الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعراض قناوية

سعد هجرس

2011 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


إذا نظرنا بإمعان إلى مقدمات وتداعيات ما حدث مؤخرا في محافظة »قنا« وربطنا بينه وبين تطورات الأحداث في مصر عموما، لن يكون من المبالغة أن نقول إن هذه المقدمات وتلك التداعيات تمثل خطرا حقيقيا يمكن أن يتحول إلي »كارثة قومية« إذا لم يتم تدارك الأمور ومعالجتها بحسم.
والأبعاد الرئيسية لـ »الأعراض القنائية« تتمثل فى الآتى:
أولاً ـ شرارة هذه الأحداث انطلقت من حركة تغيير المحافظين، وأهم ملاحظة على هذه التغييرات أنها تمت بنفس الأسلوب الذى كان يستخدمه النظام السابق، وهو أسلوب يفتقر إلي الشفافية، ولا يكلف نفسه عناء شرح أسباب ومعايير اختيار المحافظين، فضلا عن أنه يعتبر هذا المنصب شكلا من أشكال »مكافأة نهاية الخدمة« لعدد يزيد أو يقل من كبار الضباط والمستشارين وأساتذة الجامعة.
ورغم أن الغالبية العظمى من المصريين كانت تطالب بهذا التغيير، وتنتقد الحكومة لتباطئها فى القيام بذلك، فإن المصريين لم يروا جديداً فى الحركة التى وقعت بعد أن تمخض الجبل فولد فأرا، فمعظم المحافظين الجدد مجهولون بالنسبة للغالبية الساحقة من المصريين، ولم تكلف الحكومة نفسها عناء التعريف بهم أو شرح المعايير التي جعلتهم أهلاً لهذا الاختيار دون غيرهم.، فضلا عن أن القدر الضئيل من المعلومات المتاحة عن بعضهم جاءت صادمة، لأنهم فى الأغلب الأعم من رجال النظام السابق، بل ان بعضهم متورط فى جرائم مناهضة الثورة والثوار، وبعضهم الآخر قد انتهى تاريخ صلاحياته للعمل العام الشاق فى زمن التحولات الثورية المنشودة.
وفى سياق هذا الأسلوب العقيم، والبالى، فى اختيار المحافظين عموماً، جاء اختيار محافظ قنا محملاً بنفس المنطق البيروقراطى مضافا إليه الهوية الدينية للمحافظ الجديد مضافا إليها ما يقال عن سجله كأحد قيادات الشرطة في عهد حبيب العادلى وما نسبه إليه البعض من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وكان من حق أبناء قنا ـ بمن في ذلك المسيحيون منهم ـ أن يتساءلوا: لماذا يكون محافظنا مسيحيا دائماً؟! ولماذا يكون المحافظ المسيحى من نصيب قنا بالذات؟ ألا يصلح أن يكون محافظا للقاهرة مثلا أو محافظاً للدقهلية أو غيرهما!!
ولماذا يكون حافظا قبطيا واحدا وليس اثنين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل؟!
ثانيا ـ نقد هذه »اللغوصة الحكومية« في عملية اختيار المحافظين بدون معايير وبدون شفافية لا علاقة لها برفض تعيين محافظ قنا الأخير من زاوية أنه مسيحى الديانة، وانطلاقا من مقولة أنه »لا ولاية لذمى على مسلم«.
فهذا النوع من الاعتراض يستحق الإدانة أكثر من إدانة منهج الحكومة الذى انتقدناه.
فتأسيس رفض المحافظ على حجة أنه قبطى يعد انتهاكا فظاً لمبدأ المواطنة، وإهانة للدستور، واستخفافا باستحقاقات الدولة المدنية الحديثة، بل إنه يمثل أيضا تشويها للدين الإسلامى الحنيف الذى لا يفرق بين البشر على أساس معتقداتهم الدينية، بدليل أن هناك فقهاء مهمين ولهم مكانتهم المرموقة لا يجدون مانعا »شرعيا« فى أن يكون رئيس الدولة مسيحياً.
وخطورة رفض إعطاء منصب المحافظ لمصرى مسيحى لا تقتصر على الفجاجة الفكرية لهذا الرفض وإنما تمتد أيضا إلي آثاره العملية وعواقبه التي يمكن أن تهدد السلم الأهلى وتخرب الوحدة الوطنية وتزعزع دعائم العيش المشترك.
فما بالك وأن بعض من يرفضون اليوم تعيين قبطى مصرى في منصب المحافظ كانوا يرحبون بالأمس بتعيين ماليزى أو أندونيسى مسلم رئيساً لمصر!!
ثالثاً ـ لا يمكن التعامل مع هذا الرفض لتعيين مسيحى فى منصب المحافظ بمعزل عن سلسلة من الأحداث التي وقعت مؤخرا وتصب كلها فى مجرى واحد عنوانه العريض محاولة أسلمة المجتمع بالقوة والعنف.
من ذلك حادثة قطع الأذن و»غزوة الصناديق« التى أعقبت الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، وحديث فرض »الحدود« على لسان أحد قادة الإخوان المسلمين.
كل هذه الأحداث والمواقف التى ليس آخرها مظاهرة السلفيين أمام مسجد النور ـ أمس الأول ـ للمطالبة بـ »تحرير« كاميليا شحاتة من قبضة الكنيسة، تعنى فى التحليل النهائى تخريب الثورة، وزرع الفتنة فى صفوفها، وصرف الأنظار عن الأهداف التي رفعتها هذه الثورة إلى أهداف وهمية، حتى لو كان بحسن نية، فالطريق إلي جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
***
رابعًا ـ هذا الرفض القاطع لتلك الشعارات المتطرفة المناهضة لمبدأ المواطنة ولمدنية الدولة لا يعنى معاداة فصائل الإسلام السياسى قاطبة أو وضعها كلها فى سلة واحدة، فمن المؤكد أن هناك اختلافات وفروقا بين مكونات هذا التيار الذى يضم متطرفين بالقطع لكنه لا يعدم وجود معتدلين وعقلاء ومستنيرين يجب التحالف معهم على أرضية المواطنة وعلى قاعدة الدولة المدنية.
وقد رأينا ـ مثلاً ـ أن »شباب الإخوان« كانوا من المشاركين المهمين في إطلاق شرارة ثورة 25 يناير، ثم فى دعم صمود هذه الثورة المجيدة فى مواجهة البلطجة وجرائم النظام السابق، كما أن بعض المنتمين إلي هذا التيار قد أعلنوا صراحة رفضهم لتلك التصريحات والمواقف العنصرية والعدوانية المنافية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
***
خامساً ـ هذا الاعتبار الأخير ينقلنا إلي المهمة الأساسية التي يجب على الجماعة الوطنية أن تضطلع بها اليوم قبل الغد، ألا وهى ضرورة بقاء »توافق وطنى« بين فصائل وتيارات هذه الجماعة الوطنية من أجل بلورة عقد اجتماعى جديد للوطن والأمة لـ »مصر الثورة«.
وبديهى أن العمود الفقرى لهذا التوافق الوطنى المنشود هو المشتركات بين المصريين، على أرضية المواطنة بالطبع، وبديهى أيضا أن هذا التوافق الوطني لن يتحقق إلا بالحوار، أما الإملاء والهيمنة ومحاولة لى الذراع والترهيب والترويع باسم الدين ورفع رايات التكفير والتخوين فهي كلها أساليب قد ولي زمانها، وإذا كان الشعب المصرى قد خرج إلي الشوارع والميادين وواجه جحافل أمن النظام السابق حتى أجبر رأسه علي التنحى، فإنه قادر علي كبح جماح أولئك الذين يريدون استبدال الاستبداد السياسى بالاستبداد الدينى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الروح مستعدة ... أما الجسد فضعيف
سرسبيندار السندي ( 2011 / 4 / 20 - 16:09 )
بداية تحياتي لك يا عزيزي سعد هجرس ... هذا القول للسيد المسيح ويأخذنا إلى أن الكلام سهل في أمة الكلام ولكن أين الفعل من القول في أمة ألإسلام ... وكيف تستطيع أن تنقذ مجتمعا لا يتحرك إلا بفتوة شيخ خرف أو إمام ... ويبقى السؤال أين العسكر وهيبتهم ولأنفسهم ألإحترام ... والشيب والشباب قد إئتمنهوم على ثورتهم والأحلام ... وهل ينتظر الشعب حتى تؤول ألأمور للخراب والهلاك وتسود ألأيام ... ولما لاينتخب المحافظ وبقية المناصب كغيره في يوم ألإنتخابات حتى لايكون منة من السلاطين والحكام ...ثم أين المتنورين والمثقفين والفنانين والإعلام ... فهل نقرأ على مصر الفاتحة والسلام ... سلام !؟


2 - اسئلة
يوسف ابراهيم حنا ( 2011 / 4 / 20 - 20:46 )
تحية طيبة امابعاود ان اطرح بعد الاسئلة وليتك يكون لديك اجابة شافية
1 - اين دور الدولة والجيش من حادثة قطع الازن فى قنا التى انتهت بالضغط على
الطرف القبطى بالتصالح واين القانون
2 -من اعطى المتطرفين مساحة ليتحركو بهذه الصورة
3 - كيف تستعين الدولة بالشيخ محمد حسان لحل مشكلة مثل هذه وبدل من ان
تنادى بفصل الدين عن الدولة تشجع
4 - قررت الدولة قانون للبلطجة ومايحدث فى قنا من قطع الطرق وتعطيل القطارات
هو بلطجة ورغم ذللك لم تحاسبهم
5 -اخرج بيان باسم ادباء قنا يستنكر الاحداث ويعطى معلومات عن منظم
الاعتصا م وحتى الان لم يقبض الجيش على واحد منهم
6 - لماذا لم يصدر بيان من القوات المسلحة يستنكر مايحدث اويوضح الصورة
7 -حدثت مؤشرات خطيرة بقنا مثل عدم السماح للبنات بركوب بعض السيارات بسب وجود شباب بها او تهديد قبطى لانه يفتنى كلب ...ولم يتحرك القانون
هناك اسئلة كثيرة ولكن اكتفى بهذا وشكرا سيدى الكاتب


3 - الى صاحب التعليق رقم 2- ومن اجل مصر
مصطفى راشد ( 2011 / 4 / 21 - 09:11 )
الاستاذ يوسف ابراهيم حنا -
تحية طيبة وبعد
اسمحلى بالرد على النقاط التى ذكرتها من منطلق حوار بناء يهدف الى مصر حرة مدنية تحت سيادة القانون
1- تم تصالح الطرفان ولم يكن من قام بقطع الاذن بسبب متطرف (ارجع الى مقالات بلل فضل بخصوص الموضوع للتفصيل)
2- الثورة قامت لاعطاء الجميع الحرية ليتحركوا كمبدأ للمواطنة لان التطرف نسبى فمن تراه متطرفا قد اراه معتدلا والعكس ، ويكون الفيصل فى التجاوز او التطرف القانون
3- استعانت الدولة بالشيخ محمد حسان وغيره لحل المشكلة كما استطاع وغيره ان يحلوا مشكلة اطفيح ونحن بطابعنا شعب متدين سواء مسيحى او مسلم يسمع لشيخه او قسيسه خصوصا فى حالة الغضب
4- لم تقرر الدولة قانون البلطجة بعد .. وانا أويده بشده
5- ليس عندى معلومة عن هذه النقطة وادعو الجيش معك للقبض عليه ان ثبت ذلك
6- يجب ان يقوم الجيش بعمل بيان بخصوص هذا الموضوع وتظهر الحكومة والجيش اسباب موضوعية لاختياراتها وانادى ان يحدث ذلك بالانتخاب فيمابعد
7- هذه مؤشرات كلنا ضدها تماما لكن الرجاء التثبت من القصص والروايات خصوصا هذه الايام بعد انتشار الشائعات والقانون يتدخل عندما يتم عمل محضر وقبل هذا يجب التوعية
وشكرا


4 - شكرا على التعقيب
يوسف ابراهيم حنا ( 2011 / 4 / 21 - 10:40 )
تحية طيبة الى الاستاذ مصطفى راشد
1 -سيدى التاصالح العرفى لايلغى الحق القانونى فانا صعيدى واعرف ان قامت عائلة بقتل احد افراد العائلة الثانية ..يكون لدى العائلة المجنى عليها حقان حق عرفى والاخر قانونى واذا وافقت احدهما على الحل العرفى كمثل شيل الكفن لايعنى هذا براءة الجانى فهذا الحل من باب رد الاعتبار وعدم الاخذ بالثار..ويبقى الحق القانونى قائم
2 -نعم انا اؤمن ان الانسان يجب ان يكون حرا يعبر عن زاته وافكاره بجميع الطرق المشروعة ولكن هل الهتاف لاالله الا الله مخائيل عدو الله ...وميحكمناش كافر ولا حينما يخرج المتحدث باسم السلفيين ويقول لا ولاية لكافر اذن تعدى مرحلة الحرية ودخل نطاق السب والتجريح
3 - دخول الشيخ والقسيس ينهى دور الدولة ويؤكد فشلها ويوكد طائفية الاحداث وتدخل الدين فى السياسة لاتوجد دولة متحضرة فى العالم تحل مشاكلها بالدين
4 -لاحترامى وتقديرى لك ومدى تظهر لغتك رقى فكرك لكن اقول لك معلومة مشكلة اطفيح لم تحل فرجوع الاقباط لمنازلهم ليس انجاز وبناء الكنيسة المتهدمة شئ طيب لكن اين من فعل هذا اين الجناة اين العقاب
اخيرا انا ناشط حقوقى والوقائع تقول ان من قام بقطع ازن القبطى متطرفني


5 - الى الاستاذ المحترم يوسف ابراهيم حنا
مصطفى راشد ( 2011 / 4 / 21 - 11:59 )
بداية شكرا لردك واوجز لك ردى وقبل ان ابدأ انا اعيش فى القاهره لكن عائلة ابى تعيش فى قنا وتواصلت مع اقاربى لاسألهم عن قطع الاذن والاعتصامات واكدوا لى ان موضوع قطع الاذن هذا ليس بسبب مسيحى ومسلم بقدر غيره صعايده على وضع خاطئ هو استئجار شاب وفتاه لشقة يملكها الاخ المسيحى وطالبوه ان يطردهم لانه يجلب العار عليهم فرفض وقال انا لى الاجره ولن اتدخل ان كانوا ازواج او لا فاحتد الكلام فحدث ماحدث ولم يقم اى من السلفيين بقطع اذنه ولاحظ الاعلام هذه الايام ومايقوم به من التسخين على السلفيين لمصالح معلومة ، انا لا اتبع جماعة معينة وحضرت دروس وندوات لسلفيين وجماعات بل وانضممت لفترة الى الصوفيين للتعرف والبحث عن الصحيح بل ودرست المذهب الشيعى وقرأت عن المسيحية واليهودية واعتز اننى مسلم مصرى واحترم الانسان وحقوقه،الكثير لايعجبهم من الثورة المصرية واولهم اسرائيل ولن يهدأ لهم بال حتى يعم الخراب مصر ولن يحرس مصر الا الله ثم العقلاء من الاطراف كلها ، انظر احداث بوقرقاص وموضوع كاميليا وغيرها، نحن لسنا دولة متحضرة بعد وسنكون عندما يتم ارساء العمل بالقانون ،يجب ان نمنع الفتن بالتوعية وضبط النفس وشكرا

اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر