذه الثورة (الأروع بين الثورات) لا تقل أهمية عن الأمثلة التي ضربتها على الإنجازات المادية للثورة. وإذا كانت تلك بعض تجليات هذه الثورة العظيمة ، فإن دور الجيش المصري (منذ اللحظة الأولى للثورة) كان على نفس المستوى من العظمة والنبل والشرف والوطنية. ويكفي ان نقارن بين الأداء الأروع للجيش المصري وبين أداء جيوش مثل ليبيا واليمن وسوريا . فبينما أثبت الجيش عندنا انه جيش الوطن والشعب ، فقد أثبتت الجيوش الثلاثة الأخرى إنها جيوش النظام الذي يقتل بها الشعب . لقد كانت رؤية الجيش المصري منذ اللحظة الأولى بالغة الوطنية والعقلانية والنبل . وسيعرف الشعب في المستقبل ان رئيسه المخلوع كان يريد من الجيش تصفية الثورة بغض النظر عن كلفة تحقيق هذا الهدف ، وسيعرف الشعب ان الجيش ( برؤية وطنية واضحة وصادقة ونبيلة ) رفض ان يكون جيش الرئيس وتمسك بكونه جيش الشعب المصري. ان تجليات هذه الثورة العظيمة مدينة للشعب والجيش معاً وبنفس الدرجة . ولاشك عندي ان الكثير سوف يكتب في المستقبل عن العلاقة الجدلية بين دور الشعب ودور الجيش في إخراج الثورة بتلك الكيفية الرائعة وبالغة التحضر والوطنية.

وكاتب هذه السطور لم يكن في لحظة مع القائلين ببطء الخطوات التي إتخذها الجيش . فالنظرة العقلانية للأحداث تقول أن إنجاز ماتم خلال أقل من تسعين يوما هو أمر رائع بكل المقاييس ولا يمكن ان يوصف بالبطء لا سيما عندما نأخذ في الإعتبار حجم التركة التي خلفَّها نظام قبع على صدر مصر لأكثر من عشرة آلاف يوم .

ولكن نفس النظرة العقلانية للمشهد المصري منذ يوم 25 يناير الماضي لا يمكن ان تغفل حجم المخاوف لدى العديد من أبناء وبنات مصر .

فهناك الخوف من بقاء الجيش في السلطة. وهو في إعتقادي تخوف لا أساس له من الصحة وإن كان مصدره تجربة 23 يوليه 1952 وتجارب أخرى في العالم جاء فيها الجيش في مهمة محددة ، ولكنه لم يرحل. وأنا على يقين من ان هذا التخوف في الحالة المصرية الراهنة لا أساس له من الصحة وانه هو محض وهم.

وهناك التخوف من تغول (من حيوان الغول الأسطوري) أعداء الدولة المدنية الحديثة . وهذا تخوف حقيقي ولا شك في انه يسكن عقول وصدور معظم أبناء وبنات مصر المتعلمين والمثقفين والذين يفهمون الدين ذلك الفهم المصري المتسم بالواقعية والوسطية والمناقض لفهم آخر ذاع وشاع خلال السنوات الأربعين الأخيرة مع شيوع وذيوع الثقافة الوهابية المدعومة بالبترودولار . وليس هناك من وسيلة لحماية مصر من هذا التخوف إلا بإستبعاد كل القوى السياسية التي تدعو لدولة مضادة للدولة المدنية الحديثة وان يستبعد أولئك الذين يتحدثون عن إستدعاء الماضي وإستحضار القرون الوسطى (والخيمة والنوق وبول الإبل وبيت الخلاء وأحجار الإستنجاء والتغوط !!! ) .

وهناك تخوف ثالث كبير فحواه ان تأخر الإنتقال من مرحلة الثورة لمرحلة الدولة سوف يتسبب في أضرار إقتصادية وإجتماعية هائلة . وهو (فى ظني أيضا) تخوف في محله . والطريقة المثلى للتعامل مع هذا التخوف إنما تكون بإتمام عمليات إنتخاب الرئيس الجديد والإنتهاء من وضع دستور يحل محل دستور 1971 المهلهل وإنتخاب أعضاء برلمان جديد على أسس جديدة .

وهناك تخوف رابع بحدوث فوضى بسبب المطالب الفئوية.وهو تخوف يتلاشي بمجرد تطبيق القانون بحزم وحسم.

وعقلنة الفكر تلزمنا ان نرى الإنجازات والمخاوف معاً . كما تلزمنا بالتعامل العقلاني مع المخاوف دون مبالغات تضر ولا تنفع.

وفي النهاية ، تبقى ثورة 25 يناير (بج دليةالشعب والجيش) أهم محطات تاريخ مصر المعاصر .وهي محطة "يمكن" (مرة أخري : "يمكن") ان تنطلق مصر منها لمستقبل أفضل بكل المعايير.
كتب هذا المقال يوم 18 أبريل/نيسان 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ