الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الكتابة السردية

سعد محمد رحيم

2011 / 4 / 24
الادب والفن


غالباً ما يتساءل الناقد والقارئ المحترف، بعدما يفرغان من قراءة رواية جيدة، عن الكيفية التي كتب بها الروائي عمله. أي عن أسلوبه وآليات السرد وأنساقه التي استخدمها في عملية الكتابة. وقد يتحريان، كذلك، عن المصادر الأدبية والواقعية والتاريخية التي استقى منها الكاتب أحداث روايته. ويهتم الكتّاب بهذا الأمر أكثر من القراء الاعتياديين الذين يكتفي معظمهم بالإحاطة بالمتن الحكائي ومعرفة نهاية القصة ومصائر الشخصيات. وربما حاول بعضهم تمثل المعنى الكامن في تلك القصة والمغزى من وراء سردها من غير اهتمام جدّي بمعضلات البناء السردي. لكن كاتباً بقامة أمبرتو إيكو؛ الباحث والناقد الأدبي والروائي الكبير لا بد من أن تشغله تلك المعضلات إلى حد بعيد. وهذا ما يتناوله في كتابه ( آليات الكتابة السردية/ ترجمة سعيد بنكراد/ دار الحوار.. سوريا، ط1/ 2009 ) أما أسئلته بهذا الصدد فتنصب على تجربته في كتابة الرواية، لاسيما روايته الأشهر ( اسم الوردة )؛ وهي أول نص سردي كبير يقوم بكتابته ونشره بعد ثلاثين سنة من البحث في المجال النظري النقدي، هو الذي يعد معلم السيميائيات بامتياز. وقد كتب روايته آنفة الذكر بعد اقترابه من سن الخمسين.
يتحدث إيكو عن المشكلات التي واجهها في أثناء كتابته لروايته. ويبدو أن روحية الناقد فيه كانت يقظة جداً، وقد حسب كل شيء بدقة مفرطة.. لم يكن على عجلة من أمره، فليتأخر إنجاز الرواية وصدورها سنة أو سنتين. وهنا يعطي درساً بليغاً لأولئك الذين يعيشون حالة إسهال في كتابة الروايات ونشرها من غير اعتبار لمقتضيات المعرفة والفن وأفق انتظار القراء.
اقتبس إيكو العنوان من بيت شعري ورد في كتاب لراهب من القرن الثاني عشر الميلادي؛ "إن اسم الوردة الماضية لا زال قائماً، فمن الوردة نستخلص الكلمة الخالصة". ويدرك إيكو أن الوردة "صورة رمزية مليئة بالدلالات لدرجة أنها تكاد تفقد في نهاية الأمر كل الدلالات". وقد صرّح ذات مرة بأنه اختار هذا العنوان لأن الوردة لا اسم لها. فهو منذ البدء يضع قارئه في جو من الحيرة والشكوك والإثارة. إنه يعوِّل على قارئه وينتظر منه رأياً "فلا شيء يواسي مؤلف رواية ما سوى اكتشافه لقراءات اقترحها القراء ولم تكن لتخطر له على بال".
ليس من حق الروائي أن يؤول عمله لأنه بذلك سيغتصب حقاً أساسياً من حقوق المتلقي. فالرواية هي؛ "آلة مولِّدة للتأويلات". وقوة أية رواية تكمن في كونها قابلة على تفريخ عدد منوّع ومتنافر من التأويلات التي يخلص إليها النقاد والقراء.
اختار إيكو فضاء روايته ديراً بندكيتياً معزولاً من القرن الثاني عشر.. كان مغرماً بالقرون الوسطى التي يراها في عمق الأشياء الحاضرة. وقد تقمص رؤى أشخاص من ذلك الزمن، أي أنه استعار عيونهم وكيف تنظر إلى أشياء العالم في حينها، كي يشحن روايته بالصدق ويجعلها مقنعة. وبقي سنتين يجمع المعلومات ويرسم الخرائط والتصاميم ويدوِّن سيراً لعشرات الرهبان، والتي سيهمل كثيراً منها لأنها لا تفيد عمله لكنها تعزز أسلوبه في البناء السردي. كان يصمم عالماً متخيلاً في ذهنه ليقينه بأن "الكلمات ستأتي فيما بعد من تلقاء نفسها، فامتلاك الأشياء سابق على وجود الكلمات".
صحيح أن الرواية صنيعة تخييل، لكن هذا لا يلغي إمكانية وجود قواعد ومحددات وإكراهات.. يقول؛ "علينا أن نقيّد أنفسنا بإكراهات لكي نبدع بحرية". وقد كتب رواية ذات علاقة صميمة بالتاريخ، والشخصيات التي اختارها لابد من أن تتصرف وتسلك بحسب القيم والمعايير التي كانت سائدة في بيئتها، حتى وإنْ كانت ثمة أحداث خارقة للواقع في النص.. يؤكد إيكو؛ "إن الشخصيات مرغمة على الفعل وفق قوانين العالم الذي تسكنه، وأن السارد أسير مقدماته".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوردة لا اسم لها
أحمد الحلي ( 2011 / 4 / 25 - 19:24 )
شكراً لك أستاذنا الفاضل على هذه المقالة التي زودتا بمكشاف معرفي رصين حول الروائي والناقد الشهير أمبرتو إيكو وطريقة عمله الدؤوب والمتقن إنها مقالة على قصرها فهي طافحة بالمغزى العميق


2 - شكرا لك
سعد محمد رحيم ( 2011 / 4 / 29 - 16:31 )
أخي العزيز أحمد الحلي
شكرا لك على تعليقك واهتمامك، والحقيقة أن كتابات أمبرتو إيكو تمنحنا المتعة والمعرفة العميقة وهو راصد فطن لآليات الكتابة لاسيما في حقل السرد
تحياتي

اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي