الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من اجل سياسة بيئية بديلة

عبدالله بولرباح
كاتب وباحث

(Abdellah Boularbah)

2011 / 4 / 24
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


تزايدت حدة المشاكل البيئية وأصبحت اليوم تمس بصورة مباشرة وغير مباشرة بأمن وسلامة ومصادر عيش ملايين البشر مثلما أصبحت تهدد على الصعيد الدولي مستقبل الحياة على كوكب الأرض. ولن أضيف إلى معلومات القراء شيئا إن سردت المشاكل البيئية التي تشغل بال الجميع وما لها من تأثيرات شتى ومخاطر جمة. إن الأمر أصبح يقتضي أكثر من ذلك، يقتضي التفكير بعمق والعمل الجاد من أجل تجاوز سياسة "التبييض الأخضر" blanchissement vert)) على حد تعبير ميشال طاريي لفائدة سياسة نبيلة تستحضر في القول والفعل الهم البيئي، تستحضر الوسط البيئي ليس كمجال خاص بالإنسان، أو كمجال لممارسة حريته الإنسانية، حيث يمكنه التخلص من كل القيود والإكراهات الطبيعية، بل كمجال له حدود، له إكراهات لا يمكن تجاوزها دون تهديد الوجود الإنساني نفسه. الإنسان ليس هو مركز "الكون البيئي"، بل لا يشكل غير مكون من مكونات المجال البيئي. فكما أن الحرية الفردية تبقى مقيدة بحرية باقي أفراد المجتمع، فإن الحرية الإنسانية في المجال البيئي عليها أن تكون مقيدة ب"حرية" باقي مكوناته.
وفي هذا المضمار لا بد من التأكيد أن أمهات المشاكل البيئية الراهنة ارتبطت تاريخيا بتطور النظام الرأسمالي الذي جرد بشكل سريع فئات واسعة من الشعوب من وسائل الإنتاج وجعلها حكرا على أقلية أعطت لنفسها كامل الحرية في التصرف في المجال الطبيعي وموارده، كما نشرت أفكارا مغلوطة تمجد التكنولوجيا على حساب الطبيعة والموارد الطبيعية، وجعلت من منطق الربحية غاية ومنتهى الإنسان. ومما لا شك فيه أن منطق الربحية هذا سرع ويسرع باستمرار عملية تدمير العناصر البيئية الضرورية لإعادة إنتاج الحياة على كوكب الأرض. يكفي أن نذكر هنا بالدور الرئيسي للصناعات الفلاحية والنظام الغذائي الصناعي في الأزمة المناخية العالمية بإسهامها الكبير بنسب تتراوح ما بين 44 و57 % في انبعاث الغازات في الجو وإخلالها الخطير بأهم نظام بيئي على وجه الكرة الأرضية: التربة التي فقدت خلال الخمسين سنة الماضية ما بين 30 إلى 60 طن من المواد العضوية في الهكتار الواحد من الأراضي الصالحة للزراعة. مقابل ذلك تتزايد حدة أزمة الغذاء على المستوى العالمي، فيما تكسب من وراء ذلك الشركات المتعددة الجنسية أرباحا خيالية(النموذج الصارخ: حالة الأزمة الغذائية لسنة 2008)، مكنتها من إحداث موجة عارمة من الاستثمارات في القطاع الفلاحي ومحاولة السيطرة على الأراضي الفلاحية وتهديد ملايين الفلاحين في ملكيتهم للأرض.
إن الحالة المقلقة جدا التي أصبح عليها كوكبنا والتي جعلت العديد من العلماء عبر العالم يدقون يوميا ناقوس الخطر، يتتطلب منا جميعا كفاعلات وفاعلين ، سياسيين أو مدنيين، كمنتخبات ومنتخبين، كمربيات ومربيين، كمسؤولين ومسؤولات، أن نأخذ على محمل الجد ما تتنبأ به مختلف الدراسات والأبحاث من مخاطر جمة، قد تعصف بمقومات الحياة على الأرض، وأن نعمل وفق ذلك على التعجيل بإيقاف النزيف البيئي من خلال فرض تغييرات هامة في أنماط الإنتاج والاستهلاك وأن نعيد النظر في علاقتنا بالطبيعة، وأن نعترف بكون الطبيعة على نفس القدر من الأهمية بالنسبة للإنسان كما هو الشأن بالنسبة لباقي الكائنات الحية. علينا إذن أن نتصالح مع طبيعتنا، أن نحترمها.
في البحث عن بناء علاقات جديدة بالطبيعة تتجلى البدائل المبنية على الحكامة وعلى التنمية المستدامة، كبدائل لا تقتصر فقط على رفض الآثار المدمرة للنظام الرأسمالي المعولم ولكن كذلك رفض الأسس المكونة لهذا النظام، وهي بدائل ممكنة في إطار إحلال ديناميات محلية ملموسة وعملية، تواكبها حركة اجتماعية عالمية، وهي بدائل ضرورية ولا غنى عنها لإيقاف النزيف البيئي.
إن تلك البدائل تكمن في كل ما أنتجته الإنسانية من دمقرطة تدبير كل أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية والعائلية، ومن تطورات ومعارف يجب وضعها في خدمة أوسع فئات المواطنات والمواطنين داخل المجال البيئي الأقرب إليهم.
إن الإنتاج والاستهلاك المحترمين للطبيعة يفترض فيهما أن لا يفقدا أبدا الصلة المباشرة بالموارد الطبيعية وبأوسع فئات السكان، وأن لا يتعاليا على مستوى التنظيم المجتمعي ومستوى قدراته. أن لا تفقد أوسع فئات المجتمع السيطرة على نمط إنتاجها واستهلاكها هي أولى الضمانات لاحترام الوسط الطبيعي واستثماره بشكل مستدام.
إن تحكم أوسع فئات المجتمع في الإنتاج والاستهلاك يحيلها باستمرار على وسطها الطبيعي وعلى موارده المختلفة وكائناته المتنوعة وموروثه الثقافي، فتكتسب بالتجربة وفي الميدان خبرة التعامل المتزن به وتتمثل وتستبطن دوره وأهميته في ضمان حياتها، لتتمسك أكثر فأكثر باحترامه والحفاظ عليه وتنميته.
إن ما يعطي المشروعية لهذا المسعى هو أنه من الثابت تاريخيا أن سكان كافة المناطق القروية والجبلية والفلاحون الصغار واعون بأهمية الحفاظ على تلك الثروات ولها امتداد في ثقافاتهم وتقاليدهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر