الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستتراجع الحريات في العراق ؟

جاسم العايف

2011 / 4 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يشهد العراق موجة احتجاجات شعبية تشارك فيها كل الشرائح الاجتماعية للتعبير السلمي ،عن الضيم الذي لحق بها خلال السنوات المنصرمة ،عملاً بما نص عليه الدستور العراقي الذي ضمن التعبير عن حرية الرأي والتظاهر السلمي، وهذه الاحتجاجات السلمية تطالب بإصلاح النظام وبمحاربة المحاصصة الطائفية المقيتة والحزبية الأكثر مقتاً ودناءةً والفساد والمفسدين، وتحسين الخدمات ومحاسبة المسؤولين عن صرف وهدر واختلاس الأموال العامة والتي تعود عائديتها للعراقيين ذاتهم، وقد تنادت أطراف عدة أغلبها ممسك بالقرار السياسي والإداري في العراق ومعها بعض المراجع الدينية التي ليس من واجباتها التدخل في شأن دنيا الناس للتشكيك بهذه الاحتجاجات، من خلال توجيه التهم والطعون لمن يشترك فيها، وقد أدت الإجراءات التعسفية التي بها تم مواجهة المعترضين سلمياً والحكم المسبق على نواياهم، وهذا خلاف الدستور والقضاء المستقل و العادل ، والذي لا يحاسب على النوايا بل على الأفعال، وكانت حصيلة المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن أثناء احتجاجات "يوم الغضب" في 25 شباط قد أودت بحياة 14 مواطناً عدا عن عشرات الجرحى ، وتفيد الوقائع بأن صحفيين وناشطين تعرضوا للاعتقال الكيفي وحتى الضرب على أيدي قوات الأمن العراقية، كما تعرضت محطات إذاعة وتلفزيون إلى هجمات وتخريب، بالإضافة إلى قيام السلطات الحكومية بإصدار الأوامر بمنع التجول في كل المحافظات العراقية، وهنا في البصرة وبعد الساعة الثامنة مساءً بدأت سيارات حكومية وهي تتجول في الأحياء الشعبية تحذر وتهدد ،عبر مكبرات الصوت، الناس من المشاركة بهذه الاحتجاجات ،ومعلنة فرض منع التجول وأن كل من يقبض عليه متلبسا (بجريمة التجول) يعامل على وفق المادة 4 إرهاب، لغرض عرقلة وصول المتظاهرين إلى أماكن التظاهرات، إن الإجراءات التي تعاملت بها الحكومة العراقية وأجهزتها المختلفة مع التظاهرات تدفع إلى التحذير من أن الحريات المدنية والحقوق التي يضمنها الدستور للمواطن باتت في خطر. وبذا يكون من يمسك بمفاصل السلطة قد بدأ يتراجع عن النصوص الدستورية ذاتها والتي قادته إلى سدة القرار، وباتت حرية التعبير تواجه خطر النكوص وبات الناس خائفون في أن يتم قرض الدستور، خاصة ما كفله من حريات شيئاً فشياً من خلال الانتهاكات التي تقوم بها السلطات الحكومية في المركز والمحافظات بشكل تعسفي، وتعمل الحكومة ومعها مجالس المحافظات ،التي تحوم حولها شكوك كثيرة موثقة بعدم النزاهة والإثراء على حساب من انتخبهم غفلةً أو بسبب تدني وعيه الاجتماعي ، على فرض ما تراه هي مناسباً دون أن تدرك إنها بهذا الخرق للدستور فإنها بالذات وفي هذه الحالة، تفقد شرعيتها دستورياً، لأنها وحسب ما هو معروف ولدت على وفق الانتخابات والنصوص الدستورية ذاتها بغض النظر عن ما شاب تلك انتخابات وقانونها المجحف وكذلك الدستور الذي كان من المفترض ان يعدل بعد أشهر على الانتخابات الأولى ولم يحصل ذلك ولن يحصل على المستوى القريب. بعد السقوط المذل للنظام الهمجي في العراق أصبح العراق بكامله،عرضة للتخريب والنهب ولتدخل مباشر، من قبل دول الجوار و غيرها، أومن ينوب عنها ، وأعقب ذلك قرارات غير صائبة ، لازال العراقيون يدفعون أثمانها من دمائهم وقوتهم وحياتهم ومستقبلهم ، وربما شكل بلدهم الحالي، وكان يمكن في الأقل تحاشي بعض الأخطاء التي أعقبت السقوط ، من قبل النخب السياسية العراقية التي قادتها رياح التغيير العاصف للجلوس على هرم السلطة، لا بل بعضها تعامل مع العراق،غنيمة معروضة في أسواق الجزارة والنخاسة السياسيتين، فأنشبوا سكاكينهم فيه كل يقتطع ما يشاء ويسدد ما عليه من فاتورات ، أو يعوض سنوات الحرمانات ، وتحول العراق إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين قوى محلية - إقليمية- دولية ، متضاربة ، فاجتذب هذا المناخ قوى الإرهاب العالمي، وتشكلت الميليشيات الطائفية ، والعصابات والمافيات، وتم اختلاس وتبديد مليارات الدولارات وتم إرساء قواعد الطائفية سياسياً ، من خلال آلية تشكيل (مجلس الحكم) وعمله المتدني، الذي أورث الشعب العراقي مصاعب ومصائب لا يمكن تخطيها بسهولة . يمكن الوثوق بأن الدولة الوطنية العراقية لم تؤسس حتى آلآن، بعد انهيارها التام في 9 /4 /2003 ، وإن هناك محاولات مستميتة لعرقلة تأسيسها ، على وفق القانون وما يترتب عليه من حقوق وواجبات،من قبل بعض القوى الإقليمية ويشاركها في ذلك بعض القوى في داخل العملية السياسية العراقية الحالية ، الموزعة على الشكل الحالي للمؤسسات والتي يمكن عبرها أن تنهض الدولة، دستور دائم ،رئاسة، مجلس وزراء، برلمان ،قضاء مستقل، مجتمع مدني نشط ومراقب للسلطات ويكبح من جموحاتها في السيطرة والاستبداد. غير انه يلاحظ ، تلمس بعض الآفاق في الحياة العامة، أهمها التحسن النسبي في الوضع الأمني والذي بدأ ببعض التردي حالياً ،ألا إن أزمات أبسط أنواع الخدمات وارتفاع مستوى البطالة والفساد المستشري في أجهزة الدولة يؤرق العراقيين، ويضعف الاستقرار الاجتماعي فيه، وبدا الطيف السياسي العراقي ، خاصة في مجلس النواب، نائياً عن مشاكل ومصاعب الحياة اليومية ومحنها المتزايدة والتي تقع في صلب اهتمام العراقيين، دون أن تعبأ غالبيتهم بمشاريع الحرب الأهلية والتي كانت تعمل عليها بعض القوى السياسية ، لا بل تفعلها بخطابات مشحونة وبما هو خَلفَ العراقي نفسياً. وللخلاص من الأوضاع الراهنة ، وبناء العراق على طريق التنمية والرقي الحضاري والاجتماعي ، لا بد من بناء الدولة الحديثة، باعتماد حق المواطنة والكفاءة والنزاهة والحقوق والواجبات، فأسس دولة العشرينيات، لن تعود قطعا، ناهيك عن عدم صلاحيتها، والدولة العراقية لن تبنى أيضا بالثأر من العراقيين ، ولا على أوهام الكثرة واحتكار الهوية، أو المظلومة التاريخية، واستغلال هشاشة سلطة المركز، وتعدد مصادر قراراته وعدم انسجامها لحصاد مكتسبات على حساب العراق الكل ، فالتوافق القانوني المؤسساتي ، المعني بالمواطنة دون تمييز، هو قدر العراقيين ، طال بهم الزمن أم قصر. بعد كل هذا التدمير والموت والخراب ، يلاحظ إن الروح العراقية ، لم تستجب لدعوى تفتيت العراق ، ولابد من فتح أفق جديد في العلاقات السياسية- الاجتماعية عبر الحوار، و الإجراءات والتشريعات القانونية، في طمأنة مستقبل كل القوى والشرائح الاجتماعية العراقية ، وتفعيل خطاب وطني- ديمقراطي ، اجتماعي سياسي ، مسئول من قبل الأطراف القابضة على السلطة ، ومن يعمل في العملية السياسية ، خطاب وأفعال عملية ، تضع كل العراقيين في منظومة الوطن الواحد والمصير المشترك وحق المواطنة وعدالة توزيع الثروات العراقية ، بعد أزمان الكبت والآلام والمعاناة والظلم، و اللاعدالة والقمع والاضطهاد والتهميش والتشويه ، التي طالت جميع العراقيين ودون استثناء، والعمل بجد على إعادة الخدمات ، وحلها بما ينسجم وثراء العراق وثرواته المتنوعة ، والبدء بخطوات تؤمن للناس فرص العمل والعيش المناسب الكريم ، ويترافق ذلك مع منع احتكار مفاصل الدولة بصفتها(طابو عثماني) لهذه الفئة أو تلك ، والتحكم ببعض أجهزتها من خلال الولاء الحزبي والنزعة القومية والمناطقية والعرقية والعشائرية، من اجل مجتمع عراقي متنوع متعدد مدني. إن توجيه الاتهامات إلى المتظاهرين بأنهم من قوى النظام البعثي المنهار ، أثبتته الوقائع بأنه شماعة لتعليق كل الفشل الذي صاحب الإجراءات الحكومية فألان لا احد في داخل العراق، يشغله أو يعبأ، بمبررات، حرب التحالف في إسقاط النظام البعثي ، ولا ثمة من يسأل حول شرعيتها وحجتها قانونياً أو دولياً ، فلا ماضٍ تليدٍ خَلفهُ أو أبقاه، حزب البعث وصدام حسين ودولتهما القومية بيننا..وما جرى للعراق وفيه قد جرى.. فركائز الدولة العراقية قد انهارت عبر الانقلابات العسكرية المتعاقبة وخاصة في 17 تموز1968،وتم محوها تماماً على يد صدام حسين، لا بل حتى الخارطة الجغرافية،المتوارثة للعراق، أرضاً وماءً، قد قُضمت وتقلصت بسببه وفي زمنه. يبدو العراق مفتوحا على كل الاحتمالات الدولية- الإقليمية ومصالحها وصراعاتها ، فهو حاليا نبتة غريبة في المنطقة الإقليمية ، التي تخشى استقراره ونموه، ورسوخ تجربته، وما سيخلفه ذلك ، من إشعاعات تغير الكثير، مما هو راكد آسن فيها ، فتحاول وتسعى عملياً وبشراسة إعاقة التحولات الجارية فيه، كل بطريقته ولعبته وحساباته ومصالحه ومَنْ ينوب عنه في الداخل ، غير إن العراق أيضا، لا يمكن قضمه بسهولة ، ثمة-: تاريخ يعتد به شعبه جداً ، وإصرار على وحدة ترابه ونسيجه الاجتماعي من قبل أغلبيته الساحقة ، وهذا ليس حديثاً إنشائياً أو مجرد أمانٍ شخصيةٍ، فثمة وقائع صغيرة حدثت ، وهي معروفة، أكدت ما نقول ونكتب، وفيه عبر التاريخ والحاضر، تعايش، وتصاهر، لأعراقه ومكوناته ، ولغات و لهجات وأديان ، ومذاهب ، وفرق بين المذاهب ذاتها، وثقافات غنية متجددة.. وهو ينطوي على ثروات طائلة ومتعددة ، لو أحسن استغلالها لتحول العراق تحولا هائلا ، وهذا ما يعمل كثيرون جداً في الداخل والخارج على إعاقته .وواهم مَنْ يعتقد انه قادر على قضم العراق فلا الغزاة اسطاعوا ذلك، ولا الأحزاب الطائفية والشمولية والقومية والعرقية قادرة كذلك والعودة للتاريخ تثبت هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ؟؟؟؟
كاظم الصبر ( 2011 / 4 / 21 - 00:58 )
الكاتب جاسم العايف يملك قدرا كبيرا من الامنيات الجميلة بحريات لامكان لها في النسيج الاجتماعي العراقي المثخن بجراح الطائفية والعشائرية والمحاصصات التي تستبعها، ما زلنا على مبعدة من الوصول الى الحرية بمعناها الذي تنطوي عليه جوانحنا

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟