الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية القرعة* !!

محمد المراكشي

2011 / 4 / 23
كتابات ساخرة


القرعة في بلادنا مريضة ! تشعر بالاكتئاب و القلق الدائم من مصيرها الذي لم تكن تحلم أن تصل إليه ! ففي احسن الأحوال تجد نفسها مرمية أكوام القمامة التي تملأ مخارج مدننا أو مداخلها.. إذ هناك أصناف من الناس لا يتركونها في سلام بعد أن تفرغ.. فقراء يجمعون ما وجد منها لإعادة بيعه ،أو أطفال أشقياء يضعونها في مرمى أحجارهم التي يقذفونها بها،أو أناس آخرون يستعملونها استعمالا ما أوتي به من سلطان !!
حتى أن القنينة المسكينة ذهبت إلى طبيب نفساني تشكو إليه حالها و ما آلت إليه في متأخر العمر !
استعملت الأمم القرعة دليلا على الحفظ و الصون لمشاريبها و أدويتها ،و اختارت الزجاج قالبا للسيدة الرشيقة التي حملت لكل القرى مشروبها الأسود العجيب...
لم تكن تدري القرعة أنها ستلقى مصائر ما كانت في حسبانها أو في حسبان من نحتوا أشكالها الجميلة..فتحولت من ما يشبه التقديس الذي جعلها تتبوأ احسن مكان في خزانات مطابخنا القديمة إلى أخبث ما يمكن أن يتصوره إنسان !
لازال يذكر البعض منا أن القناني الزجاجية الأنيقة التي امتد العمل بها في العقود السابقة،كانت تشبه الكنز الفقير لعائلاتنا ..فهي التي تستعمل بعد نفاذ مشروبها لتخزين العسل أو زيت الأركان أو السمن البلدي المتعب .. ! وكنا نحلم أن نصل إلى تلك القنينات المخبأة بعناية في مكان قصي بحجرة الأبوين..ولا تفتح تلك الخزائن العدنية إلا لضيف كبير ! وهو ما يجعلنا في منتهى الفرح حين نبصر الوالدة حاملة إحداها او كلها فيما يشبه يوم عيد مفاجئ !!
وكنا نحلم أيضا ان نلمس تلك القنينة ،ونفعل ذلك خفية أن يكتشفنا الوالد أو الوالدة ،لأنه ببساطة لمس الزجاج من الممنوعات فهو ينكسر ! ولكننا عرفنا بعد عمر أن الأهم هو ما بداخل القنينة لا القنينة !
هذا الأهتمام بالقرعة انتهى زمنه ،وابدع شح الرأسمال في صنع مثيلات بلاستيكية لها ،أو اختراع الكانيت المبجل !وكما ان عينة من مستعمليها في بلادنا اهتموا على خلاف الأجداد بالقنينة الفارغة لا بما بداخلها ! وتفننوا في انتقاء الموجع منها ،كي تخرج الزجاجة من عنق إست الإنسان !
لكن الذي أدى بالقرعة الأنيقة إلى الاكتئاب ،ليس هذا الاهتمام المتناقص ،و إنما استعمالها المثيرذاك الذي جعلها تبدأمن مصنع كولا لتنتهي كرسيا إجباريا للبشر !
من حق المسكينة أن تكتئب ، ففمها الحامل للرغبة في التمتع بالبرودة و الحلاوة ،أصبح بقدرة سادية حاملا للألم ..إن القنينة المسكينة تتعذب و تعاني ! من حقها أن تنتفض و تكون شعارا للتغيير !
لم يجد الطبيب المسكين أي تفسير طبي لمرض القرعة المسكينة ،سوى أن يجعلها تأمل في تغيير الانسان السادي لساديته ..فالقرعة تريد أن تكون قريبة من الفم محلية للسان بعيدة عن قرفصاء إنسان !
خرجت القرعة.. ! مؤمنة بضرورة التغيير ،خرجت القنينة مؤمنة بالحرية !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القرعة: القنينة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر