الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في هروب الأسد من التاريخ

هوشنك بروكا

2011 / 4 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الأسد قارئ غير جيد للتاريخ..هكذا نفهم من قراءته لسوريا ما بعد 15 آذار، ومن قفزه الخطأ فوق الحقيقة السورية، التي باتت في الإسبوعين الأخيرين أكثر وضوحاً، ومراوغته لها، بكلامٍ قديم، ووعودٍ لا جدّ ولا خبز ولا حرية فيها، وخطابات ما عادت تنفع السوريين في زمن الغضب بشيءٍ، ولا تزيدهم إلا غضباً وإصراراً على مطالبهم ب"إسقاط" النظام نحو سوريا حرّة.

خرج الأسد على شعبه، حتى الآن، متكابراً، بخطابين متأخرين جداً عما تتطلع إليه الجماهير السورية، بكل مكوناتها الإثنية والدينية.
الأسد، بعكس أشقائه السابقين(زين العابدين بن علي وحسني مبارك)، لا يزال يركب خطاباً متخلفاً جداً عن خطاب الجمهور السوري، الذي بدأ قبل أكثر من شهر، برفع شعار "إسقاط المحافظ"، ولن ينتهي بشعار "إسقاط النظام"، كما هو مرفوع في الشوارع السورية الآن.

الأسد، بدلاً من فتح صفحة جديدة مع شعبه، والجلوس إليه والإستماع إلى مطالبه، التي حرُم منها منذ أكثر من نصف قرنٍ، من حكم الحزب الواحد بقيادة القائد الأوحد، راح يلعب عليهم بكلامٍ قديمٍ، ممجوج، ما عاد يليق بإنسان حضارة القرن الحادي والعشرين.
حتى وعود الإصلاح التي وعد بها السوريين، نسبها إلى "قديم" خطته الإصلاحية، و"قديم" مؤتمرات بعث(ه)، متحاشياً استخدام أية مفرادت قد توحي ب"تنازل" الرئيس أمام إرادة شعبه، أو رضوخه لمطالبه.

حتى الآن، لم يقدّم الأسد أيّ جديد يُذكر، يرضي الشارع السوري بالعدول عن غضبه.
جديده(على مستوى الخبر)، حتى اللحظة، هو تعهده قبل أيام، في خطاب "توجيهي" للحكومة الجديدة، برفع حالة الطوارئ المفروضة في سوريا منذ حوالي نصف قرن(1963).
هذا هو متن جديد الأسد المعلن لشعبه حتى الآن. وما أدراك ما الجديد في هذا القانون الجديد!
ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل، كما يقال.
أما الشيطان الجديد، الداخل في تفاصيل قانون "الإرهاب" الجديد، الذي قال الأسد أنه سيكون "ضمن المعايير الدولية المتبعة في كلّ دول العالم"، فهو شيطانٌ مختلف من نوع آخر، وفصيلة أخرى.
أنه شيطانٌ يقول بالشيء وعكسه معاً، يروّج لشيء ويفعل خلافه، يمشي مع الحق وضده، يقتل القتيل ويمشي في جنازته، حسبما تقتضي حاجة النظام لذلك.

رغم أنّ الأسد لم يدخل في تفاصيل القانون الجديد، الذي سيعمل به نظامه كقانون بديل عن "حالة الطوارئ"، إلا أنّ رؤيته لقانونه "الجديد" بدت واضحةً جليةً، في قوله: "طبعاً عندما تصدر هذه الحزمة لا يعود هناك حجة لتنظيم التظاهرات في سورية والمطلوب مباشرة من قبل الأجهزة المعنية وخاصة وزارة الداخلية أن تطبق القوانين بحزم كامل ولا يوجد أي تساهل مع أي عملية تخريب".
كلام الأسد واضح لا يحتاج إلى أيّ تعليق، فهو يعلق على نفسه بنفسه.
الأسد قال، ووزارة الداخلية طبقّت على الفور، ما قاله ب"مهنية ببغائية"، كانت متوقعة.
بعد خطابه الأخير بساعات، ترجمت أجهزته الأمنية والإستخباراتية أقواله في شوارع حمص وتلبيسة إلى أفعال. رغم كلّ وعود الأسد، ب"وقف العنف ضد المتظاهرين"، لا يزال القتل برصاص أمن نظامه وشبيحته، هو سيد الموقف، في كلّ الشوارع السورية الغاضبة.

فالأسد، لم يرفع قانون الطوارئ، لأجل حرية الشعب في التظاهر مثلاً، كجزء بسيط من حرية لا بدّ منها، وإنما رفعه، كي تعلّق الجماهير حريتها في أن تتظاهر، لأن "حجة" التظاهرات تسقط، بمجرد سقوط قانون الطوارئ"، كما قال.
ماذا يعني الرئيس بذلك؟

يبدو لي أنّ الرئيس فهم القضية فهماً "ميكانيكي"، أو هكذا يريد إفهامه للسوريين ولما حولهم.
فالرئيس الذي سمع طيلة حوالي خمسة أسابيع غاضبة مضت، مطالبة شعبية سورية ودولية واسعة، بضرورة الإسراع في رفع قانون الطوارئ، إلى جانب إصلاحات أخرى كثيرة، يبدو أنه فهم الأمر(أو هكذا يريد له أن يكون) وكأن القانون هو هدف بحد ذاته، أو غاية للناس، أكثر من أن يكون وسيلةً لحياة حرّة، بلا قمع وأجهزة مخابرات.
الأسد، لم يصدر، كما هو واضح من تشريعه، جديد قانونه على أنقاض قديمه، لكي يصنع به الشعب حريته، كما هو حال قوانين العالم الحرّ، الذي قال الأسد أنه سيتحرك ضمن "معاييره"، وإنما أصدره لكي "يدين" الشعب من فمه، كما يقال، وليقول لهم: "طالبتم بإلغاء قانون الطوارئ، وها نحن ألغيناه.. فماذا بعد؟".
وكأنّ الشعب يريد قتل الناطور لا أكل العنب!

الشعب السوري، يريد الحرية، في ظل قانونٍ يحميه، لا "قانونٍ" يجيز قتله، تحت هذا المسمى أو ذاك.
لا أهمية لأيّ قانون قديمٍ أو جديد، بتغيير أو بدونه، لا يسمح للشعب أن يكون حريته، ويطالب بحقوقه.

ماذا سيفعل الشعب السوري، ب"قانونٍ جديد"(ضد الإرهاب، فوقه أو تحته) يصادر حريته، تماماً كالقانون القديم.
قانون الأسد الجديد، يبقى قانون طوارئ، حتى لو سمي ب"قانون ما بعد الحرية"، طالما أنّ القائمين عليه يقتلون الشعب، متى أراد أن يكون صوته وحقه وحريته وكرامته.
لهذا منعت الداخلية السورية، رغم الإعلان عن ولادة قانون جديد، "التظاهر تحت أيّ عنوان كان".

حالة الطوارئ السورية لم ولن تُرفع، إذن، في ظل نظامٍ "يكذب يكذب يكذب..حتى يصدقه الناس". فلا فرق، سورياً، بين قانون الطوارئ و"قانون الإرهاب"، طالما أنّ سيف القتل مسلطٌ على رقاب السوريين، بمجرد خروجهم على "شريعة" النظام وسنن رئيسه.

فلا غرابة أن نسمع اليوم، بعد "تهديد" الأسد الأخير، وإيعازه لوزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية، ب"عدم التساهل مع أي عملية تخريب"، أخباراً سورية رسمية عاجلة تتحدث عن "تمرد مسلح يستهدف سورية".
الداخلية السورية، أعلنت "أنها لن تتساهل مع النشاطات المسلحة للمجموعات الإرهابية، وستعمل بكل حزمٍ لفرض واستتباب الأمن". وتلك هي بالضبط، تعليمات الأسد التي وجهها إلى الحكومة الجديدة.

إذن، قانون الطوارئ في سوريا باقٍ مع بقاء النظام، وما تغيّر أو سيتغير هو المسمى فقط. الرئيس، استبدل "ظاهر" القانون ب"ظاهرٍ" آخر، أما باطنه، فسيبقى مع "الإرهاب"، على ما كان عليه مع "الطوارئ".
فالنظام "الطارئ"، لا يمكن أن يعيش، أو يهرب إلى الأمام، بدون قانون طوارئ. هذا ما يقوله تاريخ كلّ الأنظمة الطارئة.

تأسيساً على هذا "الهروب الضروري" إلى الأمام، في ظل قانون طوارئ ضروري للنظام ، يمكن فهم "هروب" الأسد مما يجري حواليه من غضبٍ سوريّ. فالشعب السوري يدخل "الأمام" شارعاً بعد شارع، وشعاراً وراء شعار، بعكس رئيسه الأسد الذي يهرب إلى الأمام، خطاباً بعد خطاب، وقتلاً إثر آخر.

لم يبقَ أمام الأسد، وسط صعود الغضب السوري، كما يبدو من تعنته وإصراره على اللاإصلاح، إلا الهروب من التاريخ، لأن الدخول فيه، لا يعني سوى شيئاً واحداً، ألا وهو التنحي وتسليم السلطة لأهل الشارع، كما جنى طغاة آخرون من قبله، حصاد دخولهم في ذات التاريخ، الذي قاده ذات الشارع، تحت راية الغضب ذاته.

كان من الممكن بالطبع، أن يدخل الأسد في التاريخ بكلفةٍ أقلّ بكثير من كلفة خروجه منه، كما هو ماضٍ فيه الآن.
كان عليه أن يفهم مطلب شعب درعا، قبل حوالي خمسة أسابيع بإسقاط المحافظ، في كونه مطلباً سورياً بإمتيازٍ، يرمز إلى إسقاطه وإسقاط كلّ نظامه.
كان عليه أن يفهم في هذا الزمان الغاضب على طغاته، أنّ غضب درعا وأخواتها هو من غضب تونس والقاهرة وبنغازي وصنعاء وعمان والمنامة وشقيقاتها الأخريات.
لكنه أبى أن يكون الغضب السوري، جزءاً من الغضب العربي لأجل الحرية، وأبى أن يكون ربيع سوريا ما بعد 15 آذار الآن، ثورةً على "ربيع دمشق"(ه) الذي كان.

كلّ طرق النظام السوري ووسائله وإعلامه ووعوده وقفزه السوريالي على الحقائق، تؤدي إلى "خروج" الأسد الحتمي(والمكلف على الأرجح) من التاريخ.
قطار التاريخ السوري فات الأسد و"حزم" إصلاحاته، كما تقول المظاهرات والإعتصامات اليومية، التي رفعت سقف شعارها إلى "إعتصام إعتصام..حتى يسقط النظام".
شعارات المظاهرات في القادم من سوريا الكرامة، لن تقف عند هذا الحدّ بكل تأكيد، وإنما سيرتفع سقفها إلى ما بعد رحيل النظام ومحاكمة رؤوسه، كما رأينا في تجارب الثورات العربية الأخرى.

ليس ل"سوريا الأسد"، إذن، إلا الهروب من التاريخ، بعكس سوريا الشعب التي تدخله الآن، من أوسع أبوابه.

الأسد، لم يقرأ التاريخ جيداً، لهذا سيسقط فيه سقوطاً كبيراً يليق برسوبه الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها