الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستتبعات فكرية لزلزال الشارع العربي

محمد سيد رصاص

2011 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ماحدث في قاهرة 25يناير- 11فبراير2011هو أكثر من نهاية مرحلة مصرية،مثلما كانتا ثورة1919وانقلاب23يوليو1952،ليصل إلى مستوى زلزال يضع صورة جديدة لسطح السياسة المصرية،ومعها العربية،مادامت أرض الكنانة،منذ المرحلة النابليونية(1798-1801)وحكم محمد علي باشا(1805-1849 )،هي البوصلة والمؤشر لاتجاه المنطقة العربية نحو الدخول في مرحلة تاريخية محددة.
في تلك المراحل المصرية كانت السياسة ترتبط بزعماء أوأنظمة،فيما من الواضح أن مرحلة مابعد25يناير ستعطي،وهناك من المؤشرات على أنه عربياً سيكون الأمر كذلك بهذا الشكل أوذاك،عاملاً جديدأ ،سيفرض نفسه على من هم في السلطة السياسية أوخارجها،هو المجتمع ،الذي تدل المؤشرات على أنه أصبح،لأول مرة في التاريخ العربي،رقماً قوياً - صعباً.
يمثل هذا تحولاً نوعياً ،لم يكن موجوداً،لافي زمن الأحزاب ذات الامتداد الجماهيري مثل حزب الوفد،ولافي زمن الأنظمة ذات الشعبية القوية كمافي الزمن الناصري:كانت (الجماهير)في الحالة المذكورة مرهونة لزعيم حزب الوفد سعد زغلول أوللحزب مثلما كانت الأمور في زمن تزعم مصطفى النحاس باشا بعد موت زغلول،فيماكان(الشعب) مسلِماً أمره لقائد النظام جمال عبدالناصر ويقف وراءه،ولم يكن هناك ذاك المجتمع الذي يمكن عبر الديموقراطية أن يظهر قوته بوجه القادة والزعماء السياسيين الكبار قبل غيرهم،كماحصل مع تشرشل وديغول.
سيفرض هذا الزلزال العربي الكبير،الذي ماكانت تونس التي أرهصته أن تفتتحه ،مستتبعات فكرية وراءه،وهو بالتأكيد ماسيؤدي إلى توليد صورة سطح فكري،وبالتالي ثقافي،هي غير ماكان موجوداً في المرحلة العربية بالقرن الماضي، والتي يبدو أنها في مرحلة غروب.
أول هذه المستتبعات هي تغيير وظيفة السياسة:في المجتمعات الديموقراطية(والتي بالمناسبة لايوجد فيها مصطلحي الجماهير والشعب في الحياة السياسية،وإنما مصطلح المجتمع بطبقاته وفئاته وماتفرزه على السطح السياسي)تأتي وظيفة السياسة،كأحزاب وهيئات وشخصيات،من نقطة التلاقي التعبيري السياسي مع الاتجاهات الاقتصادية- الاجتماعية- الثقافية لطبقات وفئات محددة عبر تقديم برنامج سياسي في مرحلة معينة تلاقي احداها أوبعض تلك الطبقات والفئات مصالحها فيه. يتم هذا عبر ممر صندوق الاقتراع،الذي هو مصعد الصعود والنزول في بناية السياسة الديموقراطية.عند العرب ساد مفهوما (الجماهير)و(الشعب) ،الآتيان من الفاشية والنازية، لدى العديد من الاتجاهات السياسية ،ولم يكن ذلك مقتصراً عند الاتجاهات القومية العروبية وغير العروبية،وإنما حتى شمل ليبراليين،مثل أحزاب (الوفد)المصري و(الشعب)السوري و(الاستقلال)المغربي،رأوا في ذاتهم التجسيد للإرادة "الشعبية" ولو عبر صندوق الاقتراع.بالمقابل،كان الشيوعيون تحت تأثير نظرية(الطليعة)التي ترى في الحزب السياسي تجسيداً لطبقة،يرى وظيفته في"تصدير الوعي الطبقي إليها مادامت هي غير قادرة على الوصول لأكثر من الوعي العفوي"وفق تعبير لينين،هذه النظرية التي امتدت تأثيراتها،ولكن بعد توسيعها لأبعد من الحيز الطبقي، إلى الناصريين والبعثيين وحتى إلى سيد قطب في كتابه التأسيسي للإتجاه"الجهادي":"معالم في الطريق"(1964).أيضاً،عندما نشأت الليبرالية العربية الجديدة،خلال عقدي مابعد سقوط السوفيات،قام أصحابها،ومعظمهم من الشيوعيين والماركسيين السابقين، باستبدال مصطلح (الطليعة)ب(التنوير)،واضعين أنفسهم في موضع"النخبة"التي ستقوم ب"تنوير" الجماهيروالشعب،من غير أن ينتبهوا بأن الديموقراطية،وكذلك الليبرالية،لاتتعامل سوى مع مصطلح (المجتمع)،التي تفترض تلاقي طبقاته وفئاته مع هذا الاتجاه السياسي أوذاك من موقع الوعي بالمصالح،وليس عبر النظر لمن يشتغل بالسياسة بأنه "طليعي" لجماهيرأو"منوِر"لشعب يفترض أصحاب الأنوار بأنه"جاهل"أو"ظلامي".
هناك مستتبع ثاني،ولوأنه مباشر:أثبتت المجتمعات العربية،خلال الشهرين الأولين من عام2011، امكانية التغيير،حتى الجذري منه، من خلال القوة الذاتية الداخلية للمجتمع،في نقض قوي لنظرية سادت في المعارضات العربية،وبالذات العراقية والسورية،بأن"الديكتاتوريات قد قضت وجفَفت العوامل الداخلية للتغيير". كان هذا هو الذي قاد أغلبية المعارضين العراقيين،ثم الكثير من المعارضين السوريين بعد احتلال بغداد،للمراهنة على الأميركي الآتي بقواته للمنطقة ك"عامل تغييري للأوضاع الداخلية".
على المدى البعيد،هناك مستتبعات كثيرة،ستفرض نفسها فكرياً كمكوِن نظري للعمل السياسي،ولوأن بعض المفاهيم الخاصة بها،سواء كانت كأفكار بحد ذاتها وليس فقط طبعات خاصة منها ،عاشت في المرحلة السابقة هزيمة معنوية،كانت تجبر المؤمنين بها ليس فقط على عدم البوح بها خوفاً من السخرية أوالتقريع الفكري- الثقافي،وإنما وصلت عندهم إلى حالة الشك الذاتي بتلك المفاهيم التي عاشت ذلك النبذ والحصار: من تلك المستتبعات سيصعد مفهوم(الثورة) على مايبدو،ولوأنه الآن قد تحوَل وفقاً لعادة الموضات في الفكر العربي إلى مايقرب من "العلكة"الثقافية- السياسية-الاعلامية حتى عند العديد من الخصوم السابقين لذلك المفهوم،وأيضاً سيكون على السطح السياسي مصطلح ومفهوم(الصراع الطبقي)مادام أن الموضوع الاقتصادي-الاجتماعي كان الوقود الأساسي للثورتين المصرية والتونسية ضد نظم سياسية ديكتاتورية كانت فئة رجال الأعمال رابع مكونات بنيتها مع ثالوث(الحزب الحاكم- الجيش- أجهزة الأمن).هنا،من المؤكد أن المجتمعات العربية،ستتجه، وفقاً لهذا المسار،نحو اصطفاف حياتها السياسية وفقاً لتيارات فكرية- سياسية محددة التخوم والعمارات،وبالتالي أيديولوجية،وليس كماساد في العقدين الماضيين عربياً من أفكار حول(نهاية الأيديولوجيات)و(موت الأحزاب السياسية لصالح هيئات وحركات تقوم على البرامج فقط وليس على اتجاهات فكرية يقوم مصدرها ومنهجها المعرفي بتوليد البرنامج السياسي وفقاً للتفاعل مع المكان والزمان المحددين)و( تعدد المصادر المعرفية للاتجاه السياسي )،وهي كأفكار،بالمناسبة، ليس لها أي وزن في الغرب.هذا يعني أن مصطلحات سياسية،مثل(اليمين)و(اليسار)و(الوسط)،سيكون لها قوام ومعاني في الحياة السياسية،وأن كل حزب،أواتجاه ، سيوضع في احدى تلك الخانات وفقاً لسياقات أيديولوجية ووفقاً للموقف من مواضيع داخلية وخارجية،تماماً كمانرى الآن في لندن وباريس وبرلين،وليس كماكنا نعيش عربياً في العقدين الماضيين،عندما وصل الأمر ببعضهم إثر صدمة سقوط السوفيات إلى اقتراح حركات سياسية تقوم على"تعدد الأيديولوجيات"،فيمارأينا الكثير من التهليل عند مثقفين عرب في نهاية التسعينيات لنظرية (الطريق الثالث)لأنتوني جيدنز،التي لم تلاقي صدى قوياً هناك في الغرب،رغم ايحاء بلير عند صعوده للسلطة في لندن1997،ثم شرودر في برلين بالسنة التالية،تبنيهما لها قبل أن يتجها،وهما من الاتجاه(الاشتراكي الديموقراطي)، لتطبيق الليبرالية خلال سنوات حكمهما اللاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى