الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الطوارئ _ من الإستثناء إلى القاعدة

محمد الحاج ابراهيم

2004 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الطارئ زمانا ومكانا يعني الجزء ،ويعني الاستثناء ، وعندما نقول: قانون الطوارئ، يعني أن هناك طارئا ما، يواجه المجتمع أو الأمة، يحتاج دستوريا لقانون يسمح بحالة الطوارئ أن تكون ، شرط التحديد زمانا ومكانا، وليس الزمان كله أو المكان كله .
الطارئ يمكن أن يكون طبيعيا أي بفعل قوى الطبيعة من فيضانات أو حرائق أو هزات أرضية أو زلازل …الخ ، ويمكن أن يكون بفعل البشر من حروب وما شابهها .
في حالة السبب الطبيعي ُيلغى القانون بزوال الحالة، وفي حالة السبب الحربي يزول بزوال حالة الحرب وما شابهها، أما أن يستمر زمانا ومكانا بكامله فهو الاستثناء والطارئ ، لأنه أساس مصادرة المجتمع وإبعاده عن الفعل العام، الذي ينتج مجتمعا قادرا على الإبداع والإنتاج والمقاومة ،هذا الطارئ أصبح طارئا سياسيا أمنيا ،لأن أساسه الاختلاف مابين النظام السياسي الحاكم لبلد ما وبين القوى السياسية المعارضة في البلد نفسه وتوجّسه منها، حول المشاريع والأفكار والرؤية ،وحرمانها من التعبير عن وجهات نظرها، ونقد أداء الحكومة، وحرمانها من تشكيل أحزاب سياسية معارضة،كالذي يحدث في بلدان العالم المتحضّر، رغم أن القانون(وهو نتاج عقد اجتماعي بين أبناء البلد الواحد) في العالم كلّه يسمح بتشكيل أحزاب، وهذا القانون هو نفسه الذي سمح بتأسيس الحزب الحاكم/ من زاوية الحق في ذلك /لأي بلد كان زمانا ومكانا،وسمح له بالنشاط يو م كان هذا الحزب خارج السلطة ، وبحكم حالة الحرمان التي يفرضها النظام الحاكم لهذا البلد أو ذاك على القوى السياسية، ما يدفع بهذه القوى لتشكيل أحزابها سريّا، فيسعى النظام الحاكم لمعالجة هذه المشكلة بالقوّة التي قام بتشكيلها، وهي قوّة الأمن أو المخابرات إن كان هناك تهديد على الحدود أم لم يكن، فمثلا الصراع الهندي الباكستاني وهما دولتان متحاربتان لسنوات مضت منذ الانفصال ،الملاحظ بهذا الصراع أن قانون الطوارئ زمانيّا دائم في الباكستان ، بينما في الهند مرتبط بالحالة يُعلن ويزول حسب الظرف على الجبهة، أيضا هناك فارق مابين موضع الطوارئ، ففي الباكستان يطال الدولة والمجتمع كله، بينما في الهند متمو ضع في منطقة الجبهة الهندية الباكستانية حصراً(كشمير)، فالخلاف بين الدولتين من حيث العلاقة بقانون الطوارئ خلاف زماني ومكاني، وأسبابه النظام السياسي في كل بلد، حيث الهند تقوم على نظام ديمقراطي لا يسمح بمصادرة المجتمع والقوى السياسية فيه،وحنى المواطن إلاّ على ضوء القانون ،أما الباكستان فتقوم على نظام استبدادي أمني أدمن مصادرة المجتمع والقوى السياسية فيه،وحتى المواطن على ضوء إفرازات قانون الطوارئ، ما يجعل هذا البلد مضطربا، والاستبداد حديث العهد فيه ، تعزّز بعد استلام مشرّف السلطة ،بعد سلسلة من الحكومات المتعاقبة تداولا عبر صندوق الاقتراع.
الفارق بين الحالتين أن النظام الباكستاني ومن ثقافة شمولية ألغى الحياة السياسية في البلاد بعد المناخ الديمقراطي الذي كنا نتابعه وعلى الطريقة الهندية/ ربما لأنه لم يكن قد تخلى بعد عن موروثه الثقافي الديمقراطي الهندي / مما جعله يبرّر ذلك بحجة الحرب مع الهند التي لم يتغيّر بها شيء بما يتعلّق بالحياة السياسية والديمقراطيّة وصندوق الانتخاب رغم أنها طرف في الحرب لذلك أنا أرى أن الباكستان تمضي نحو الهاوية طالما لم يعد لصوت المواطن قيمة باستثناء أزلام مشرّف ومتزلّفيه والموالين من أصحاب المصالح الصغيرة على حساب البلد ، وصوت الصّاروخ المجرّب وغير المجرّب لا يحمي بلداً صوتُ المواطن فيه ممنوع على طريقة صدام .
الديمقراطيّة في الهند أساس التصنيع وثورة المعلوماتية والتقنيات العالية والإنسان، على الصعيدين العسكري والمدني بالمعنى العلمي، حيث الباب واسعا للقدرات أن تأخذ مكانها الطبيعي، دون محسوبيّات على أحد أو لأحد، والجامعة تشكّل الأساس العلمي والمعرفي المنتج عبر المواطنيّة، التي تختار الأكفأ وليس الأكثر ولاء، ومجالس المدن يتم اختيارها دون فرض من أحد، ولا يُختار إلا كل ذي كفاءة ومواصفات أخلاقية عالية، لذلك تتوجّه هذه المجالس نحو تحقيق بنية تحتية متميّزة ،تحقق مصلحة المواطن على جميع الصعد(صحيّة،طرقات ،كهرباء، مواصلات ، مراكز علميه وثقافية ،قضاء نزيه، تربيه)لأن للمواطن مصلحة حقيقية باختيار أعضاء يحقّقون له هذه المصلحة عبر المصلحة العامّة ،عكس المجالس المفروضة على أساس الولاء، التي تنتظر القرارات من فوق، دون معرفة أصحاب القرار الفوقاني بالوضع الحقيقي على الأرض لهذه المدينة أو تلك، وبالتالي لا تتحدد المسؤولية، فتضيع المدينة بين القرار والقرار، وتتخلّف ويتحمّل النظام الحاكم هذه المسؤولية أخلاقيا وقانونيا.
تحوُل قانون الطوارئ من الجبهة العسكريّة إلى بيوت المواطنين العاديين والمعارضين لإقامة الحد عليهم على ضوء هذا القانون، وإفرازاته من محاكم استثنائية واعتقالات وسجون، ومراقبة خطوطهم الهاتفية للتجسّس على مكالماتهم الهاتفية ،حتى لو كان هناك خلافا بين الزوج وزوجته وسرقة أسرار البيوت ،كل ذلك يعتبر المقدّمة الحقيقية ليكون المجتمع بكامله ضحيّة الاستبداد، بدءا بالنظام الحاكم لهذا البلد أو ذاك، إذ أن الإشكال النفسي بين المعتقِل والمعتقَل يجعل الاثنان ضحيّة، هذا ما يساهم إلى حد كبير بإضعاف المجتمع أمام التهديدات الخارجية، وانهياره من اللحظات الأولى، كما حدث لإمبراطور العراق الموهوم الذي لم يكن يصدق أن ممارساته بحق المواطن واحتكاره السلطة واستبداده فيها سيكون بداية الكارثة فبدلا من أن يذكر التاريخ هذا القائد بالاعتزاز سيذكر أن البلد احتل في زمنه وسيفصّل الأسباب التي أدت لذلك ،وسيميز التاريخ بين قانون الطوارئ العادي والمتعارف عليه بين البشر، عن قانون الطوارئ السياسي والأمني والذي أسّس للكارثة، لأن مشاركة الناس بالإطار العام هو السبيل للتحصّن وليس النخبة الموالية بل النخبة الكفؤه والقادرة الذي يفرزها الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البقاع شرق لبنان: منطقة استراتيجية بالنسبة لحزب الله


.. بعد مقتل حسن نصر الله.. هل كسرت إسرائيل حزب الله؟




.. تباين| مواقف هاريس وترمب من العمل في ماكدونالدز


.. عواصف وفيضانات غمرت مناطق متعددة في ولاية فلوريدا جراء ضرب إ




.. أمين عام المجلس الإسلامي العربي يتهم إيران بتسليم إحداثيات -