الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فنتازيا حب
صالح حبيب
2011 / 4 / 24الادب والفن
كنت منطلقا بسرعة اجتازت سرعة الضوء متوجها الى خارج المجرة للوصول الى ذلك الربع الخالي من الفضاء البعيد بين المجرات .. الى حيث تعودت ان الجأ كلما دعتي الحاجة الى وقت اضافي.
فهناك تقع زاويتي الصفرية الابعاد التي اكتشفتها منذ قرون خلت ، في زاويتي تلك يلغى الزمن و تلغى الابعاد الأخرى فأستطيع ان امضي مئات من السنين خارج الزمان و المكان دون أن تمر من عمر الكون او من عمري برهة واحدة ..انها زاوية عجيبة وغامضة اكتشفتها بمحض الصدفة في احدى جولاتي ، انها تقلب نظريات نيوتن و اينشتين وستيفن هاوكنز راسا على عقب وتعكس مفاهيمها كما تعكس المرآة الصورة تماما.
كم حلمت ان تأتين معي لنرحل عميقا في الكون نترك الزاوية الصفرية و نسبح بين النجوم.. في الزمان و المكان ..نقطع آلافا من السنين الضوئية .. نذهب الى ابعد نجمة .. الى حافة المجرة .. ونعوم في الفضاء مابين النجوم..انت و أنا .. ندور حول نجة القطب "بولاريس" او نقتحم ذلك الجرم الفضائي العظيم الذي يتفجر بالطاقات العظيمة " الكوازار " فنفجره و ننثر اشلائه في الكون.
كم أحببت ذلك الوميض الأخضر في عينيك ، حاولت ان استخرج طوله الموجي ولكن دون جدوى فلم اجد له طولا موجيا و لا تردد ، احترت كثيرا بهذا الأمر فهو مناقض لجميع قوانين الفيزياء و الطبيعة ..كزاويتي الصفرية.
أتذكر انني وجدتك قبل الف من السنين قرب ذلك الركن الخالي من الفضاء..كنت حينها اجلس في مركبتي الفضائية الصغيرة بهدوئي المألوف الذي يشبه هدوء كويكب بلوتو الجليدي.. كنت دائما انتظر شئ ما او كائن ما لأحدثه عن معادلاتي الرياضية و لوغارثمات الكون ، اي شئ او اي احد .. صحن طائر ، مخلوق غريب من كوكب قريب ، مسافر يمر بي قادم من عالم غير عالمنا او حتى إحساس بوجودٍ مجرد.. ولكن يبدو ان الألف سنة لم تكن تكفي لأنتظار شئ كهذا.
لم أكن اعلم حينها بأنكِ كنتِ تترصديني عن بعد .. لم اكن اعلم ماذا كانت تخبئ لي اقمارك الخضراء من مفاجآت.
وبظهورك امام سفينتي تغير كل شئ..كل شئ.
لم اجد نفسي إلا و أنا معانق شبكتك المنسوجة من اشعة النجوم بكامل رغبتي وقناعاتي العسيرة..
فأخذتيني وهربت بي وانا بين راحتيك غارق بنشوة مبهمة تشبه العوم في عنقود نجمي ، فوقفتِ بي على اعتاب كونك المدهش..
يا لها من لحظة غريبة ومبهمة يوم اعترضتِ سفينتي الصغيرة المسالمة و جعلتني انظر مذهولا من خلف لوحة القيادة التي انطفأ فيها كل شئ وانا عاجز عن ايجاد تفسيرٍ لما تراه عيناي ، تصوري حالة الذهول التي انتابتني لحظتها وانا انظر الى فتنتك الكونية الساحرة التي شغلتني عن التفكير في كيفية وقوفك في الفضاء البارد الخالي هكذا دون بدلة ضغط و اوكسجين .. لم افكر في ذلك على الاطلاق إلا بعد ان بدأتِ أنت بالكلام ، فقفزت حينها من مكاني مرتعبا ..
- " يا الهي ..كيف يمكن ذلك ..كيف تقفين هكذا في الفضاء ؟؟ ..بدون بدلة ضغط وفوق ذلك فكأنك تقفين فوق ارض صلبة ؟؟ حتى أنك لم تكوني تعومين في الفضاء .. شئ مذهل حقا..فوق القوانين الطبيعية..."
عندما سألتك
- "من انت ؟"
اجبتي و بصوت لم اسمع مثله على كوكبي:
- " لا تتعب نفسك ايها الأنساني في البحث عن اجوبة لتساؤلاتك البدائية .. فأنا ما خلقت على الارض ولا في كونك هذا .. انما خلقت هناك .. انظر .. "
واشرت باصبعك الى نقطة في الفضاء لم أرها .. واستمر صوتك اللا ارضي يقول :
- " هناك حيث يوجد كوكبي ، كوكب شفاف سعيد في سماءه ثلاث شموس ..واحدة تهب الحب والثانية تهب الامل و الاخرى تهب الحياة ..فهلم ايها الملاح النجمي و اغزو كوكبي ففيه يتوقف الزمن وسنحيا حتى تخبو آخر نجمة في الكون .."
قلت
- " أين كوكبك ؟ "
اشرت مرة اخرى الى تلك النقطة من الفضاء
- " هناك "
نظرت فلم اجد شيئا مرة اخرى لا كوكب ولا نجمه فقلت مندهشا :
- " اتقصدين الثقب الاسود ؟ "
- " نعم.."
قفزت ساعتها كالمجنون مرة اخرى..
- " كوكبك في الثقب الاسود؟ ذلك الجرم الصغير الفتاك الذي يلتهم كل شئ حتى الكواكب والنجوم و المجرات ويحيلهم إلى طاقة في جوفه .. كيف يمكن هذا يا سيدتي ؟ "
- " كيف يمكن ماذا ايها الانساني ؟ "
- " كيف يمكن ان يكون كوكبك في الثقب الاسود ؟ "
- " انه ليس في الثقب الاسود ايها الانساني الحبيب "
- " الحبيب ؟؟ "
- " نعم..هل تقبل حبي ؟ "
- " أ احب امراة تسكن في ثقب اسود ؟ كيف ؟ "
ضحكتِ ضحكة ملأت أرجاء المجرة بصداها او هكذا خيل لي ، ضحكة ساحرة ملائكية تغلغلت في اعماق قلبي كأنها سيمفونية بيتهوفن الخامسة بقوتها و رقتها و عذوبتها
- " انا لا اسكن في الثقب الاسود.."
- " ومن اين جئت اذن ؟ أين كوكبك ؟ "
- " جئتك من كوكب ليس في كوكنك ابدا .. انه عبر الثقب الاسود "
- " ماذا ؟ عبر الثقب الاسود ؟ "
- " نعم .. فنظريتكم عن الثقوب السوداء على انها بوابات الى اكوان اخرى ، إنما هي حقيقة واقعة .. فأنا من كون آخر وليس من كونك هذا .. لست من اي كوكب او شمس اومن اية مجرة في كونكم "
- " ماذا انت اذن و مم خلقت ِ ؟ "
- " أنا ؟..لنقل انني طاقة ما..شئ أشبه بذلك بمفاهيمكم داخل هذا الكون ، كونكم"
- " فأنت ملاك اذن "
- " لا ..أنا طاقة .. "
- " اي نوع من الطاقة ؟ "
- " طاقة من طاقات كوني .. نوع بسيط جدا من طاقات العالم الذي جئت منه."
- " اذن فأنت ضوء او موجات تحت الاحمر الحرارية او ربما أشعة غاما قاتلة "
- " لا هذا ولا ذاك ..انا طاقة لا تعرفونها.."
- " هل هناك ما لا نعرفه في كوننا من الطاقة ؟ "
- " أنا طاقة لا تعرفونها في كونكم هذا . ففي كوننا طاقات ليس لها مثيل في عالمكم "
- " وحسنك الآخاذ هل هو طاقة ايضا ؟ "
- " هو لك "
- " كيف ؟ "
- " تعال معي .. اتبعني "
- " الى اين ؟ "
- " الى كوكبي "
- " عبر الثقب الاسود !؟ "
- " نعم "
- " أكون مجنونا لو فعلتها "
- " ستكون طاقة مثلي .. وسنحيا حتى تخبو آخر نجمة في الكون "
- " في كونكِ ام في كوني ؟ "
- " في كوننا نحن الاثنين .. وسنعبر من كون الى كون "
- " و أين المستقر ؟ "
- " في اللانهاية "
- " لقد اصبتني بالدوار "
- " سأمنحك من طاقتي ..سأحبك حتى آخر ومضة "
- " لم اسمع بهذا المصطلح ..كيف تعبرين عنه رياضيا ؟ "
- " ليس في حبنا رياضيات يا ملاح النجوم .. هل تعبرون انتم عنه بالمعادلات ؟ "
- " لا "
- " اذن فحبنا متشابه ..كل شيئ فينا متشابه..كل فعل .. كل فكرة ..كل سكنة ..كل ذرة .. هلا منحتني من طاقتك ايها الحبيب ؟ "
- " و لمَ أنا ؟ "
- " لانني كنت ابحث عنك انت فوجدتك اخيرا في هذا الكون وفي هذه المجرة فانت وجهي الآخر "
- " الوجه المادي ؟ "
- " انت المتمم لي ..نصفي الآخر..هيا امنحني من طاقتك.."
- " وكيف امنحكِ من طاقتي ؟ فانا مخلوق من المادة وما انتِ إلا طاقة ! "
- " كن لي ، أحبني و كفى "
- " أحبك ؟ "
- " نعم أمنحني حبك ولا تتردد ؟ "
- " أاحب طاقة تتبدد ؟ "
- " الطاقة ابقى من المادة ايها الانساني "
- " أنا أحب سفينتي "
- " لا تراوغ "
- .........
- " سفينتك ؟ انها تخذلك من اول ضربة نيزك مهما امتصت دروع سفينتك من طاقة التصادم "
- " وها انت تطلبين طاقتي ايضا "
- " ليست هي بالتحديد .. فانا قادرة على امتصاصها متى ما شئت ..ولكنني اوفرها لك لتحبني بها"
- " هل هي مساومة ؟"
- " كلا انه عرض للحب "
- " ولكنني اجدك طماحة لأقتلاع الحب مني عنوة .. نحن لا نحب بهذه الطريقة يا سيدتي "
- " ولكن اصبح للحب عندكم تعريفا رياضيا ايها البشري .. فقد انسانيته..ولكن نحن معشر الطاقة مازال الحب عندنا لم يفقد طاقته ..انه متجدد .. الى الابد.
سأعيد اليك طاقة سفينتك وسأنتظر عند تلك النجمة "
أأحبها ؟ سألت الكومبيوتر ، فلاذ بالصمت لأنه لا يعرف الحب ، ألقيت نظرة الى داخلي لكي ارمي بالسؤال اليه فوجدت داخلي لا يختلف كثيرا عن الكومبيوتر ، فعروقي تكاد تستحيل اسلاكا باردة تسري فيها شحنات سالبة بدل الدماء الساخنة نفسها التي كانت تسري يوما في عروق قيس و جميل و روميو..يا إلهي انني افقد الانسان في داخلي و موشك على التحول الى مجرد كومبيوتر يتنقل بين النجوم بسفينة نجمية في فضاء موحش قاحل. لم تعد هنالك مغامرة لأخوضها ، فآخر ما كنت اعتقده مغامرة هو ارتياد النجوم وها أنا ارتادها بسلام ..عصر المغامرات انتهى يا ملاح النجوم ..
فأين التحدي اذن ؟
قال شاعر عربي من القرن العشرين "أن الحب مغامرة كبرى" وأنا أؤيده إنها مغامرة شاقة..خطيرة..أشد خطرا من ارتياد النجوم..فهل ارتادها ؟ ؟
أنني ارى بان هذا هو الطريق الوحيد الى داخلي ..الى انسانيتي ..عودتي الى بشريتي..
فيا سيدتي الطاقة؛ أن الحب عندنا نحن البشر مختلف تماما..
انه طاقة خالدة خلاقة وعظيمة نتبادلها بأقدار متوازنة تضاف الى ابداننا المادية فتمنح بناءها القوة و الصلابة و الثبات ولا تدمر أبداننا أو تحيلها إلى طاقة و اشعاع كما تفعلون.
ان حبنا نحن البشر يا سيدتي الطاقة الفاتنة ، فعلٌ بشريٌ خارج ٌ عن محور السينات او الصادات..
مجردٌ من الزوايا و الارقام..لا يخضع لقوانين الفيزياء و الرياضيات او لقوانين العرض و الطلب
الحب في كوكبنا مطلق لا يعرف الحدود..طليق لا يعرف القيود أو السلاسل..حبنا على الارض ليس كالمادة والطاقة التي نعرفهما والتي تعرفون ..التي لا تفنى و لا تستحدث
بل ان الحب عندنا هو طاقة وهو ايضا لا يفنى ولكنه يستحدث و يخلق من العدم
هكذا نعبر عنه رياضيا وفيزيائيا وهكذا نعبر عنه انسانيا .. هذا هو قانون الحب في كوننا
ساعود لكوكبي لأبحث عن الحب في مخلوقة بشرية مثلي
لن ابدأه معك يا سيدتي ..لأنك طاقة تتبدد..فاقبعي قرب نجمتك البعيدة .. لا يسلو وحدتك إلا الفضاء البارد الأبدي.
29 / 1 / 1987
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. #شاهد بالعود والغناء.. طفل فلسطيني يبارك لأبناء الشعب اللبنا
.. تغطية خاصة | الأسد: الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة
.. «كنت ملحدًا» خالد الصاوي يكشف تفاصيل أصعب أيام حياته
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر عماد حسن - الأحد 1
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر عماد حسن: سميرة سعيد من أجمل الن