الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة الطبعة الثانية من كتاب (الإقتصاد السياسى للتخلف)

محمد عادل زكى

2011 / 4 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


عادة ما يَذكر الباحث ما الذى يُريد قوله أو الوصول إليه، حين ذِكره "النتائج" التى يتوصل إليها فى نهاية بحثه، وهو حين يَذكر ما توصل إليه من نتائج فإنما، فى الواقع، يَذكر الفرضيات التى أراد طرحها منذ البداية، والتأكد من صحتها، ولن أخالِف، بطبيعة الحال، ما قد بات شبه مستقر فى هذا المجال، وإنما، أتزايد على ذلك بأن أذكر، ومن البداية، وبإختصار، ومباشرة، ما الذى أريد قوله والبرهنة على صحته عبر صفحات الدراسة، فى محاولة للتبسيط، فى المقام الأول، ولمنع التوقع والتأويل، فى المقام الثانى، ثم لرفض تقويل الباحث ما لم يقله، فى المقام الثالث؛ وهو الأمر الذى ينصب، فى المنتهى، فى مصلحة العلاقة بين الباحث وبين قارئه، إنها العلاقة التى يتعين أن تتسربل سربال الإحترام الذهنى، وبصفة خاصة، من جانب الباحث الذى يتوجب عليه، من باب إحترام قارئه، بَسط مَقصوده وتوضيحه إلى أقصى حد، ولذلك كان من الواجب علىّ أن أقول، ومباشرة، ومنذ البدء، مالذى أرغب فى إفتراضه وطرحه والبرهنة على صحته من خلال صفحات هذا الكتاب.
ومن الواجب، ومن البداية، كذلك، يتعين أن أوضح للقارىء إنى قد أُُخيّب ظنه؛ إن هو ظن أن الكتاب الذى بين يديه إنما هو كتاب عن فنزويلا أو/والسودان، بالطريقة المعهودة فى التحليلات الإقتصادية الشائعة التى لا ترى سوى (الآن) والآن فقط، وأقصى ما قد تصل إليه تلك كتصورات ميكانيكية ونظرات خطية، هو إدعاء محاولة تكوين صورة شبه كُُلية عن (الحدث الحالى، أى ما هو آنى) بالرجوع إلى بضع سنوات خلت، تفتش فيها عن أى سند تعزى إليه (الآنى) بعبقرية المحلل الفذ. وغالباًً ما يقنع القارىء بذلك، ولكنى أشك فى إقتناعه!!
إننى قد أخيب ظن القارىء، كما ذكرت، إن هو ظن أن الكتابَ الذى يُُمسك به هو من عينة تلك الكتابات التى ترى فى فنزويلا مثلأ، رئيس جمهورية مناضل ثورى نقى؛ جاء كى يُُنقذ شعبه من براثن الظلم والقهر، أو ديكتاتور عصابى يحكم شعبه بالحديد والنار، ويتحالف مع أشد الدول إرهاباًً، والكتاب ذاته لن يكون مِن طراز تلك المؤلفات(بمعناها السلبى) التى لا ترى فى المسألة السودانية سوى المؤامرة ويد خفية، أو حتى ظاهرة، للصهيونية العالمية، والرغبة الأكيدة فى تطويق مصر، والشرق الأوسط، أو بسط النفوذ الإمبريالى على مُجمَل القارة الإفريقية. . . .لن يكون من تلك النوعية أو هذا الطراز؛ لأنه سيسعى أن ينطلق من رؤية هيكلية لعالم اليوم الذى تشكل عبر (500) عام، هى عمر النظام الإقتصادى الذى يخضع له الكوكب الآن، بشقيه المتقدم والمتخلف، هذا النظام هو النظام الرأسمالى، وبمعنى أدق هو نظام التراكم الرأسمالى، والذى صار مُهيمناًً على الصعيد العالمى عبر تطور وتوسع عمره خمسمائة عام، الأمر الذى سيجعلنا نتعامل مع جميع الظواهر التى تطرأ علينا من منظور هذا التكون الذى تم عبر قرون خمسة من التراكم الرأسمالى المنتَج فى الأجزاء المستعمَرة، ثم التابعة، ثم المتخلفة. ولسوف نَدرُس فنزويلا والسودان إبتداءًً من الوعى بكل ذلك؛ أى أننا سوف نَنظر لكل من الدولتين (كنموذجين للتخلف: فنزويلا عن أمريكا اللاتينية، والسودان عن افريقيا) من منظور هيكلى يأخذ فى إعتباره التكون التاريخى للتخلف الإقتصادى والإجتماعى بداخل كُُل منهما. وهو التكون الذى تم عبر الزمن وساهمت فى تشكيله مجموعة من العوامل دون أن يَنفرد عاملٌ دون آخر بكونه السبب الرئيسى للتخلف الإقتصادى والإجتماعى، كما يُُلقََن.
إذ ما إتفقنا على ذلك، كان لنا أن نوجز مرادنا من هذا الكتاب، والذى من الممكن أن يتبلور فى:
(1) إعادة إكتشاف موضوع عِلم الإقتصاد السياسى، ومن ثم إعادة تحديده، لا تعريفه، كعِلم ينشغل أساساًً بقانون القيمة، كمياًً وموضوعياًً. أى التعامل مع عِلم الإقتصاد السياسى مِن منظور جديد، بمعنى أدق حقيقى، يرتكز على الواقع، والظرف التاريخى، وما عليه البحث العلمى الغائى فى هذا السياق الذى تبدى فى كتابات مؤسسى العِِلم؛ إبتداءًً من "ثروة الأمم"، ومروراًً "بمبادىء الإقتصاد السياسى والضرائب"، وإنتهاءًً "برأس المال"، وعلى إعتبار أن تنظير أدم سميث، فى "ثروة الأمم"، وديفيد ريكاردو، فى" مبادىء الإقتصاد السياسى والضرائب"، هو فى الواقع تنظيراًً رأسمالياًً للرأسمالية نفسها، وعلى إعتبار أن "رأس مال" ماركس هو إعادة النظر فى ذلك التنظير الذى جاء على هيئة عِلم على يد أعظم منظرى النظام الرأسمالى. أدم سميث وديفيد ريكاردو. فالواقع يقول، وبمنتهى البساطة، أن علم الإقتصاد السياسى لم يظهر كعِِلم مُستقل عن باقى العلوم الإجتماعية، إلا بتبلور مجموعة من الظواهر على صعيد (الواقع) الإجتماعى، لم يعهدها المجتمع قبل ذلك، فيتشكل، على صعيد (الفكر) ما من شأنه التعامل النظرى مع الظاهرة بتقديم التفسير العِلمى الصحيح لها. وهو الأمر الذى إستدعى ظهور الإقتصاد السياسى كى يتولى التعامل مع ظواهر المجتمع الجديدة، والتى تدور جميعها فى فلك الإنتاج من أجل السوق من خلال الألة. بما يعنى ضرورة ظهور عِِلم إجتماعى ينهض بتفسير ميكانيزم وجدلية وهيكل تلك العملية الإنتاجية التى تدور بأسرها، على أرض الواقع، حول القيمة وفائض القيمة. ومن ثم كان من الطبيعى أن يظهر الإقتصاد السياسى كى يشرح للمجتمع آنذاك ما الظاهرة وما القانون الموضوعى الحاكم لها. وهذا ما تبدى فعلياًً على صعيد الإنتاج الفكرى، بدءً من فرنسوا كينيه، كأول فهم واع بالعملية الإنتاجية الرأسمالية، ومروراًً بموسوعية الكلاسيك وعلى رأسهم أدم سميث وديفيد ريكاردو، كأول تنظير رأسمالى للرأسمالية نفسها، وإنتهاء بماركس، كمراجعة وإعادة نظر فى مُجمل الجسم النظرى للإقتصاد السياسى، والذى تم إنجازه على يد الكلاسيك تحديداًً. وهذا هو عِلم الإقتصاد السياسى الذى أفهمه، كعِلم منشغل بالقوانين الحاكمة للإنتاج والتداول والتوزيع والإستهلاك إبتداءًً من ظاهرة القيمة، وقانون فائض القيمة.
(2) إعادة طرح إشكالية (ظاهرة) التخلف الإقتصادى والإجتماعى، بإعتبارها عملية مستمرة، ليست تاريخية فحسب، من تسرب فائض القيمة المنتََجة بداخل الإقتصاد القومى(المستعمََر، التابع، المتخلف) إلى الخارج. بما يعنى فقد السيطرة على الشروط الموضوعية لتجدد الإنتاج، ومن ثم فقد القدرة على فك الروابط وإتمام تنمية مستقلة. ولقد إتخذت لذلك مثلاًً فنزويلا من أمريكا اللاتينية، والسودان من أفريقيا، ولقد تعاملت مع القارتين، على أساس من كونهما قارتا التسرب، وإننى إنطلقت من فكرة أظن أنها بسيطة، تجريدية، جداًً تقول أن المجتمعات المستعمرة التى صارت تابعة ثم متخلفة ، حالها كحال المجتمعات المستعمرة، المتبوعة، المتقدمة، لا تكف عن الإنتاج كما لا تكف عن الإستهلاك، والمجتمعات المتخلفة، والتى تهمنا هنا، لا تنتج سلع أو خدمات فقط؛ وإنما تنتج قيم زائدة، ليس العُمال فقط كما هو شائع، وإنما المجتمع بأسره، بعد أن تحول المحامى والطبيب والمعلم والكاهن والشيخ، بل ورعاع المدن إلى شغيلة فى عداد المأجورين!! فأى مجتمع، ويهمنا هنا الأجزاء المتخلفة، يتعين كى يقوم بالعملية الإنتاجية أن يكون تحت تصرفه مبلغ من المال، لا أفرق بين إنتاج الصلب، أو فتح مؤسسة محاسبة يعمل فيها عشرات المحاسبين بأجر، وفلنفترض أن المجتمع فى لحظة تاريخية معينة وتحت ظروف إجتماعية محددة، يدخل العملية الإنتاجية على صعيد "الكُل" الإقتصادى بمبلغ (3) مليارات وحدة، موزعة بين القطاعات الإنتاجية الثلاثة بواقع (1) مليار لكُل قطاع، وفى نهاية الفترة وبإفتراض أن القيمة الزائدة المنتَجة، والتى تسمى أرباحاًً، فى القطاعات الثلاثة= 100%، فسيُضاف إلى الثلاثة مليارات، ثلاثة مليارات أخرى، كقيمة زائدة. والسؤال أين تذهب تلك القيمة الزائدة؟ هل تُضَخ فى مسام الإقتصاد القومى، من أجل تنميته؟ أم تتسرب إلى الخارج لتغذية صناعات (غذائية، إنتاجية، إستهلاكية،....) تُنتَج فى المراكز المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى؟ إننى أفترض، وبعد إستقطاع الربح والريع والأجر، أن التسرب هو الأقرب إلى الدقة!! إنه التسرب الذى تدعمه الطبقات الحاكمة فى الأجزاء المتخلفة، والتى تُمثل إمتداداًً للظاهرة الإستعمارية. (بل كذلك بعد الحركات الثورية ، فلم تزل القيمة تتسرب كما سنرى) فتلك الطبقات بما يحققه لها هذا التسرب فى القيمة الزائدة على مستوى القطاعات الثلاثة المنتِجة من موالاة للأجزاء المتقدمة، فإنه يُُصبح من اللازم حرص تلك الطبقات على إبقاء الوضع الحالى دون أى تغيير يَسمح بعدم تسرب تلك القيمة الزائدة إلى خارج مسام الوطن.
إعادة تقديم علم الإقتصاد السياسى كعلم منشغل بظاهرة فائض القيمة، غير المعروفة فى المجتمعات السابقة على الرأسمالية، وإعادة طرح إشكالية التخلف الإقتصادى والإجتماعى، وإتخاذ من فنزويلا فى أمريكا اللاتينية والسودان من أفريقيا، مثلين، هو ما أود البحث فيه على صفحات هذا الكاتب، وإنى أرجو أن تنجح المساهمة فى إعادة فتح العديد من الملفات المطوية على مغالطات وأخطاء فادحة أصبحت مع التلقين الجاهل حقائق صحيحة!!
محمد عادل زكى
الإسكندرية 20أبريل 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني