الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة مبارك سابقة عربية تاريخية

علي جرادات

2011 / 4 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كاتجاه عام، ومع احتساب التمايز النسبي بين قُطر عربي وآخر، ومنذ نصف قرن ويزيد على موجة الاستقلال الوطني عبر الانقلابات العسكرية، ظل غياب سيادة القانون سمة غالبة في الحياة السياسية العربية. واللافت أن تعسفية غياب سيادة القانون لم تكن طريقة للتعامل بين الحاكم والمواطن فقط، بل كانت طريقة للتعامل بين "الخالع" و"المخلوع" من الحكام أيضاً، فقد كان السحل أو أبدية الحبس والمنفى والإقامة الجبرية دون محاكمة مصير كل حاكم عربي تمت الإطاحة به، انطلاقاً من أن الحاكم الجديد يَجُبُّ ما قبله ونقطة، ذلك بدءاً بما جرى لأمين الحافظ وناظم القدسي وأكرم الحوراني وصلاح البيطار وإبراهيم ماخوس وصلاح شديد ونور الدين الأتاسي في سوريا، مروراً بما جرى لعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأحمد حسن البكر في العراق، عرجا على ما جرى لمحمد نجيب في مصر وأحمد بن بيلا في الجزائر وعبد الله السلال والغشمي في اليمن وجعفر النميري في السودان وإلى... ألخ
لقد كانت ظاهرة غياب سيادة القانون تجليا طبيعياً لأنظمة حكم أبوية، (الملكي منها والجمهوري)، يعتليها "سلطان" مستبد يحكم "رعية" دون مساءلة شعبية أو مرجعية دستورية وقانونية فعلية. لذلك قلنا وقال غيرنا: إن نجاح الحراك الشعبي العربي في تنحية رئيسين عربيين حتى الآن، فيما الحبل على الجرار، هو حدث تاريخي كبير، أكد فيما أكد، وبرهن فيما برهن، على أن الشعوب العربية ليست استثناء كما وصمها العقل الاستشراقي وتابعوه لجهل أو لمصلحة، بل، تستطيع ككل الشعوب استعادة سيادتها وإعادة معادلة علاقتها بحكامها إلى نصابها، إن هي كسرت حاجز الخوف وانتفضت بوصفها مصدر كل تشريع وسلطة ومرجعهما. إذ باتت ذائعة القاعدة النظرية التي تقول: "إنه لا عبد بلا سيد، ولا سيد بلا عبد"، ما يعني أنه لا يمكن لظالم أن يستبد إن لم يجد من يخضع له. لذلك قالوا "يا فرعون مَنْ فَرْعَنَكَ؟؟ قال: "لم أجد مَنْ يردَّني"!!. وقد جاء الحراك الشعبي العربي كحدث تاريخي ليردَّ "فراعنة العرب"، ويؤسس لبزوغ فجر الدولة العربية المدنية التي يتساوى المواطنون فيها، على الأقل أمام القانون وسيادته.
وفي هذا نقلة نوعية على أحد أن لا يقلل من شأنها، أو أن يقلل من شأن ما تفضي إليه كصيرورة من إنجازات. فقد كان طبيعياً ومنطقياً أن يتلو نجاح الحراك الشعبي العربي في تنحية رئيسين عربيين، نجاحاَ آخر حققه في الأسبوعين الأخيرين الحراك الشعبي المصري، وتمثل في إخضاع الرئيس المصري السابق وأبنائه، فضلا عن مسئولين سابقين في نظامه، للتحقيق على طريق تقديمهم لمحكمة عادلة، بما يشكل سابقة تاريخية عربية، تتعدى ما هو سياسي في دلالاتها، وتؤسس لقيمة ثقافية تعلي شأن القانون والقضاء واستقلالهما وسيادتهما.
ولا غرابة في أن تكون مصر، الدولة العربية الأعرق، رائدة تسجيل هذه السابقة التاريخية، التي تجاوزت اعتباطية السحل وأبدية المنفى والحبس والإقامة الجبرية، كمصير غير معلل لكل حاكم عربي تمت الإطاحة به حتى الآن. وسيذكر التاريخ العربي لمصر الشعب والثورة والدولة تسجيل هذه السابقة التاريخية، التي سيكون لصوتها، تقدم الأمر أم تأخر، صداه في كامل الوطن العربي، من حيث ضرورة إجراء تحقيق تتلوه محاكمة عادلة تبرر وتعلل أية عقوبة بحق أي مواطن، بما في ذلك كل حاكم أو مسؤول تتم إزاحته عن السلطة، بما يتجاوز ثقافة فرض العقوبة بالقوة، كوجه آخر للسيطرة على السلطة والاستمرار فيها بالقوة وخارج أي شكل حقيقي من أشكال القانون والدستور والمساءلة الشعبية. وبما يتيح توالداً متراكما لثقافة سياسية عربية عصرية بهذا القدر أو ذاك، تزيح عن كل حاكم جديد سمة "المهدي المنتظر"، كثقافة يجري تأطيرها في صيغ قانونية ودستورية يحتكم الناس إليها ويتقاضون وفقها، وبما يمنع أن يكون أحداً فوق سلطة القانون والقضاء، لا كمبدأ يحمي البشر من الطغيان والاستبداد والتعسف السياسي فقط، بل، وكديناميكية مضمونة لرسوخ الدول وتعزيز منعتها وحماية تطورها وصون وحدتها وتراكم منجزات شعوبها ومكتسباتها، بعيداً عن أهواء هذا الحاكم الجديد أو ذاك وتقلباته. وقد بات غنيا عن الشرح أن منعة الدول وقوتها لا تقاس بما تمتلكه من عوامل قوة عسكرية وأمنية فقط، بل أيضا بما تحظى به شعوبها من حريات ديمقراطية تتيح تفجير كامل طاقات مكونات مجتمعاتها، وهذا لا يكون إلا بسيادة ثقافة المساواة بين مواطنيها، ويجري التعبير عنها في تساويهم حكاما ومواطنين أمام سلطة القانون. أما الإصرار على مواصلة الحكم بصيغ "الحزب الواحد" و"القائد الأوحد"، فلن يفضي إلا إلى تحويل ما هو قائم من صيغ دستورية وقانونية إلى ديكور يجري تجاوزه والتلاعب به وتفصيله في كل مرحلة على مقاس هذا الحاكم الجديد أو ذاك، بل وتعديله بما يخدم توريث هذا الوريث أو ذاك، بصرف النظر عن طبيعة صلته بالمُورِّث، بيولوجية كانت أم فكرية سياسية.
قد يقول قائل: ليس بالضرورة أن ينتقل صوت هذه السابقة التاريخية المصرية إلى بقية الأقطار العربية، وهذا غير صحيح إلا بالمعنى النسبي، أي أن الانتقال ربما لن يكون سريعاً، لكنه سيكون من حيث المبدأ، وإن تأخر بالنظر إلى التمايز النسبي القائم بين الأقطار العربية. إذ ألم يجرِ التشكيك في ممكنات انتقال صوت الحراك الشعبي التونسي الريادي إلى باقي الأقطار العربية؟؟!! فماذا كانت النتيجة؟؟!! ألم يكن الانتقال أسرع مما توقع حتى أكثر الناس تفاؤلاً؟؟!!
وأكثر من ذلك، فإنه يمكن اعتبار هذه السابقة المصرية التاريخية بمثابة واحدة من أهم انجازات الحراك الشعبي العربي، التي تتراكم وتسير قدماً رغم ما تواجهه من ثورة مضادة داخليا وخارجيا، وفي المقدمة منها التدخلات الغربية بقيادة أمريكية، ناهيك عن إسرائيل التي شكل كبح التغيير الوطني والديمقراطي إحدى أهم وظائفها، ما يجعلها متصادمة موضوعيا مع التغييرات العربية الجارية، ذلك لأنها، فضلا عما تعنيه من تفجير لطاقات الشعوب العربية في الصراع العربي الإسرائيلي، فإنها تشكل بداية لشطب أسطورة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، تلك الديمقراطية الداخلية التي، وإن تغنى بها الإسرائيليون، إلا أنها تبقى أكذوبة طالما جرى توظيفها في احتلال شعب آخر، وطالما تم استعمالها للتغطية على كل ما قامت به دولة إسرائيل من تطهير عرقي في فلسطين، ناهيك عما قامت به كقوة احتلال يحترف الحروب ويرفض التسويات، من عربدات في المنطقة العربية. بلى، إن الانجازات الديمقراطية للحراك الشعبي العربي، وآخرها السابقة التاريخية المصرية سوف تحرم إسرائيل من وسيلة دعاية طالما استخدمتها بحذق منذ قيامها وحتى يوم الناس هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال