الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العته العربي

احمد مكطوف الوادي

2011 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تمثل (البداوة و القبلية) المؤثر الأبرز في تكويننا الثقافي والاجتماعي والسياسي بكل ما تطرحه من أعراف وتقاليد متشنجة وغليظة وحادة ، وبكل ما تقدمه لنا من ذاكرة مشبعة بالحروب والغزوات ، وما نعيشه اليوم من واقع طفيلي مؤلم يعتاش على حضارات الأمم وانجازاتها دون أن يقدم أي شيء يذكر للإنسانية دليل على ذلك ، هذه الطفيلية التي تمثل الوريث الشرعي للغزو "الناعم" والمتنكر بلباس جديد ، و لا تكتفي البداوة بذلك بل تذهب إلى ابعد من ذلك وهي شاهرة سيفها لتحارب أمم (الكفر والإلحاد) لا حبا في دين الله كما يزعم البعض ولكنه تعبير صارخ عن روح الصحراء ووحشيتها .
إن البداوة مازالت حاضرة وبقوة في مجتمعاتنا وقد طبعت سلوكياتنا رغم كل التطورات الشكلية التي حصلت في مضمار التطور العمراني والتـكني ، فروح الثأر والحرب والغزو ولغة التهديد والوعيد وغياب التسامح والتعاون ، والخشونة والرعونة واحتقار الإنسان و المرأة وغيرها من الصفات المميزة للبداوة والصحراء مازالت زادنا اليومي وان لبست ثوبا جديدا وحضاريا .
إن الانتساب للقبيلة وللصحراء وعاداتها ، لا يمثل مثلبة وعارا في ذاته كما يتوهم البعض ويحلو له أن يصور ذلك وهو ما سيفهمه البعض من الموضوع ويتهموننا به من الذين سيكتفون بالعنوان والفهم المجتزأ ، ونحن لا نتبناه طبعا ، فهي تمثل مصدر افتخار في أحايين كثيرة ، فالإنسان هو الجوهر وبأي ارض ولد وأرجو أن لا يفهم القارئ الكريم من عنوان الموضوع (العته العربي ) إنها شتيمة بقدر ما هو تشبيه .
إن كل الأمم والشعوب مرت بفترات مماثلة واضطرابات اجتماعية وثقافية وحروب وانتكاسات لكنها ( وطبعا لا اقصد إنها مرت بمرحلة البداوة ) استطاعت أن تنتفض وتتمرد على كل ما علق بها من جراء ذلك وتنهض لتعوض كل تلك الهزائم والانكسارات الداخلية وتتغلب عليها.
إن العار الحقيقي هو أن يبقى هذا التخلف والجهل شاخصا بيننا وعالقا في أذهاننا وأن يستمر النكوص والتراجع المخزي في إنسانيتنا وواقعنا وثقافتنا بهذه الكيفية !
وهنا لا بد لنا ومن خلال نظرة سريعة أن نشير إلى عاملين أساسيين في تكويننا الثقافي و الاجتماعي ، وهما البيئة وملحقاتها والدين وملحقاته .
جاء الإسلام ليؤكد بتعاليمه الإنسانية على الكثير من الأعراف والتقاليد التي كانت من صميم سلوكيات العرب وأعرافهم و نهى كذلك عن سلوكيات أخرى ، ويبقى التطبيق نسبيا في ذلك ، لكن الملاحظ في هذا هو طغيان هذه السلوكيات البدوية والقبلية و المناطقية المتوارثة على تعاليم الدين الإسلامي وسيادتها على تسامحه وإنسانيته بل واتساعها لتفرض قراءتها وفهمها على الدين وتجييره لمصلحتها ، حتى إنها سحبت رسالة الإسلام السمحاء من وسطيتها وفرضت عليها قراءة متشددة وقاسية يمثل الإرهاب واحدا من معالمها وتحاول أن تجردها من أمميتها بتأكيدها دائما إن الدين الحقيقي يمثله العرب فقط وهم من يحملون لواءه فتم اختزاله بفهم قاصر صار مشوشا في فهم و نظر وتصور الآخر الإنساني والديني.
تطور الزمان ولم تعد الصحراء هي الصحراء ، ولم يعد السيف قادرا على الدفاع عن الديار أمام قاذفات القنابل ومدرعات الابرامز ، وما عادت القصيدة قادرة على منافسة القنوات الفضائية والانترنت والفيس بوك ولم تعد التجارة والأسواق هي ذاتها فقد اختلفت الآليات والمقاييس وما عاد عكاظ ولا المربد بقادرين على منافسة وول ستريت .
"الاباعر " والبغال والحمير وحدها ما عادت قادرة على تخطي المسافات فصار العربي لا يستعملها سوى للرياضة وللتعبير عن الأصالة !
فالبوينغ والمرسيدس والشوفرليه صارت واسطته المفضلة في التنقل !
صار العربي اليوم مدمنا على تناول البيتزا الايطالية والبن البرازيلي والسيكار الكوبي ولم يعد خبز الشعير و حبات تمر شط العرب تسد شراهته وحبه للطعام .
أين نحن اليوم من كل هذا ؟
كم حاولنا أن نقفز على حقائقنا المفجعة ، والموجعة ، وكم تعلقنا بأسوار الثقافة والمدنية والتطور والتي سبق وان قتلناها في مهدها حين بزغت لأول مرة في سومر وبابل وأشور وفي فترات أخرى لاحقة ، هذه المدن التي ظلت أطيافها تؤرقنا وأطلالها تبكينا ؟!
وما زلنا نقتلها في كل حين !
كم سوقنا أنفسنا ونفخنا أوداجنا وفضلنا أرواحنا على البشرية جمعاء ؟!
ماذا قدمنا للبشرية ؟
وأرجو أن لا يكون الجواب شعاراتيا دائما ؟
هل سنجلس لنراجع أنفسنا أم ستظل العقد حاضرة بيننا دائما ؟
ولمن يريد أن يجر الدين جرا للموضوع ويستعجل دوره ، نقول له مقدما ، يا صاح لا تستشهد بالفترة التي انتعشت فيها (الحضارة الإسلامية) فلقد كانت جهدا مشتركا ومتلاقحا من كل الأمم والشعوب من الصين إلى الأندلس ولا يحق لمجموعة بشرية وعرقية وبيئية أن تحتكرها لمصلحتها ، لقد طغت بداوتنا على إنسانيتنا بل وزحفت تقاليدها وقسوتها حتى على ديننا فقدمت لنا قراءة صحراوية وتفسير صحراوي للدين وبما يشتهيه عقل الناقل والكاتب ومزاجه الصحراوي وميوله وبتأثير ما عاشه من قسوة الصحراء ولهيبها .
وربما قلنا في مقالة سابقة إن الكثير من علماء تلك الحقبة كانوا من مناطق وأعراق شتى ولا سيما من أسيا الوسطى حيث سمرقند و طشقند وعشق أباد وغيرهما .
سمرقند وطشقند الواقعة بالقرب من منغوليا ، منغوليا التي انطلق منها جنكيز خان و هولاكو وتيمورلنك ليدمروا ما وصلته أيديهم من حضارات ، في حملة وحشية قلما شهدت لها المعمورة شبيها .
يقودنا (التشابه) الذي يتحدث عنه الكتاب والمؤرخون بين العرب والمغول والمقارنة بينهما من حيث البيئة الصحراوية ، والخروج للحروب (الفتوحات العربية والغزوات المغولية) ، يقودنا هذا إلى الحديث عن الفروق بين الأمتين وبين الخروجين ولكننا سنتكلم بالنتيجة عن ما هم عليه الآن وعن حالنا البائس والمخجل .
يقول الدكتور علي الوردي في حديثه عن إنسانية العرب التي تفوقت على وحشية المغول معلقا و معللا تلك الفروق بما يلي :
1)التعليل القومي: وهو ما يسوقه أنصار النظريات القومية والعرقية وهو ما يعتبره الدكتور الوردي قاصرا عن تفسير ذلك ،فالعرب يرجعون اختلافهم وإنسانيتهم في (الفتوحات) إلى أسباب عرقية يختص بها العربي دون غيره فيما يذهب المغول والترك(أبناء العمومة) إلى رأي مشابه يفترض العكس .
2)التعليل الديني : وهو ما يتبناه الدكتور الوردي ، حيث إن للعرب رسالة ودين سماوي له تعاليمه الواضحة ، فكان أصحاب النبي (ص) أمناء لدرجة كبيرة على تلك التعاليم التي ضخها النبي (ص) في أرواحهم وعقولهم ، ويضيف الدكتور الوردي إلى ذلك أيضا ما يسميه بالمروءة العربية التي كانت سببا في الاختلاف النسبي بين الأمتين .
طبعا هذا لا يعني إن الجيوش الإسلامية الفاتحة لم تمارس الكثير من الفظائع والفضائح أثناء تلك الفتوحات.
ربما أهمل الدكتور الوردي عاملا أجده مهما ـ وربما ذكره في مخطوطة لم تصلها يدي ـ وهو البعد المدني والحضاري الذي اكتسبه العرب نتيجة الاختلاط مع غيرهم من الأمم عن طريق مكة وموقعها الاستراتيجي فوجود البيت العتيق جعل منها مركزا دينيا واقتصاديا وثقافيا مهما ، وأضيف كذلك ، تأثرهم ببقايا الحضارات القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل واتصالهم الدائم مع بلاد فارس وبلاد الروم وما لهذا الاحتكاك من اثر كبير في عملية التواصل الاجتماعي وانسنة العرب على عكس المغول الذين حافظوا على طبيعتهم المتوحشة .
والدليل الذي يؤكد ذلك هو التطور الفكري والمدني الذي طرأ على المغول بعد احتلالهم الإقليمي للمنطقة ونزوعهم بعد ذلك لتأسيس دولتهم في الشرق بعد التجارب والتواصل مع الشعوب الإسلامية والعربية فيما آلت الخلافة الإسلامية بعد ذلك برمتها إلى إخوتهم الترك وهو دليل إضافي آخر ، فالترك الذي يجاورون العرب في الموقع الجغرافي وعلى احتكاك مباشر معهم يختلفون في سلوكهم عن أبناء عمومتهم الذين يقطنون أواسط آسيا .
تطورت الشعوب والأمم لكن العرب وللأسف مازالوا يقبعون في ذيل القائمة .
فقد حافظوا على نفس النظام والآليات ونفس الأفكار وظلت مشكلة التواصل والحياة الاجتماعية على سذاجتها وبدويتها !
الطغيان والاستبداد والقمع والطائفية والأمراض الاجتماعية المتعددة أكلت كل شيء .
امة استهلاكية ومتخلفة يقتل بعضها بعضا .
قبل أيام وحين وصلت لمكان معين ، سمعت الأصوات ترتفع بالحديث والجدال ، وصلت فانتهى الكلام ، صار المكان هادئا والكلام وديا وعاما !
استفهمت عن ما يجري فقالوا "لا شيء " !
سألت نفسي بحرقة وألم ، لماذا كل هذه العزلة ؟!
يوصم المغول بتسمية لأحد الأمراض وهو العته المغولي أو متلازمة داو ن وهو نوع من الإعاقة العقلية ، والعته في لسان العرب و التَّعَتُّه هو : (التَّجَنُّنُ والرُّعُونةُ) ، وفي مختار الصحاح للذهبي ( المعتوه هو ناقص العقل) .
وغالبية الأشخاص المصابين بمتلازمة داون لديهم تأخر عقلي وضعفا في الإدراك ويطلق على الأطفال المصابين بالمرض وصف " منغولي" لتشابه السمات الوجهية المشتركة بين المصابين وبين الأشخاص من العرق المنغولي وبحلول القرن العشرين أصبحت متلازمة داون أكثر أنواع الإعاقات الذهنية ظهورا .
ومنغوليا هذه هي أمة في آسيا الوسطى ، وتحدها من الشمال روسيا ومن الجنوب والشرق
والغرب تحدها الصين.
والصين وروسيا عضوان دائمان في مجلس الأمن ومن الدول الكبار ، لكن منغوليا ورغم بساطتها ظلت على الخارطة ، لكن إسرائيل التي تشكلت قبل 50 عاما استطاعت أن تحتل أول قبلة لديننا فيما تلعب كل الدول الغربية بمنطقتنا (شيش بيش )
فمن هو المنغولي والمعتوه يا ترى ؟!
في منغوليا تندمج وزارات مثل التربية والتعليم والثقافة والعلوم في وزارة واحدة وكذلك ، العدل والشؤون الداخلية ، والتجارة والصناعة لكن وزارتنا في العراق بأكثر من 40 وزيرا ، فمن هو المعتوه والمنغولي يا ترى ؟؟
وهل من امة تعيش التخبط والرعونة والطغيان كأمتنا ؟!
وهل من نماذج لمعتوهين أفضل من القذافي وصدام ومبارك وصالح وغيرهم من المعتوهين ؟!
والسؤال المطروح بقوة للتفكير والانتباه والتأمل ، ماذا يميزنا عن غيرنا ؟؟ ماذا ؟؟
الحضارة والمدنية ،المحبة والسلام ، الوحدة والتماسك ، التطور العلمي ، الصحة والرفاهية ، المنعة والقوة ، التقوى ومخافة الله ، الرحمة والمودة !!!
وربما يبقى العته والرعونة ما يميزنا في المدى المنظور



مودنتي الشخصية http://ahmedmagtoufalwady.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو