الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع التأسيس الثاني للدولة العراقية (دعوة الى جميع المثقفين والسياسيين العراقيين)

سمير طاهر

2011 / 4 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أدعو جميع المثقفين والسياسيين والمهتمين بالهم العراقي الى تخصيص قليل من وقتهم للاطلاع على هذا الموضوع والتمعن فيه. هذه هي مساهمتي المتواضعة في خضم البحث عن طريق لخلاص بلادنا من الانحطاط السياسي والاجتماعي والفكري، أهديها لبلدي الذي يستحق المجد.
الواقع اليومي الآن، وسيرورة التطورات السياسية منذ سقوط نظام صدام حسين الى اليوم، وكذلك ما يردده الكثيرون من الواعين في الداخل العراقي، كلها تؤكد الحقائق التالية:
ـ صحيح أن الوضع السياسي المحلي، بخطوطه الرئيسية كما في تفاصيله، وكذلك دور التدخل الخارجي (الاحتلال الامريكي والنفوذ الايراني وغيره) في هذا الوضع، هما عنصران رئيسيان في المشكلة العراقية الحالية، ولكنهما كما هو معروف نتاجان لظرف دولي معين، ولذلك فهما محكومان بالزوال إن عاجلاً أو آجلاً. غير ان ثمة عنصراً رئيسياً ثالثاً في هذه المشكلة هو التخلف الثقافي والاجتماعي والمعرفي، وهو يفوق سابقيه بالأهمية لأنه ـ أولاً ـ عنصر أساسي، بمعنى أنه داخل في نسيج المجتمع نفسه وإن كانت الأنظمة السياسية تتدخل فيه لمصلحتها؛ ولأن معالجته ـ ثانياً ـ لا تتوقف عند زمن أو مرحلة وإنما هي مستمرة. هذه الخواص تجعل لهذا العنصر أولوية ليس كسبب وخلفية وحسب وإنما كحل أيضاً. إن إحداث تغيير في هذا العنصر هو أساس لكل تغيير شامل وحقيقي في العراق؛ بل انه المعيار لمدى جدية وشمولية أي خطة تطويرية. ان التخلف العام هو أكبر عقبة في طريق التغيير، وبدون مكافحته يصعب كثيراً إحداث تقدم في قضايا الوطن الأخرى.
ـ يبدو أن الحقيقة السابق ذكرها معروفة لدى البعض. والمعرفة بها هي مثل العلم أو النار حيث ينفعان أو يضران بحسب ماهية ونيّة من يستخدمهما، وفي حالتنا هذه فان المعرفة بالحقيقة المذكورة هي لحد الآن بيد القوى التي تضع مصالحها الخاصة، الراهنة منها والبعيدة المدى، فوق كل اعتبار حتى وإن كان تحقيقها على حساب البلد أو أرواح الناس أو حقوقهم أو حاجاتهم الأساسية. وهذا يعني:
ـ أن هذه القوى تفعل كل ما في وسعها لمنع انتشار هذه الحقيقة. فهي لا تتردد في سرعة القضاء على كل من يسعى الى نشرها، وعلى كل مصدر لانتشارها، وعلى كل إمكانية لانتشارها. ان القوى الفاعلة في الساحة السياسية في عراق اليوم (التنظيمات الدينية؛ بقايا البعثيين؛ الأمريكان وممثليهم العراقيين) تعتاش على محدودية تفكير الناس، وتراهن في بقائها على غفلتهم تارة وعلى خوفهم تارة أخرى. لذلك فمهما تصارعت هذه القوى فيما بينها فانها متفقة تماماً عند هدف حصر العراقيين في دوائر ذهنية ضيقة (طائفية، مناطقية، قومية، معيشية يومية) لكي لا يلقوا نظرة شاملة على الوضع المزري لبلادهم، وعلى نهب الدولة الذي لا نظير له ولا سابق، وعلى الشروط المذلّة التي يعيشون فيها، وبالتالي على السؤال الأخطر: ما العمل؟
ـ أن هذه القوى، كلاً حسب منطقة نفوذها، تكرس التخلف، وترعاه، وتنشره منهجياً، بل وتفرضه على إدارات الدولة وعلى المجتمع وجميع أشكال الحياة الاجتماعية، فتنصب نفسها رقيباً على وسائط المعلومات والمعرفة، وعلى سلوك الأفراد، ولا تتردد في سبيل ذلك في استخدام كل الأساليب الخارجة على القانون والضمير. ومن ناحية أخرى فان القوى المذكورة تستخدم التخلف كوسيلة سياسية أثناء تسويق برامجها وتحقيق أغراضها. إن التخلف المعرفي هو الزيت الذي تجيد القوى والتنظيمات المهيمنة في الساحة العراقية استخدامه لتدوير دواليبها، والذي اختفاؤه هو كابوسها لأنه يعني توقف هذه الدواليب نهائياً! ان إدامة ونشر التخلف هو بالنسبة لهذه القوى قضية حياة أو موت.
إذا سلّمنا بأن ما سبق ذكره حقائق، فان هذا لا يفتح عيوننا على حجم الكارثة وحسب، وإنما يفتحها أيضاً على الطريق الذي يجب السير فيه. إن الانسان المشوّش الذهن لا يستطيع أن يغير واقعاً. وإن ثورة بلا عقل ما تلبث أن يركبها دهاة السياسة ويعيدوا الأوضاع الى سابق عهدها بل وغالباً أسوأ من ذلك، كما تخبرنا عشرات الثورات في تاريخ العالم. والأكثر أهمية من ذلك، إن الهدف الذي نؤمن به ليس تغيير حكومة أو تبديل حكام (فهذه الاجراءات لن تغير الواقع البائس الراهن) وإنما النهوض بعقلية الفرد العراقي الى حيث يمتلك الكفاءة والقدرة على إقامة مجتمع صحي ودولة متحضرة. الهدف هو تكوين العراقي الجديد لكي يبني العراق الجديد. هذا الكلام لا يعني فرض تصورات في أذهاننا على/عن المواطن وإنما العكس ـ تخليص هذا المواطن من كل التصورات الأحادية التي فُرِضت وتُفرَض عليه من قبل الأنظمة الحاكمة، واستعادته لشخصيته الأصيلة، المستقلة، المبدعة والمنفتحة.
المفروض ان تطوير الفرد معرفياً هو مسؤولية الدولة، ولكن حين تتخلى الدولة عن هذه المسؤولية، بل وحين تفعل العكس خدمة لمصالح فئوية، فواجب على المثقفين والمجتمع المدني وجميع المهتمين أن يتولوها. وهي ستكون مسؤولية محفوفة بالمخاطر، وذلك لما ذكرناه من سعي القوى المتنفذة الى تصفية كل من يسير في هذا الطريق أو يدعو إليه. وبذلك فان انخراط الفرد في مشروع النهضة المعرفية هو عمل نضالي وسياسي رغماً عن إرادته؛ ففي حين لا يبغي السائرون في هذا المشروع إيذاء أي إنسان وإنما العكس تماماً، فانهم رغم ذلك سيُحسَبون أعداء وستسطَّر أسماؤهم في قوائم المطلوبين للقتل.
مشروع النهضة المعرفية في العراق يهدف في النهاية الى تأسيس ثانٍ للدولة العراقية، قائم على أفضل ما لدى إنسان هذه الأرض من خصائص وقدرات. وفكرته الأساس هي أن هذه الدولة لا يخلقها إلا أفراد متعافون نفسياً وكفوؤون فكرياً. وغني عن القول أن الوصول الى الأهداف المرجوة من هذا المشروع يتطلب سنوات كثيرة من العمل الدؤوب.
يتكون المشروع من محاور ثلاثة: التنوير؛ التطوير الاجتماعي؛ والعلاج النفسي الجماعي.
أولاًـ التنوير: وكما يتضح من اسمه فهو تحقيق ربط بين الحياة اليومية والمعرفة، ويتضمن:
ـ نشر المنظور العلمي للحياة (ومكافحة الخرافة والتخلف) بين الجمهور، ابتداء من التربية الأولية للصغار ومن محو الأمية للكبار؛
ـ تثوير التعليم: أساليب ووسائل وكفاءات ومناهج، وذلك في كلا الجبهتين: تلقي العلم (دور الدراسة بكل مراحلها)، وإعطائه (كليات المعلمين)؛
ـ دعم للمؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية القائمة، وإنشاء المزيد منها بما يتناسب وحاجة السكان، وإجراء تحديث متواصل للمعلومات والمناهج لكي تساير العصر؛
ـ نشر شبكة من المدارس الخاصة الحديثة (التابعة لهذا المشروع) التي تعبر عن فحوى رسالتنا: إنشاء الجيل الصحيح نفسياً وذهنياً الكفوء لبناء عراق المستقبل، ولذلك هي مدارس بخصائص وأساليب تربوية ومفاهيم اجتماعية حديثة وكوادر نموذجية؛
ـ مكافحة التعصب ونشر التسامح والانفتاح واحترام المعتقدات والتقاليد والأديان.
ثانياً ـ التطوير الاجتماعي: وذلك من خلال:
ـ تدعيم المجتمع المدني، وتكريس استقلاله الاقتصادي، ورفع مستواه الثقافي؛
ـ إقامة مشاريع وتجمعات انتاجية مثمرة مستقلة؛
ـ إقامة الحلقات الاجتماعية للتنوير بالتربية السليمة للاطفال والتعامل الانساني بشكل عام؛
ـ التشغيل والاستثمار لأكبر قدر ممكن من الامكانات البشرية والمادية، ودوام التطوير والبحث عن إمكانات جديدة وحلول؛
ـ تفعيل وزارة السلام (وفق مخططها المقترح في الملحق) ولكن في حالة عدم تأسيس هذه الوزارة فيجب على المخلصين حمل مسؤولياتها وتنفيذ أي قدر مستطاع من مهماتها.
ثالثاً ـ العلاج النفسي الجماعي: وذلك من خلال:
ـ مكافحة الأفكار السلبية والمتخلفة عن العلاج النفسي، وإشاعة الثقافة السيكولوجية وتعريف الناس بأهمية أن يفهم المرء نفسيته ودوافع سلوكه والجذور النفسية التي وراء تفكيره بهذه الطريقة أو تلك، ووراء نظرته الى الآخرين بهذه الطريقة أو تلك، وكذلك أن يفهم الشيء نفسه في ما يخص سلوك الآخرين معه ومع غيره، بما في ذلك الجذور النفسية للعنف، وللقسوة، وللتطرف، وللتعصب للرأي؛
ـ إتاحة المجال لعلم نفس التربية للوصول الى الأسرة بكافة الوسائل المباشرة منها وغير المباشرة (كالتلفزيون مثلاً)؛
ـ نشر فكرة تطوير الشخصية في كل مرافق المجتمع؛
ـ تزويد المدارس بأخصائيين نفسيين بمهمات جدية (وليس روتينية)؛
ـ إلزامية التعامل الانساني الحضاري مع الطلاب وتجريم الانتهاك الأدبي للكرامة من قبل المعلمين؛
ـ إقامة مراكز تطوير الشخصية، وحث الجمهور على الانضمام إليها، والهدف: أن يحقق الفرد ذاته، وأن يكون في سلوكه كما هو في حقيقته والتخلص من دواعي النفاق الاجتماعي والتناقض بين القول والفعل والفكر ؛
ـ إدخال المعلمين في جميع المراحل الدراسية في دورات إلزامية عن التعامل الصحي مع الطالب والتعامل الحضاري بوصفه ضرورة لكل مجتمع، وحاجة لكل إنسان، وليس لأنه تقليد للغرب؛
ـ إلزام أولياء أمور الطلبة بالحضور الى جلسات مع الأخصائيين النفسيين للتداول في كيفية التعامل مع الأبناء؛
ـ إخضاع السجناء للعلاج النفسي لتصحيح نظرتهم للحياة؛
ـ منع الترويج للعنف والانحراف والميول السالبة في الاعلام العام والخاص.
التطبيق:
ـ يتم تأسيس مشروع النهضة المعرفية من أكبر عدد من المؤمنين بالفكرة.
ـ بدءاً، يجري تجميع المهتمين بالموضوع عن طريق موقع إلكتروني وصفحة تواصل اجتماعي.
ـ عقد اجتماع تأسيسي (وبالاستعانة بوسائل الاتصال الالكتروني لمن يتعذر حضوره)، وتأسيس لجنة قيادية للمشروع.
ـ تكوين ميزانية للمشروع من خلال مساهمات الأعضاء والمؤيدين للفكرة وكذلك عرض الفكرة على المؤسسات والشخصيات التي ترغب في مساعدة الشعب العراقي.
ـ تعيين الأفراد المستعدين للعمل الطوعي داخل العراق وتصنيف اختصاصاتهم.
ـ الاتفاق على مخطط لأولى الخطوات العملية، ثم الشروع بالعمل.
كما يتضح مما سبق فالاقتراحات تبدو خليطاً بين ما هو ممكن للقطاع الخاص (مشروعنا) وبين مسؤوليات الدولة، وخليط بين ما يمكن البدء به الآن فعلاً وبين ما لا يمكن تحقيقه إلا بعد قطع مسافة زمنية وعملية. وذلك لأن السطور السابقة هي ملخص مركّز وسريع لرؤية، ربما يمكن تحقيق جزء صغير منها وربما تأتي حكومة نزيهة وتتبنى جزءاً منها ولكن الأكيد هو إن البدء بهذا المشروع، مهما كانت البداية رمزية ومتواضعة، أمر ممكن. كل نقطة من السطور السابقة وراءها تفاصيل كثيرة وتحتاج الى شرح طويل سأحاول القيام به في المستقبل القريب.
الخلاصة: الغالبية العظمى من العراقيين يعانون من نقص معرفي من جهة، ومن علل نفسية مختلفة من جهة أخرى، وأي مشروع للتقدم سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً مصيره الفشل ما لم ينطلق من معالجة هاتين المشكلتين، وما لم تعالجا معاً وبالتزامن والارتباط والتعاون بين المسارين.
لا لوم على الفرد العراقي في واقعه النفسي والثقافي فليس هو من صنعه لأنه لم يمتلك الارادة السياسية سابقاً ولا يمتلك الوعي الكافي حالياً. العراقيون بحاجة الى دعمنا، نحن المثقفين والمهتمين، بدلاً من سخريتنا أو تبرؤنا. وها أنا أطرح هذا الموضوع للتداول العام للاستفادة من آراء الآخرين ومن إضافاتهم ولكي ندفع هذه التساؤلات الى منطقة الضوء. المشروع المقترح هنا هو مجرد اقتراح وهو مفتوح على كل إضافة وزيادة ونقد. لكن ليت النقد والتعقيب ينطلق من الرغبة بالعمل وليس الرغبة بالكلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر