الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من راشيل الى اريغوني المجرم واحد

شوقية عروق منصور

2011 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



(الجدران الزجاجية )موضة معمارية حديثة ، من مميزاتها انها شفافة والساكن داخل الجدران يشعر انه جزء من الطبيعة والحارة والحي، والعكس ايضاً الذي يمر بمحاذاة البيت يرى من في الداخل من الأثاث إلى القاطنين فيه ، وعملية الكشف هذه تحتاج إلى شجاعة وثقة ، لأن ليس من السهل ان يكون المرء مكشوفاً على الملأ ، والإنسان بطبيعته يحب الاختباء والسرية في تفاصيله الكبيرة و الصغيرة .
كنا نعتقد ان قضيتنا الفلسطينية وهويتنا محاطة بجدران من الباطون المسلح ، رغم عشرات الفصائل والتيارات السياسية والوجوه التي تعيش في سباق مراثوني من التصريحات والتنازلات ، والفوضى في تناول القضايا ومحاولة حلها ،حتى تحولنا الى غرباء عن هؤلاء القادة ، لكن كان دائماً هناك ضوء يشير إلى ما نريد رؤيته من أحلام ، ويبقى هذا الضوء مشعاً مهما كانت الحفر عميقة ، و أيدينا مثل دود القز تخرج حرير التفاؤل حيث نلف به أيامنا وانتظارنا الذي يبتعد يوماً بعد يوم .
وفجأة- وما اكثر المفاجئات - نكتشف ان جدراننا زجاجية ، ويا ليتها توقفت على الزجاج الذي تهشم وتحطم ، بل الجدران خلعت من مكانها وتحولنا الى عراة امام الجميع .
عندما صرخ شاعرنا محمود درويش صرخته امام العالم العربي ( ارحمونا من هذا الحب القاسي ) كان يريد ان ينبه هؤلاء الذين وضعونا في ميزان الثوار الأنقياء ، بأننا بشر ولسنا ملائكة ، بأننا نخطىء ونصيب ونفشل ونكره ، فينا الجيد وفينا الرديء ، المخلص والخائن ، الوفي والغدار ، فينا الذي باع وقام بتصفية أرضه في قريته المهجرة كي يشتري سيارة وتلفزيونا ملونا ويسافر الى الخارج ، وفينا الذي مات من الجوع والفقر وأوصى اولاده بأن لا يقوموا بتصفية الأرض مهما كانت المغريات والدولارات لأن الأرض وقف وحرام بيعها والعودة قريبة ، وفينا من يتطوع في الجيش الإسرائيلي ويقف على الحواجز في الضفة الغربية ويتمتع في تأخير العائلات الفلسطينية ، وفينا وفينا ...الخ .
بفضل سرعة إيقاع الزمن والتطور العلمي واختراق الفضائيات لحياتنا ، أصبح فتح الملفات المخبأة وفضح الأسرار شجاعة وجرأة وحق تاريخي ، نعم من حق الأجيال ان تعرف ماذا كان يعمل الكبار ؟ وكبرت الأجيال على اوراق نسجتها المطابع السرية ( الموسادية ) ، وعبقها الممزوج برطوبة السراديب هو الذل والخزي المزين بالمصالح الشخصية لإسماء تركها التاريخ في عهدة الحساب .
لكن كان هناك من يرفض ويقول لا ، وانحنت الرؤوس احتراماً لهؤلاء الذين كانوا دروعا للكبرياء والكرامة ، وحافظوا على قدسية التهجير والحق والخيام والغربة والرحيل والمفاتيح .
لا يوجد في تاريخ أي شعب هذه الكمية من المؤامرات بقدر ما هي موجودة لدى الشعب الفلسطيني ، فطحالب المؤامرات تنمو حوله وفوق جلده وسرير نومه ، تخرج من رئتيه ، تنتشر في هواه ، يدوس عليها وتدوس عليه ، وكلما تفادى مؤامرة سقط في أخرى ، ان حلبة ملاكمة المؤامرات منصوبة فكلما دق جرس انتهاء مؤامرة تخرج مؤامرة جديدة وتقف أمام المواطن الفلسطيني الذي لم يعد يتحمل الضربات ، لقد أصابه العجز ، وانصبّت أحلامه فقط على وجود قنينة مياه ومنفذ هواء .
آخر المؤامرات التي يندى لها الجبين قتل المتضامن الايطالي ( فيتوريو اريغوني ) وهو ناشط سياسي يبلغ من العمر 36عاماً ، جاء من ايطاليا إلى قطاع غزة كي يتضامن مع الشعب الفلسطيني ويشجب الحصار الملعون ، في ذات الوقت هو صحفي والكلمة والصورة لها مليون معنى لشعب يتنفس بالأنفاق ، وقد يكون مفعول الصورة والخبر اكبر من الصواريخ والتصريحات الملثمة والميكروفونات التي حفظت عبارات الإنشاء التقليدية .
ان هذا الشاب الغريب الذي أراد ان يظهر للعالم مدى بشاعة الاحتلال والفقر والظلم وغياب العدالة ، وجد نفسه في فخ ومصيدة الموت البشع ، الموت المسروق من أروقة عصابات الانتقام ،
وهنا نتساءل ما الذي دفع المتضامن الايطالي(اريغوني) الى المجيء الى غزة حتى يتحول الى ضحية ؟ ان الشباب الذين في عمره ، يعبثون ويرقصون ويتزلجون ويعشقون . وليغرق الشعب الفلسطيني في بحر غزة.
لكن لم نحترم تضامنه معنا ، فقد قامت جماعة من السلفيين في قطاع غزة بخطفه وهددت بقتله عبر الانترنت ونفذت التهديد ، وقتلته بدم بارد ، ان الذين قتلوه لم يحبوا شعبهم ولم يحبوا قضيتهم ولم يعملوا على رفع صوت شعبهم المحاصر والمقموع والمفجوع بالسنوات التي تركض الى المجهول والتخبط والانقسام والسواد .
ان الشعب الفلسطيني كان بحاجة ومازال الى كل متضامن اجنبي ، ففي زمن التخلي العربي والبطش الاسرائيلي والزيف الأمريكي وعهر الاتحاد الأوروبي ،هو بحاجة الى كل صوت في العالم ، اننا نعرف مدى لعنة القضية الفلسطينة على الفنانيين والمطربيين الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين الذين ناصروا القضية في الستينات والسبعينات ثم وجد هؤلاء المبدعين ان ميدان الخسارة ينتظرهم ، خاصة ان التنازلات الفلسطينية حجمت التضامن وقلصته ، ولم تعد الأصوات الأجنبية المناصرة تشكل عندنا باطوناً مسلحاً نتكىء عليه ونفتخر بصموده عند الحاجة ، مع العلم ان مئات الكتب في كل اللغات العالمية كتبت عن التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية ، وكان هذا يشكل قوة للحق المسلوب ، وخطوات على طريق تحقيق الدولة .
ان قتل(اريغوني)خزي وعار علينا جميعاً ، لن نلوم الشباب المتضامن معنا -من جميع انحاء العالم - اذا اصابهم داء الترهل والهروب والخوف. وابتعدوا عنا ، لذلك نطالب بإعدام الذين قاموا بالقتل حتى يكونوا عبرة للمنظمات والفصائل والتيارات التي لم تضف للشعب والقضية الفلسطينية الا الشعارات الرنانة( واقوام منحها الله الجدل ومنعها العمل ).
ان الذي قتلوا ( اريغوني ) لم يختلفوا عن الذي قتلوا( راشيل كوري) الشابة الامريكية ذات الثلاثة وعشرين ربيعاً التي استشهدت تحت جنازير جرافة اسرائيلية ، ماتت وهي تدافع عن هدم بيت فلسطيني في 16 آذار عام 2003 . ان سائق الجرافة الذي قام بدهسها ومرر على جسدها مرتين حسب شهود العيان حتى تأكد من موتها ، الأسرائيلي هو ذاته في النسخة الفلسطينية .
لقد تحطمت الجدران ، فالكاتب الفلسطيني غسان كنفاني كان ينادي بقرع الخزان في روايته الشهيرة" رجال في الشمس" كي لا نموت اختناقاً ، لو يخرج غسان من قبره ويرى كيف ان الجدران قد تهاوت من شدة القرع ،واننا لم نعد نملك الا بقايا زجاج نحمله في أيدينا كي نقلع به عيون الذين يحاولون سرق البقية الباقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمواجهة التهديد الروسي.. البولنديون يستعدون لخوض حرب محتملة!


.. إسرائيل تتوعد بالرد -بقوة- على حزب الله بعد إطلاقه وابلا من




.. غواصة نووية روسية في كوبا .. واشنطن تستنفر وتراقب


.. هجمات حزب الله الأخيرة تثيرالقلق داخل تل ابيب.. وتهز سياسة ا




.. مع تكرار الهجمات.. ما واقع قوة الردع الإسرائيلية؟ وهل تنجر ت