الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغبش

سعد محمد رحيم

2011 / 4 / 18
الادب والفن


يعالج شاكر المياح في روايته ( الغبش/ دار الينابيع ـ سوريا 2010 ) حدثاً لافتاً، يلتقطه من تاريخ العراق الحديث، يتمثل بهجرة الفلاحين، تحت وطأة الفقر واضطهاد الإقطاع، في حوالي منتصف القرن العشرين، من قراهم في الجنوب إلى بغداد. وشخصياً كنت أتمنى أن أقرأ مثل هذا العمل منذ زمن بعيد، لاسيما أن الأعمال التي تناولت هذا الحدث بوساطة التخييل الروائي نادرة جداً. وعموماً فإن ظواهر وتقلبات تاريخنا الحديث لم تُستثمر فنياً، سواء في الدراما أو السينما أو الرواية، كما يجب، على الرغم من أهميتها وجوانبها الغنية المركّبة، والمثيرة.
تبدأ الرواية من واقعة صراع ثلاثة أخوة على المشيخة والنفوذ وملكية الأراضي الخصبة، في محيط قضاء الحي، في الكوت، مستهل الأربعينيات. حيث في دوامة ذلك الصراع الضاري يكون الفلاحون الفقراء هم الضحية؛ تُحرق مزارعهم وبيوتهم ويُشرّدون أو يُعذّبون ويُقتلون. فيضطر كثر منهم إلى ترك قراهم وحقولهم والرحيل بجيوب خاوية نحو المجهول. وفي الغالب تكون العاصمة، التي لم يرها معظمهم، وجهتهم. يحلمون بالأمان واللقمة الكافية والعدالة الإنسانية. وهناك تتباين أقدارهم وحظوظهم، لكنهم جميعاً يدخلون في فصل جديد من الألم والمعاناة والضياع، قد يطول أمده أو يقصر.
يلاحق الروائي مصائر عدد من الشخصيات، مركِّزاً على حكاية سدخان الذي يصل بغداد، ويشتغل عاملاً في عيادة طبيبة ( الدكتورة فوزية ) التي ستحثه على التعليم وإبدال زيه القروي ببدلة مدنية، وتغيير اسمه إلى عدنان. ثم تُسكنه وعائلته في بيتها، قبل أن تخطبه من زوجته، وتحمل منه، لتموت في أثناء وضعها لوليدها. وأعترف بأني وجدت صعوبة كبيرة في الاقتناع بهذا السلوك من دكتورة بغدادية، في أربعينيات القرن الماضي، مع عامل عيادتها القروي وأسرته. وحتى موتها لم يعط الرواية الزخم التراجيدي المنتظر. فهو حدث خارجي لا يمت بصلة كبيرة لمصائر مهاجري الجنوب.
يعثر أغلب الذين يتحدث عنهم الروائي على فرص جيدة وسهلة نسبياً للعمل والسكن في بغداد، ويكون هناك من يرعاهم، حتى يُخيل للقارئ أن لا مشكلة هناك. قبل أن يشرع في الصفحات العشرين الأخيرة من روايته ( 310 صفحات ) بالتحدث، بأسلوب التقرير الصحافي، وفي بضع صفحات، عن منطقة الشاكرية. وهي منطقة صرائف عشوائية كانت تتكدس فيها آلاف العائلات الآتية من مدن الجنوب وقراه، في شروط معيشة أقل ما يُقال عنها أنها صعبة وجائرة ولا إنسانية. وأعتقد أن الروائي كان سيجد امتدادات رحبة لسرده، ويمنحه درجة أكبر من المصداقية، لو أنه جعل من هذا المكان المسرح الرئيس لحركة شخصياته وكفاحهم المضني من أجل حياة كريمة.
كتب المياح روايته بلغة مباشرة واضحة ساعدته في عكس ظروف شخصياته وبيئاتهم وحالاتهم النفسية والفكرية والاجتماعية. لكن الانتقالات بين المشاهد كانت فجائية، من غير فواصل، تخل أحياناً بإيقاع السرد ونسقه وتشوش القارئ. وأعتقد أن الروائي، كان بحاجة إلى معرفة وافية بأوضاع العراق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتلك المرحلة من أجل أن يتجنب بعض الهفوات مثل أسعار السلع في حينه، فليس من المعقول أن يكون سعر الخروف الواحد في العام 1940 عشرين ديناراً!. كذلك ما يتعلق بطبيعة الثقافة الجنسية السائدة بين القرويين، حيث صوّر الروائي مشاهدها وكأنها تقع في فيلم بورنو فرنسي.
كذلك يعرف القارئ العراقي أن أحداث هذه الرواية كانت تجري على خلفية تحولات سياسية واجتماعية كبرى شهدتها بغداد تحديداً؛ من انقلابات وانتفاضات شعبية ومظاهرات وأنشطة لحركات سياسية لم يشر إليها الروائي، باستثناء ما حصل لليهود وهجرتهم إلى فلسطين، بعد قيام إسرائيل واندلاع حرب العام 1948. وأعتقد أن إشارات عابرة إلى تلكم الأحداث كانت ستعزز الخلفية التاريخية الواقعية للسرد وتُشبعه.
أعترف بأني استمتعت بقراءة هذه الرواية على الرغم من بعض مؤاخذاتي عليها، وهذه تبقى انطباعات قارئ، وليس رأي ناقد محترف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي