الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود المسألة الاجتماعية إلى سطح السياسة العربية(تونس نموذجاً)

محمد سيد رصاص

2011 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تتلوَن المراحل التاريخية يمسائل محددة تمثِل تناقضها الرئيسي : في فترة1918- 1948كان الموضوع الرئيسي عربياً (رغم الاستعمار،وربما بسببه )هو التحديث،انطلاقاً من سؤال جمال الدين الأفغاني:"لماذا تقدم الغرب،ولماذا تأَخرنا؟"،وفي 1948 – 1975كان الموضوع القومي العربي،ثم،منذ أوائل الثمانينيات،بدأت الديموقراطية تطرح نفسها مسألة رئيسية في مشاغل المفكرين والساسة العرب المعارضين(وحتى عند بعض من في السلطات العربية،بالمعنيين السلبي المضاد ،والاصلاحي)بعد أن أصبح واضحاً فشل أنظمة الحزب الواحد العربية في تحقيق مهام(الوحدة العربية)و(فلسطين)و(استرجاع أراضي1967المحتلة)و(التحديث)و(التنمية).
يلاحظ،على تلك التلونات التي حدَدت تلك المراحل العربية،أنها كانت تأتي من خلال عملية انعكاسية لفعل خارجي،مثل وقوع المشرق العربي في قبضتي لندن وباريس إثر انهيار الدولة العثمانية في عام1918أومثلما حصل من زلزال في العقل العربي بفعل نكبة فلسطين في 1948أدى إلى بداية احتضار الليبرالية العربية لصالح المد القومي العروبي،فيما كانت تلك الانعكاسية ،أثناء صعود(الديموقراطية)إلى سطح السياسة العربية، ناتجة عن فعل داخلي حيث أتت الطروحات الديموقراطية كأجوبة معارضة لأوضاع قادت إليها أنظمة الحزب الواحد ،بشكل رئيسي،وإن لاقت تلك الطروحات وقوداً معنوياً من أوضاع خارجية مثل سقوط أنظمة الحزب الواحد في الكتلة السوفياتية السابقة بين عامي1989و1991.
لم تكن المسألة الاجتماعية (أوالموضوع الاقتصادي الاجتماعي)مطروحة في كل تلك المراحل العربية الثلاث كتناقض رئيسي ،وعندما كان تطل برأسها فإنها سرعان ماتقود وتنتقل إلى الموضوع الرئيسي الذي كان يمثل التناقض الرئيسي للمرحلة،مثلما حصل في الجزائر أثناء مظاهرات أوكتوبر1988،التي انطلقت من احتجاجات على اجراءات اقتصادية لتنتهي إلى صراع سياسي بين الحزب الواحد،والمؤسسة العسكرية التي كانت وراءه،وبين الاسلاميين،كانت نتيجته تعديل الدستور في فبراير 1989للسماح بالتعددية الحزبية،ثم لينتقل الصراع الجزائري إلى مواضيع بعيدة كثيراً عن الجانب الاقتصادي الاجتماعي،سواء أثناء الحراك السياسي التعددي في فترة 1989-1992،أم خلال الحرب الأهلية الجزائرية لسنوات سبع التي أعقبت انقلاب الجنرال خالد نزار في يوم11يناير1992.
يعطي المثال التونسي(17ديسمبر2010-14يناير2011،وبشكل أقل بكثير المثال المصري:25يناير-11فبراير2011،حيث كانت الدمقراطية وتغيير النظام السياسي مطلباً مفتاحياً عند كتلة اجتماعية مصرية عريضة،وليس الموضوع الاقتصادي الاجتماعي) مؤشرات على بداية الدخول في مرحلة عربية جديدة أصبح فيها واضحاً صعود المسألة الاجتماعية إلى سطح السياسة العربية،وقد أتت أحداث الجزائر القصيرة في بداية عام2011،التي تزامنت معها وبعدها مظاهرات أردنية للإحتجاج على الأوضاع المعيشية، لتعطي أدلة إضافية على تلك المؤشرات التي أظهرتها تونس بقوة هزَت العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه.
كانت مصر،في عامي2009و2010،قد أعطت ارهاصات أولية لتلك المرحلة العربية الجديدة،ثم لتتوارى أمام مواضيع مصرية أخرى،مثل الصراع على تحديد مرحلة(مابعد مبارك):في القاهرة ،بالسنتين الماضيتين،لم يستطع الموضوع الاقتصادي الاجتماعي أن يفرض نفسه على سطح السياسة ،أوأن يكون الوقود المحرَك للعملية السياسية،فيماكان هكذا في تونس،حيث لم تكن الإطاحة بكل من (ديكتاتورية الحاكم)و(الحزب "الحاكم") موضوعة على أجندات تحرك منظَم ،وإنما كانت نتائج تفصيلية لثورة شعبية عفوية ضد أوضاع اقتصادية اجتماعية ،أحسَت غالبية كبرى من طبقات وفئات المجتمع التونسي أنها تسير ضد مصالحها أوأنها تتجه بها إلى التهميش الاقتصادي الاجتماعي أونحو مزيد من الإفقار.ربما،لوأسرع الجنرال بن علي،خلال الأسبوعين الأولين من التحرك،إلى اجراءات تعديلية في السياسات الاقتصادية الاجتماعية لكان مازال في قصر قرطاج،فيما لم تنفع ملامسته وتلميحاته في خطاب يوم13ينايرإلى اصلاحات في الجانب السياسي،وإلى علاقته بالطاقم من حوله ،في وقف سقوطه وهروبه من القصر في اليوم التالي،حيث قادت المطالب الاقتصادية الاجتماعية إلى حركة صعودية نحو الطابق الأعلى من البناء السياسي نتيجة لعدم استجابة السلطة أمام المطالب الاحتجاجية وليس نتيجة لكون هذا الطابق الأعلى هو أجندة موضوعة على جدول أعمال أصحاب تلك المطالب.هنا،أدى تصلب السلطة إلى سيولة عند الحركة العفوية المعارضة بإتجاه صعودي، بعد أن كانت محصورة في المناطق غير الساحلية حتى يوم رأس السنة،اتجهت أولاً ضد المؤسسات السلطوية،ثم قاد الوضع الدفاعي للسلطة،بين يومي 9و13يناير،إلى تشقق أوانشقاق بين رأس السلطة وجسمها في يوم14ينايرقام من خلاله الأخير بمحاولة انقاذ الجسم بعد نزع الرأس أوابعاده.
على العكس من هذا،فإن وضع (مابعد14يناير التونسي) قد بات يحكمه مسار جديد،مختلف جذرياً عن ماقبله:قادت المطالب الاقتصادية الاجتماعية إلى مفاعيل تشقق السلطة،وانفصال الجسم عن الرأس فيها.لم يؤد هذا إلى توقف الحركة الشعبية أوتسكينها،وإنما إلى انتقالها نحو طور جديد،أصبح فيه واضحاً أن غالبية الشارع التونسي تريد سلطة جديدة،عبر تغيير البنية السلطوية القديمة،وطاقمها. هذا،أتى من التأطير والتنظيم المتزايد لحركة الشارع التونسي،التي لم تعد عفوية منذ سقوط بن علي،حيث بات ملموساً منذ 14يناير التأثير المتزايد لبعض الأحزاب،من اسلامية ويسارية وكذلك للنقابات العمالية،على حركة الشارع،التي لم تعد تتوقف أمام الحركة النزولية لاستجابات جسم السلطة المتبقي للمطالب من (تعددية حزبية شاملة)و(عفو عام)و(فصل السلطة والإدارة عن الحزب"الحاكم").
من الواضح،أن كل هذا قد قاد،وسيقود أكثر،إلى تغيير المشهد التونسي السياسي بأكمله،ولايعرف إلى أي مدى سيؤدي إلى شكل وبنية جديدتين للسلطة السياسية:هذه الوصولات التونسية،أوالمآلات الممكنة،هي تفاصيل لمسار،أخذ مرحلتين قبل 14يناير وبعده، كان وقوده المحرِك هو المسألة الاجتماعية،أوالموضوع الاقتصادي الاجتماعي،وذلك في مجتمع قادت فيه الديكتاتورية السياسية إلى فوارق طبقية شاسعة في المجتمع،وإلى النزول بشرائح واسعة من الفئات الوسطى نحو الفقر وهي التي كانت مزدهرة اقتصادياً بزمن بورقيبة،وإلى تعميق الفوارق الجهوية بين الداخل المهمش والمدن الساحلية في الجانب الاقتصادي الاجتماعي وفي التعيينات الحكومية ،حيث انطلقت لأول مرة ثورة من الداخل لتنتقل نحو الساحل ومنه العاصمة شاملة عموم التراب التونسي وغالبية طبقات وشرائح المجتمع ،فيماكانت الحركات الاحتجاجية في زمن بورقيبة محصورة جهوياً(أحداث قفصة 1984)أوضمن نطاق اجتماعي محدد(الإضرابات العمالية في1978).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى