الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيل الحكومة..

محمد المراكشي

2011 / 4 / 19
كتابات ساخرة


بعد أن قام ببناء منزل لعائلته،راودته فكرة غريبة ! أضاف غرفة في السطح ، و جعلها أكثر جمالا و أناقة من باقي غرف المنزل في طابقيه الأرضي و الأول..أضاف إلى جانبها حماما وجهزهما بكل اللوازم الاساسية و الكمالية.. أغلق الحجرة بإحكام و أخفى المفتاح عن أعين الجميع !!
جاءه صديق له يوما ،لكي يرى ما قام به من جديد في منزله المبني حديثا ،لكنه استغرب للحجرة الموجودة في السطح لدرجة أنه لم يستطع إخفاء السؤال عن السبب.. لم يجبه حينها بل ترك الأمر فيما يشبه سرا حربيا إلى أن يكونا لوحدهما في المقهى..
ببساطة و هدوء ، أخبره قائلا: تلك هي الغرفة التي سيرمونني فيها حين أصل إلى منتهى العمر و أرذله.. !
كثير من آبائنا و امهاتنا وبعد حياة مليئة بالتعب و العناء ينتهين في مثل تلك الحجرات، مع التفاوت الاجتماعي طبعا..فصاحبنا على الأقل له تقاعد مريح نسبيا جعله يفكر في اليوم الذي سيجد نفسه وحيدا على سطح منزله الذي بناه بعرق جبينه و شقائه طوال سنين حياته،يسمع آهات الحمام النائح أكثر من سماعه صوت أبنائه الذين قسموا الطوابق و الحجرات فيما يشبه الغنيمة !!
هي فطنة رجل يرى نهايته قبل الأوان ، ويعرف أن مجتمعنا في بعض الأحيان يكون قاسيا على المسنين الذي يصبحون في حال يصعب تحملهم إلا إذا تذكرنا ما سبق من خير أيام القوة و الشباب !
بنفس المنطق تتعامل الحكومات و الشركات ، فهي تاكلنا لحما و ترمينا عظما هشا قابلا للإنكسار على بوابات صناديق التقاعد في عواصمنا المملة ،وكأننا نشحذ حقوقنا التي ركناها في خزائنها بعرقنا المالح..
فجيوش المتقاعدين في بلادنا يحسون بالغبن الشديد مع أول شهر بعد انتهاء خدمة طويلة قد تصل إلى اربعين أو خمسين سنة..حوالي نصف قرن من العمر تحتفل بذكراه الفضية إداراتنا بمزيد من المعاناة و الشقاء ،تبدأ بانقطاع الراتب الهزيل شهورا و تنتهي بإجراءات بيروقراطية طويلة الأمد تشبه عقوبة لك على كل ذلك المشوار..
أخر ما تفكر فيه انظمتنا هم هؤلاءء الناس الذين جف عرقهم ،لذلك تفاجأ بطوابير العجزة و الشيوخ و الأرامل أمام إدارة مركزية أو مركز بريد يحكون حكاياتهم الشبه خرافية عن أيام العز التي قضوها بالعمل في انتظار أن تجود عليهم موظفة معجبة بجمالها أو موظف متعجرف بقوته وشبابه بإمكانية شرح لطريقة جديددة في صرف راتب هزيل !!
وفي أغلب الأحيان تجد تلك الفئة المنتهية الصلاحية طريقها للتصدير إلى إدارة أخرى ابعد من الأولى..ففي أغلب الأحيان يتحول الموظفون و الموظفات في تلك الإدارات إلى متخصصين في تصدير صورة مستقبلهم التي يحاولون عبثا الهروب منها !!
في الوجوه الآتية من الإدارة ، ولا وجه ضاحك.. ما تحمله من كلام ،ولا كلمة متفائلة !! حتى حراس الباب يفهمون في كل شيء..مهمتهم الوطنية هي تصدير الناس !!
لقد آن لهذه الحكومات المتآكلة،أن تفكر في متقاعديها باعتبارهم وطنيين أسدو خدمات بنت الأوطان كل حسب استطاعته ، بدل أن تتعامل معهم مثل خيولها التي ترابض في بوابات المآثر و تشارك في تظاهرات غالية التكاليف ،وتجهذ نفسها في العمل الأنيق بالمواكب و الاستعراضات مقابل ربطة برسيم ..و حين تهرم ، فإنها تضرب بالنار أو تساق إلى أقرب مجزرة لتنتهي نقانق في ساندويتش...
لا أظن أن أيا من المسؤولين في بلادنا يفكر في يوم تقاعده ،أو أنه سينتهي تائها في العاصمة يبحث عن جواب لسؤال أو حل لمشكلة معاش..لكن صورة الحجرة المبنية على السطح تطارد الجميع مع استحضار الفوارق التي تتبدل معها المسميات فقط .
أما النهاية فتبقى واحدة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر