الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع الفلسطيني في المتغير الاستراتيجي الاقليمي:

خالد عبد القادر احمد

2011 / 4 / 19
القضية الفلسطينية


تشد منطقة الشرق الاوسط انظار العالم لما يحدث بها من متغيرات تحت مظلة حالة عدم استقرار انظمتها القومية التي حدثت بسبب موجة الانتفاضات الشعبية, الامر الذي منح الاقطاب الاستعمارية العالمية حرية اكبر للعمل على تنفيذ مشاريعها السياسية بها. وفي مقدمة ذلك مشروع الشرق اوسط الجديد الذي ترتكز صورته الى تغيير محاوره التقليدية, مختلطة الولاء والوفاء الى محاور يقتصر ولائها للولايات المتحدة الامريكية,
ان المرحلة الراهنة من هذه المشاريع السياسية الاستعمارية تعالج بصورة رئيسية وضع الانظمة القومية جمهورية النظام في المنطقة, وهي انظمة وان كانت تعاني اشكالا من الحكم الديكتاتوري, الا انها تبقى انظمة قومية متقدمة نوعيا خطوة على الانظمة الاخرى الاوتوقراطية الملكية الوراثية, فتوجه هذه الانظمة الايديولوجي وتركيبة مؤسسة الحكم فيها وان تداخل معها عامل الاسرة الحاكمة الا انها في النهاية مؤسسة من الناحية الرئيسية على تحالف اجتماعي طبقي بيروقراطي قومي يجمع ف نهجه السياسي بين عامل الامن القومي وعامل الطموح الطبقي, فجوهر صيغة ائتلافها المسيطر على الحكم انه ائتلاف عسكري مدني, مع تفاوت احجام هذين العاملين لكل نظام عن الاخر,حيث يغلب المدني على العسكري كما في تونس بن علي او يتعادل تقريبا كما في مصر حسني مبارك او يميل لصالح العسكري كما في ليبيا القذافي ويمن صالح وسوريا الاسد, تبعا لموقعها في الجيوسياسية العالمية وصراعاتها. ومقدار تكيفها مع موازين القوى العالمية فيها.
لذلك لم يكن غريبا ان نجد موقفا مشتركا من الترحيب الاستعماري _ المستغرب_بهذه الانتفاضات الشعبية, وان تفاوت مستوى ترحيب كل قطب استعماري من كل بعينها على حدة, وبالتالي كيفية تعامله معها, ألا ان الترحيب يبقى هو الطابع المشترك العام لمواقفها جميعا, فهذه القوى والاقطاب الاستعمارية تحسست مبكرا ان _ الجنوح الليبرالي الواسع_ لهذه الانتفاضات يتلاقى الى اوسع مدى مع المشاريع السياسية الاستعمارية, ويسهل بصورة اكبر تحقيق هذه المشاريع السياسية والطموحات الاستعمارية الغربية الروح خاصة الامريكية, وضد الطموحات الاستعمارية للاقطاب ذات الروح الاسيوي, حيث تصب اتجاهات هذه الانتفاضات عمليا نحو اضعاف روح الممانعة والمقاومة القومية في النظام السياسي, ويحمله على الانفتاح اكثر عالميا.
ان عرضنا السابق يقدم صورة ادراك سياسي للمسار والنتائج الاستراتيجية الذي سينتهي اليه حركة المجتمعات القومية وانتفاضاتها, ولا يعني ذلك باي شكل انتقاد _ النوايا الطيبة_ التي تعتمل في طموحات الطبقات الشعبية المنتفضة, خاصة شريحة الشباب من المجتمع والتي بادرت الى تفجير الانتفاضات, وهو ما يدعونا الى تاييدها, ولكنه ايضا يستدعي منا عدم اغفال خلوها من منظورالافق النظري السياسي الاسترتيجي المطلوب توافره في عملية التغير الثوري, فغياب هذا المنظور يجعل منها مجالا فوضويا يتقاطع فيه كل الاتجاهات الثقافية السياسية الاجتماعية بما فيها التقدمي والرجعي والعقائدي والليبرالي, مما يحيل مصيرها الى حالة احتمالات متعددة, يملك تقرير ثبات اي منها القوى السياسية الاكثر قدرة على توظيفها. لذلك لا يفترض منا تاييدها اغفال انها تقدم لاقطاب الاستعمار العالمي فرصة اعادة ترتيب التشكيل السياسي الاقليمي واعادة نظم مسارات تفاعله السياسي في الصراع العالمي؟
ان التغير النوعي الرئيسي الذي يمكن تحسسه مباشرة من نتائج هذه الانتفاضات هو انها بلورت بصورة حاسمة محاور سياسية رئيسية جديدة في النفوذ الاقليمي يتقاسمه الكيان الصهيوني شرق المتوسط وائتلاف دول مجلس التعاون في الخليج, وهي محاور يخدم وجودها وتفوقها بصورة رئيسية مصالح ونفوذ الولايات المتحدة الامريكية من بين اقطاب الصراع العالمي, فهذه المحاور الاقليمية تدور حركتهافي اطار النفوذ الامريكي, لسبب طبيعة الكيان الصهيوني الاستعمارية من جهة ولسبب تشابك رساميلها الخليجية مع الراسمال العالمي وبصورة خاصة الامريكي من جهة اخرى, وعلى العكس من النوايا الطيبة للانتفاضات, فهي تخدم تفكيك وحدة المحور السياسي الممانع للنفوذ الامريكي في المنطقة, وتهيء لتسارع وتائر ضرب مركزه الرئيسي ايران.
ان الوعي السياسي اللازم والقادر على مواجهة القدرة السياسية الاستعمارية خاصة الامريكي, لا يتجلى فقط بتحديد موقف سليم من الحدث والطرف والتصريح في الواقعة السياسية كما تفعل بعض المواقف الثقافية السياسية, بل يتجلى في رؤية الى اين تنتهي استراتيجيا حركة التي تنتجها في الواقع كلها, وتبعا لمثل هذه القراءة يجب تحديد موقف تأييد او رفض الحدث والطرف والتصريح على اساس درء المخاطر الاستراتيجية.
ان مجالا من مجالات تفوق القوة الاستعمارية هو قدرتها على ادارة الصراع والذي يعني قدرتها على توظيف جمعي لمجالات واطراف التناقض, خلال تعاملها المباشرمع الوقائع الانية, لذلك لا نجده غريبا ان الانتفاضات الشعبية سرعت جهد القوى الاستعمارية الاستراتيج السابق في تحرير مجالات صراع متعددة في مجتمعات المنطقة, فخدمتها جيدا في ذلك,
فهذه الانتفاضات الشعبية حررت اطراف وقضايا وصراعات طائفية وطبقية وقومية,كان مسيطرا عليها نسبيا من قبل, لنجد المنطقة الان منقسمة افقيا بين سنة وشيعة واسلام ومسيحية, كذلك لنجدها منقسمة عرقيا بين عربي وغير عربي, اما عموديا فهي في كل موقع على حدة منقسمة بين اتجاه اجتماعي شعبي واتجاه مؤسسة حكم مسيطرة, وتبعا لذلك تتعامل مجمل الاقطاب الاستعمارية في المنطقة ولكن تحت مظلة تفوق نفوذ وامكانيات الولايات المتحدة الامريكية في مختلف المجالات. التي باتت تتلاعب مع الصيغة السياسية للمنطقة وتعيد تشكيلها بحسب مصالحها الخاصة,
فعلى الصعيد الناطق باللغة العربية نجد ان الولايات المتحدة تعمل على تعزيز دور دول مجلس التعاون الخليجي فخلقت منها محور نفوذ سياسي ذي امكانيات مالية ضخمة يعزز انتظام ونفوذ حركته السياسية تحالفه غير المشروط مع الولايات المتحدة الامريكية وبات ذلك ينعكس في صورة تدخل مجلس التعاون الخليجي في كل الصراعات في المنطقة وفي المقدمة منها العمل على تصعيد التوتر مع ايران وحصارها والتهيئة لضربها والمشاركة فيه, وتفكيك معسكر ممانعة النفوذ الامريكي بالمنطقة والعمل على قبول الكيان الصهيوني فيها, والذي وان تجلى سابقا في صورة ما يسمى بالمبادرة العربية, فان هذه المبادرة بفعل متغير صيغة التشكيل السياسي الاقليمي قد تجاوز الزمن صيغتها القديمة او بعض جوانبها على الاقل وسيتم تعديلها او طرح بديل لها يسقط من حساباتها وجود عامل محور الممانعة.
ان الملامح السابقة تجعلنا نتحسس ان الحالة الاقليمية تتجه بالوضع الفلسطيني نحو شروط اسوأ مما هي عليه الان, لان تعزز الاستفراد الامريكي بالمنطقة سيضع اساسا اقوى لاستفراد امريكي بمسار التسوية, وان هذه حقيقة تختفي الان تحت سطح حماسة الحراك الشعبي, وهي حالة استثنائية طارئة طابعها انتقالي, ولا تعبر بصورة صحيحة عن ما سيستقر اليه المسار السياسي الراسخ للانظمة الاقليمية بعد تجاوز الاستثنائي المؤقت, فلا شك ان اختفاء محور الممانعة سيحسن شروط المناورة الامريكية الصهيونية في التسوية خاصة ان القطب الخليجي مستعد لانجاز تسوية يتقاسم فيها مع الكيان الصهيوني النفوذ _ الاقليمي_ في المنطقة والمعروف ان الفاتورة الفلسطينية ستدفع ثمن تكلفته,
ان الامل الوحيد امام المجتمع الفلسطيني لتجاوز هذا الخطر هو في السير بالاتجاه المعاكس, وهو اتجاه تعزيز محتوى الاستقلال والسيادة الفلسطينية والعمل على توظيف كامل الحجم الجيوقومي الفلسطيني وتعزيز وحدته ومركزيته ورفض الاستفراد به من خلال الانخراط في المهمة الوطنية. وتنويع مسارات ومجالات واساليب ووسائل الصراع,
لذلك فعلى فصائل محور منظمة التحرير الفلسطينية نفض اوهامها العرقية حول العمق والتضامن العربي, وبنفس القدر على محور تحالف حركة حماس نفض اوهامها حول العمق والتضامن الاسلامي, وارتكازها جميعا لمركزية وطنية فلسطينية مستقلة القرار والمناورة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يتهرب من الإجابة عن سؤال حول إرسال قوات أمريكية للقتال


.. مهند مصطفى: إسرائيل بدأت تدرك صعوبة وتعقيد جبهة الشمال




.. غارة إسرائيلية على شقة سكنية في طرابلس شمال لبنان


.. غموض يحيط بمصير هاشم صفي الدين بعد غارة بيروت.. ما هو السينا




.. مصادر طبية: 29 شهيدا في يوم واحد جراء القصف الإسرائيلي على ق