الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقعنا العراقي الراهن بين التدهور وآفاق الاصلاح

فاضل بطرس رمو

2011 / 4 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ تأسيس الدولة العراقية والى الآن والوضع في العراق لم يستقر ولم يرى الشعب العراقي فترة راحة وهناء في العيش، ولم تشهد أوضاعه السياسية تقدما يكفل بخلق أجواء داخلية تضمن عيشا حرا كريما هانئا للمواطنين يطوروا من أوضاعهم كي يؤسسوا لمدنية وحضارة تليق بهم، فعدم استقرار الأوضاع السياسية في بلد ما سيؤثر حتما على طبيعة الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وعلى أمور أخرى أيضا بالسلب مما سيؤدي إلى تشتت في أحوال المواطنين وتذبذبها وتباعد ميولاتهم وتوجهاتهم وفق ما يستجد من أوضاع سلبية بالعموم، وبتراكم هذه المشاكل وحالات عدم الاستقرار لسنوات وعقود عديدة سيؤدي بالتالي إلى خلق فجوات بين الشعب وتباعدات بين فئاته الثانوية التي هي الأخرى ستزداد حدودها وخصوصياتها تجذرا، فعموما يميل الناس باتجاه يضمن متطلبات تحقق عيشهم اليومي بالدرجة الأساس، فعندما تتدهور الأوضاع السياسية لبلد ما وتظهر توجهات سياسية متقاطعة، فأن ذلك سيشوش على الناس وسيضر بالعقد الاجتماعي مابين أفراد وفئات الشعب الواحد، وبالنتيجة سيؤثر بالضرر على الانتماء الوطني والهوية الوطنية كذلك، وهكذا فظاهرة سلبية ما ستؤدي الى نتائج سلبية حتما وإذا لم يتم معالجتها فستكون هذه النتائج السلبية علّة إضافية ستؤدي بالنتيجة إلى نتائج اكثر تعقيدا وأسوء من الأولى وهكذا دواليك وهذا ما يفسر الوضع في عراق اليوم، بينما استقرار الأمور في البلد سيكفل توجه الناس للبناء والتطوير وسيكون الوطن محور هذا البناء كونه هو مصدر عيشهم وبقاءهم وتطوير أحوالهم المعاشية.
وهذه الحالة أستطيع ان أشبهها بحالة شخص تدهورت صحته الى ان وصلت الى حد التأزم، وتعرض جسمه الى امراض متعددة هاجمت اعضاءه فاصابته بعوارض صحية جسيمة، فعندما يتعرض انسان ما الى طاريء صحي معين ينذره بحدوث مرض او علة يتعرض لها جزء من جسمه ، نراه يسارع الى طبيب مختص كي يعرض عليه حالته، فيعاينه الطبيب مفسرا له الاسباب التي آلت اليها النتائج والعلل التي سببت ما يعانيه ذلك الانسان المريض، فيعطيه علاجا لعلته وينصحه بتبني نهجا غذائيا ونصائح اخرى تقيه من تكرار الاصابة وتساعده على المحافظة على وضعه لئلا تتدهور حالته .
والعلم يطالب الانسان بان يتابع احواله الصحية دوريا حتى وان لم يشعر بوجود عارض صحي فالمتابعة والفحوصات او التدقيق باحوال الجسم ضرورية لمعرفة كيف يسير الانسان وطبيعة وضعه الصحي وإمكانية المحافظة على سلامة جسمه والتعرض للأمراض والإصابة بها كي يضمن الصحة والعافية الضروريتان والكفيلتان بان يمنحا الإنسان مقاومة وإمكانية للاستمرار بنشاطه بصورة كفوءة .
فهذا المثال الذي طرحته بالتأكيد لا يمثل هدفي الرئيسي بل كمثال أوظفه للدخول بموضوعي الخاص بهموم الواقع العراقي المرير الذي نعيشه وتحليله لمعرفة الأسباب المؤدية لهذا الواقع وإمكانيات إيجاد الحلول، بالضبط كما يتعامل الطبيب وعلوم الصحة مع الشخص المريض ومع الإنسان بصورة عامة كي يقيه من الأمراض او يعالجه منها، فكما قلت فان هذا المثال اذا هو مدخل عام نستطيع ان نستند عليه لمعالجة قضايا مجتمعية عديدة تتناسب من حيث الاساس مع هذا الموضوع .
اذا فلنعد الى واقعنا العراقي الان ونلقي نظرة عليه ونراجع تأريخنا القريب منذ تأسيس الدولة العراقية، فأننا نستطيع ان نحصي العديد من المشاكل والعلل التي أدت بواقعنا كي يكون مريرا على درجة عالية جدا بحيث اصابته بشلل عالي الدرجة، فمقارنة بسيطة بالدول والشعوب الاخرى لوجدنا فرقا كبيرا جدا فدول عديدة لا تمتلك عشر ما يمتلكه العراق من ثروة اولا بشرية، وغنى حضاري وامكانيات اقتصادية هائلة ومتنوعة جدا وخبرات تسبق العديد من شعوب المنطقة وفي جميع ميادين الحياة المدنية، كدولة وحضارة ومدنية واقتصاد وفكر وسياسة وعلوم عسكرية و و و ، لكن في المقابل فاننا نجد العراق كواقع اجتماعي عام وكواقع سياسي كدولة، متأخر جدا، مما انعكس على واقع الانسان المعاشي اليومي فالانسان العراقي وبعد كل هذه السنوات وعلى ارض تمتلك كل هذه الامكانات نجده فاقد للاساسيات البسيطة التي تكفل له العيش الحر الكريم بما يضمن انسانيته وكرامته، فهل هنالك علاج ؟
الانسان العادي الذي يسقط امام الأمراض والعلل الجسمانية ويستصعب له العلاج ويصل الى احوال متأزمة بالتأكيد فانه في مسيرة حياته لم يتخذ الاساليب والنهج الصحيح في التعاطي مع الامور التي أدت بالنتيجة الى تضرر اجزاء من جسمه من دون ان يعي ذلك، ولتراكم تلك التضررات آلت النتائج الى وضع صحي متأزم ، وهكذا فالعراق كهذا الانسان الواقع تحت نير الامراض المستعصية والمتراكمة نتيجة عدم العلاج الصحيح والاهمال في التعامل مع اعراض التردي الصحي لاعضاء جسمه، لذلك والحالة هذه التي لطالما اصابت العديد من العراقيين بفقدان الامل من حدوث الاصلاح لهذا الواقع المتأزم، فالشعور باليأس او على الاقل بصعوبة الحل دليل كبير على ان مشاكلنا ليست بنت اليوم وليست لاسباب بسيطة، بل أنها نتيجة لمشاكل متراكمة منذ زمن بعيد ونتيجة حتمية لعدم وضع الحلول الصحيحة لازمات صاحبت مراحل التأريخ العراقي، فبالتأكيد النهج الخاطئ في السياسة العامة للبلد ستقود البلد إلى المشاكل وهذه ستقوده إلى اوضاع معقدة مع مرور الزمن، وهنا يكمن دورنا نحن النخب المهتمة في الشأن الوطني كي نحدد مكامن الخطأ ونقاط الخلل في النهج السابق اولا والحالي ثانيا ، فمن الخطأ ان نفكر فقط في إيجاد حلول لما اصاب النهج المعتمد عليه في رسم السياسة العامة للبلد في الوقت الراهن، ولكن يجب اولا ان نتفحص في مسيرة البلد سياسيا واجتماعيا في العهود المنصرمة اولا، فهذا هو الأساس وعندما نتوصل إلى معرفتها عند ذاك سنفهم لما آلت الأمور إلى ما نعانيه الآن، فنعمل على رسم خارطة تشمل برنامج واسع لإعادة بناء البلد على أساس صحيح حتى وان تأخرت النتائج المرجوة، فكم هائل ومعقد من الأضرار والتي تشكلت وتعقدت خلال فترة وعهود طويلة، بالتأكيد فأنها ستحتاج لزمن غير قليل مع عملية إصلاح شاملة وجذرية للنهج والفكر الجمعي للمجتمع والدولة، وهذا يتطلب أيضا توعية شعبية بضرورة هذا المشروع والزامه كي يكفل تحول الواقع من واقع مرير إلى واقع أفضل وقد يتطلب أيضا عمل جاد ودؤوب وفق فكر متجدد وملائم للواقع العراقي المتميز واضعين بنظر الاعتبار العناصر التي يتميز بها العراق بتنوعه ألاثني وتعدد العقائد الدينية التي يؤمن المؤمنين من العراقيين، وتنوع المشارب الفكرية التي يتبناها ابناء هذا الشعب والتعدد في الثقافات واللغات في عموم المجتمعات العراقية، كما يتطلب أيضا الرجوع إلى التأريخ العراقي فهو يساعد على إيجاد قنوات مشتركة يتوحد حولها أبناء الشعب كونهم ينحدرون من أصول مشتركة أسست هذا البلد وبنت أولى مؤسسات الدولة والمدنية والحضارة على ارضه الممتدة من جباله الشماء حتى بحره ويمينا ويسارا محتضنا نهريه الخالدين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن