الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمات والمشكلات العالقة في المنطقة العربية

جورج كتن

2004 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


رغم مرور نصف قرن على استقلال البلدان العربية ظلت العديد من الأزمات والمشكلات العالقة بلا حلول، مما أدى لعرقلة التقدم نحو حياة أفضل لمواطنيها، كما أدت للتراجع إلى أوضاع أسوأ طالما بقيت الجروح مفتوحة ومتقيحة، أهم هذه الأزمات حالات تجاهل التركيبة المتعددة القومية والدينية.
أجبرت الدولة العثمانية جميع التلاوين القومية على التوحد حول هوية إسلامية وميزت الطوائف الأخرى من قوميات وأديان مختلفة كرعايا من الدرجة الثانية، بينما قدمت التيارات السياسية التي تصدرت بلدان المنطقة بعد الاستقلال حلولاً للمسألة تقوم على دمج الجميع في هوية قومية عربية واحدة. ألا أن الوقائع أثبتت فشل التيار القومي في توحيد المنطقة، وفي توحيد المكونات الوطنية في كل قطر، وأدت المحاولات القسرية للأكثرية العربية المسلمة لدمج القوميات والطوائف الأخرى، إلى صراعات عنفية تدميرية كانت نتائجها خسائر باهظة بشرية ومادية، كما أعاقت التوجه للتنمية والقضاء على التخلف، وساعدت على تدعيم النهج الاستبدادي الشامل للأنظمة القائمة، دون أن يؤدي القسر للوصول إلى الصهر المأمول، بل إلى المزيد من الشروخ في كل قطر بين المكونات المختلفة.
أوضح مثال على ما نقوله اضطهاد النظام العراقي باسم القومية العربية لشيعة وأكراد وآشوريي وتركمان العراق، الذي وصل إلى حدود الجرائم ضد الإنسانية واستقدام التدخلات الخارجية. كذلك أثبتت الحرب الأهلية في السودان فشل نظام الإسلام السياسي في فرض تطبيق الشريعة على الإفريقيين من الطوائف المسيحية والأرواحية في الجنوب، أو في صهر المواطنين المسلمين من أصول إفريقية غير عربية في دارفور، رغم مئات آلاف الضحايا على امتداد عقدين، فالإسلام الإخواني "المعتدل" البشيري- الترابي لم يقدم للآخر المختلف أكثر من الإبادة الجماعية والترحيل والاغتصاب، باسم الجهاد ونشر الدين، كأننا أيام الفتوحات في زمن الروم والفرس!!.
كما أن الحرب الأهلية اللبنانية كانت في أهم جوانبها حرباً طائفية للهيمنة وحيدة الطرف على البلاد ونسفاً لصيغة التوافق على المصالح المشتركة للتعايش بين الطوائف المختلفة. كما فشلت محاولات تذويب الأقلية العربية في دولة إسرائيل، التي رغم ديمقراطيتها، إلا أنها منتقصة بسبب هويتها اليهودية التي تمنع تحولها لدولة لكل مواطنيها من يهود وعرب، مما أدى للتمييز المسلط على العرب من مسلمين ومسيحيين.
أما في بلدان عربية أخرى لم تندلع فيها حروب أهلية، فالأزمة راكدة تحت الرماد، ويمكن أن تنفجر عند أية أحداث مفصلية قادمة، وتشير إلى وجودها التمردات الأمازيغية في الجزائر، ووضع التيارات الإسلامية المتطرفة للأقباط في مصر على قائمة التصفيات كما في أحداث الكشح وغيرها، بالاستناد لعقلية تمييزية واسعة الانتشار برزت في عدم نجاح أي قبطي في انتخابات البرلمان المصري رغم أن تعداد القبط قارب ال10 ملايين. كما يشرع لهذا التمييز دستور يعتبر الإسلام دين الدولة، مما يعني نسف مبدأ المساواة وتحول غير المسلمين إلى أهل ذمة في "حماية" الأكثرية، ولن يتأخر كثيراً تدفيعهم الجزية وطردهم من الجيش فيما لو وصل الإسلام السياسي "المعتدل" للسلطة. وكذلك التحركات الكردية في سوريا للمطالبة بالحقوق القومية التي وصلت إلى حد التفجر في آذار الماضي، ونسف الكنائس في العراق، ومنع بناء دور العبادة غير الإسلامية في السعودية...
فشلت التيارات القومية العربية والإسلامية في إيجاد الحلول لهذه الأزمات والمشكلات التي تعيق الاندماج الوطني في كل قطر، الخطوة الأولى على طريق التنمية البشرية والمادية، واللحمة الأساسية لمواجهة التدخلات الخارجية، إذ اكتفت بتجاهلها وإهمالها، فإذا استفحلت واجهتها بالاضطهاد والتصفيات، وتوجيه الاتهامات بالارتباط بالقوى الخارجية وتهديد الوحدة الوطنية المبنية على احتكار السلطة والقمع، بدل الوحدة الوطنية المبنية على القناعات الثابتة والحقوق المتساوية المؤمنة والنافذة. تسوق الأنظمة سياستها هذه تحت ذريعة أن الاعتراف بحقوق الأقليات يؤدي لانفصالها، بينما أثبتت الوقائع أن هذا يحصل أكثر في ظل البطش.
الأنظمة الاستبدادية العربية لا يمكن أن تقبل بحلول إنسانية للتعدد القومي والديني، لأن ذلك يعني المزيد من الديمقراطية التي تهدد بإنهاء هيمنتها، إذ أن الاعتراف بالحقوق القومية وإنهاء التمييز الديني والمذهبي يرتبط أساساً بالانتقال للديمقراطية والحريات وتبادل السلطة... لقد ثبت بما لا يقبل مجالاً للشك أن النهضة والتقدم لا تتحقق دون الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن حقوق القوميات والأديان جزء مما توفره الأنظمة الديمقراطية والعلمانية، والتنكر لهذه الحقوق يعني التنكر للديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أنه في ظل الديمقراطية يفتح الباب واسعاً للإصلاح الديني، لاجتهادات جديدة تلائم العصر كبديل عن اجتهادات القرون الوسطى السائدة حالياً والتي أصبحت معرقلة للتقدم، وخاصة في مجال قبول الآخر المختلف واحترامه والتعايش معه.
الحل الإنساني للمسألة متشابك ومتقاطع، ديمقراطي علماني تنموي متوازن لا يهمل الأطراف ومناطق القوميات والطوائف المختلفة، يقوم على مشاركة متساوية في السلطة والثروة، وبالتعاون مع الأطراف الخارجية التي ليست لها مصلحة في اندلاع أزمات خارج حدودها تؤثر سلباً على استقرار وازدهار مجتمعاتها. فالتدخل الإنساني أصبح مشرعاً لصالح القوميات المضطهدة، ومنه إنشاء المنطقة الآمنة في كردستان العراق في مواجهة الحكم الشوفيني، وإجبار الحكومة السودانية على التفاوض مع الجنوبيين وأهالي دارفور للوصول لاتفاقات ترضي الجميع.. فالحروب مرفوضة طالما أن هناك وسائل سلمية لإجبار الأنظمة على التخلي عن سياساتها المسيئة لشعوبها.
المنطقة العربية ليست بحاجة للمزيد من أنهار الدماء والخراب لإثبات حقوق القوميات، وهي تحتاج لوقت طويل للوصول إلى مرحلة متقدمة حيث يتقلص تأثير الهوية القومية لصالح هوية أوسع إقليمية أو قارية أو كونية، وهو ما لا يعني ذوبان الهوية القومية بل اندراجها في أولوية الانتماء الإنساني، وهو أمر ليس ببعيد بالنسبة للمجتمعات المتقدمة، الاتحاد الأوروبي مثلاً، كصيغة لم يتم التوصل إليها إلا على أساس الديمقراطية والعلمانية والتنمية والضمانات الاجتماعية لذوي الدخل المحدود وحل الخلافات بالطرق السلمية..
الحل العادل لمسألة التعدد القومي والديني لم يعد أمراً مستحيلاً بعد أن أصبحت الأنظمة العربية الراهنة التي تحمي الاستبداد والتمييز والفساد محاصرة، بحيث لم تعد تستطيع الاستمرار في اعتبار بلدانها وشعوبها ملكية خاصة لها تفعل بها ما تشاء، فهي مراقبة من شعوب العالم ومؤسساته الأممية وبرلماناته الديمقراطية ومنظماته المدافعة عن حقوق الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2