الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكم الطائفية السياسية في العراق

طارق علي الصالح

2011 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر"دولة القانون" ذروة المفاهيم الليبرالية وترجمة صادقة للديمقراطية التي وضع اسسها الفيلسوف البريطاني جون لوك (1632-1704) والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712-1778) في تقييد سلطات الحكام من خلال نظرية العقد الاجتماعي في كون الشعب هو مصدر جميع السلطات في الدولة. وان القوانين يجب ان تكون انعكاسا لارادة الشعب وليس لارادة الحكام، وان العلاقة بين الشعب والحكام علاقة تعاقدية تفرض على الطرفين حقوقا وواجبات، مما لايجوز لاي منهما تجاوزها وبالتالي فان للشعب الحق في فسخ هذه العلاقة التعاقدية والمجئ بحكام جدد دون المساس بكيان الدولة. هذه المفاهيم (الليبرالية) يقتضي ان تعتمد على هيكلية قانونية منسجمة مع التطور الحضاري ومتطلباته في العالم التي من شأنها القضاء على القهر والاستبداد والهيمنة عبر جهاز قضائي مستقل ومؤسسات شرعية.

ان من اهم مقومات "دولة القانون" هو التأكيد على العلاقة العضوية بين مفهوم الدولة وحقوق المواطنة المحمية بالقانون وبالتالي فان المسؤولية السياسية للحكام في ظل "دولة القانون" تلزم احترام مصالح المواطن الدنوية قبل كل شئ وبصرف النظر عن عرقه او دينه او مذهبه او معتقده، لذا فان النظام السياسي في "دولة القانون" يقتضي ان لا يرتبط بالدين او المذهب وانما مسؤول وبكل تجرد امام الشعب عن تحقيق العدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان وبناء وارساء قواعد الامن والاستقرار للجميع.

يقود الحكومة الحالية حزب طائفي (حزب الدعوة) تحت يافطة "دولة القانون"، وهذه الحكومة من افرازات الاحتلال الامريكي للعراق، وهي جزء من العملية السياسية المبنية على المحاصصة الطائفية والعنصرية التي قسمت الشعب العراقي الى مكونات "شيعية وسنية وكردية" وبالتالي، فان "دولة القانون" وفق هذا المعيار هي "حكم الطائفية السياسية" ولا تمت باي صلة للدولة او للقانون، ولاسيما ان "دولة القانون" هي ذروة المفاهيم الليبرالية كما اوضحت اعلاه، بينما "حكم الطائفية السياسية" هي ذروة الاستبداد والدكتاتورية كما سنرى. وان هذا الحزب الطائفي (الدعوة) لا يختلف في تكوينه وممارسته وطبيعة ايديولوجيته عن اي حزب شمولي اخر ان لم يكن الاسوأ. وهو يفتقر الى الحد الادنى للممارسة الديمقراطية التي لا يؤمن بها اساسا، مما لا يمكنه ممارستها مع الاخرين لان "فاقد الشئ لا يعطيه".

بالاضافة الى مجموعة التقارير الصادرة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الانسانية الدولية، فقد نشرت صحيفة The Los Angeles Times بعددها الصادر في 19/ 4/ 2010 تقريرا عن وضع المعتقلات المرتبطة بمكتب رئيس الوزراء. ويشير التقرير الى قيام القوات العسكرية الخاصة التابعة لمجلس الوزراء بالقاء القبض على 431 شخص (مشتبه بهم) من اهالي محافظة الموصل في تشرين الاول 2009 بدون علم او اذن من الحكومة المحلية بل بدون اوامر او مذكرات قبض قضائية..! وتم نقلهم الى معتقل تابع لهذه القوات في معسكر بمطار المثنى في بغداد، وقد تعرض هؤلاء المعتقلين الى شتى انواع التعذيب الوحشي الذي تقشعر له الابدان كالصعق بالكهرباء والاغتصاب والضرب المبرح وغيرها من الاساليب الاجرامية، مما ادى ذلك الى وفاة البعض وترك اثار ظاهرة على اجساد الاخرين.

وتؤكد الاخبار الواردة من داخل العراق الى وجود الآلآف من المعتقلين الاخرين بدون اوامر بالقبض او مذكرات توقيف من السلطات القضائية المختصة وهم يتعرضون بشكل مبرمج الى التعذيب الجسدي والنفسي في مختلف محافظات العراق.

كما ان تقارير المنظمات الدولية الانسانية كمنظمة العفو الدولية(Amnesty International) ومنظمة مراقبة حقوق الانسان(Human Right Watch) تؤكد وتستنكر جرائم التعذيب والقتل خارج القضاء التي تمارسه الحكومة الطائفية في العراق منذ الاحتلال ولحد الان.

ان النهج اللااخلاقي في سلوك الحكام الطائفيين في العراق الذي ادى الى تدهور خطير في كافة المجالات وعلى وجه الخصوص في مجال حقوق الانسان، هو برهان على النزعة الشريرة للقوى الظلامية التي تسعى للانفراد بالسلطة وفرض دكتاتوريتها المقيته والتي ستكون من اخطر واشرس الانظمة الشمولية على الاطلاق.

تعتبر جرائم التعذيب من جرائم الحرب لارتكابها في ظل الاحتلال ويعاقب عليها القانون الجنائي الدولي كما يعتبرها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بالمادة 333 من جرلئم الجنايات الخطيرة. وان توقيف او حجز الاشخاص او حبسهم من قبل اي جهة من الجهات بدون قرار من المحكمة المختصة تعتبر من جرائم الجنايات المنصوص عليها بالمادة 322 من قانون العقوبات. كما ان الامتناع عن تنفيذ قرارات المحاكم باطلاق سراح المتهمين يعتبر من جرائم الجنح الجسيمة المعاقب عليها بالمادة 324 من قانون العقوبات. وان مداهمة مساكن المواطنيين وتفتيشها بدون قرار من القاضي المختص وتدمير وسرقة ممتلكاتهم والاعتداء واهانة ساكنيها، يعد من جرائم الجنايات الخطيرة المنصوص عليها في المواد 326 و 335 من قانون العقوبات.

ولم اطلع لحد الان على اي تشريع في العراق يجيز لقوات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع باقامة معتقلات للمدنيين واجراء التحقيق معهم والاحتفاظ بهم سواءا بمذكرات توقيف اصولية صادرة من القضاة المختصين او بدونها..!؟ وان منح مثل هذه الصلاحيات، ان وجدت، فهو اخلال جسيم بحرية وحقوق الانسان، لان القوات العسكرية وجدت لحماية الوطن من اي اعتداء خارجي واذا ما القت القبض على بعض المدنيين بسبب ارتكابهم بعض الجرائم المشهودة فعليهم تسليمهم الى اقرب مركز للشرطة لاجراء التحقيق معهم وعرضهم على الجهات القضائية المختصة لتقرير مصيرهم، باعتبارهم (الشرطة) احد اعضاء الضبط القضائي بموجب المادة 39 من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.

ورغم الادانة والاستنكار الواسع من قبل المنظمات الدولية الانسانية ومنظمات المجتمع المدني، والبرامج والاخبار من خلال جميع وسائل الاعلام، وكتابة المقالات من المختصين بما فيهم كاتب هذه السطور في الصحف والمواقع الالكترونية، ومعرفة القاصي والداني بالجرائم الوحشية والتعذيب الممنهج من قبل السلطات الطائفية في العراق على مدى سنوات الاحتلال، الا ان الادعاء العام والقضاء العراقي لم يحرك ساكنا، ولم نسمع بتحريك اي دعوى ضد اي مسؤول في الدولة، اللهم عدا تلك القرارت التي تدعو الى الاشمئزاز والتحريض الطائفي التي لا تخدم العدالة ووحدة العراق. وان موقف القضاء العراقي والادعاء العام ازاء تلك الجرائم سلبي للغاية، فهو يتفرج على الاحداث وغير مكترث بسبب تأثره الكبير في افرازات الاحتلال المبنية على اسس المحاصصة الطائفية والاثنية.

ان تفتيش المعتقلات والسجون بشكل دوري واتخاذ التعقيبات القانونية بحق مرتكبي جرائم التعذيب او التوقيف والحجز بدون امر بالقبض او مذكرة توقيف من القضاة المختصين اوعدم تنفيذ قرارات المحاكم باطلاق سراح المتهمين، هي من صلب واجبات القضاء والادعاء العام كما نصت احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971. وان تخاذل القضاء العراقي والادعاء العام في اتخاذ التعقيبات القانونية بحق مرتكبي هذه الجرائم، ومهما كانت درجاتهم الوظيفية في الدولة، عن قصد او اهمال، لاينسجم مع رسالة القضاء السامية في تحقيق العدالة بشجاعة ومهما كانت الظروف.

لقد تناقلت بعض وسائل الاعلام ماقاله رئيس الوزراء ووزير دفاعه اثناء اجتماع لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء المصادف 20/4/2010 عند مناقشة هذا الموضوع مع وزيرة حقوق الانسان، بان هؤلاء المعتقلين من المجرمين..؟! في حين لم يصدر بحقهم قرارت بالادانة من المحاكم الجنائية المختصه؟! وان صح ذلك، فانه يدل على ان جرائم الاعتقال والتعذيب قد حصلت بناءا على اوامرهم وبعلمهم الشخصي.

وسواءا توفرت الادلة من عدمه على ارتكاب تلك الجرائم بناء على اوامر هؤلاء المسؤولين (رئيس الوزراء ووزير الدفاع وغيرهم)، فان المسؤولية الجنائية قائمة بحقهم لان طبيعة المسؤولية السياسية الملقاة على عاتقهم من قبل الشعب، تملي عليهم العلم التام بما يجري حولهم وبما يرتكبه مرؤسيهم من جرائم بحق المواطنيين، ولاسيما ان الجرائم المرتكبة من ابشع الجرائم المحرمة دوليا والتي يعاقب عليها القانون الجنائي الوطني. فالمسؤولية تكليف من قبل الشعب للقيام بالمهام الموكولة للمسؤول وفق القانون وهي (المسؤولية) ليست امتياز يعلو بموجبها على الشعب ويمارس ضد افراده شتى انواع الجرائم. ان المسؤول شأنه شأن اي مواطن امام القانون بل عليه اعباء ثقيلة يقتضي تلبيتها اما المواطن الذي اوكل له هذه المسؤولية.

ان السوابق القضائية الدولية عديدة حول المسؤولية الجنائية للمسؤول عن جرائم مرؤسيه حتى اذا ارتكبت تلك الجرائم بدون علمه او بناء على اوامره. لقد ادانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة كل من قائد جيش صرب البوسنة وقائد الجيش الكرواتي للبوسنة عن ارتكابهم جرائم حرب، والحكم عليهم بالسجن لمدة تقترب من 40 سنة، بالرغم من عدم توفر اي دليل ضدهم على اصدارهم الاوامر بارتكاب تلك الجرائم، بل لم يتوفر اي دليل ضدهم على تواجدهم في مسرح الجريمة عند وقوعها.

كما حكمت محكمة طوكيو على قائد الجيش الياباني Yamashito بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بالاعدام عن جرائم الحرب التي ارتكبها جنوده في الفلبين، وبالرغم من ثبوت عدم اعطاءه الاوامر بذلك. وختاما لا بد من تذكير دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير الدفاع وغيرهم من اصحاب الفخامة والمعالي والسعادة في جميع الاجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية بان هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن. وان غدا لناظره قريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه