الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش كارثة (4): شهادتى على العودة- الجزء الأول

عبير ياسين

2011 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



شهر على العودة لمصر من اليابان، تلك العودة التى كان لدى رغبة شديدة فى توثيقها منذ لحظات الوصول الأولى، ولكنى وجدت أن التأخير لبعض الوقت قد يكون أفضل أو أكثر موضوعية وقدرة على التخلص من مشاعر اللحظة


1- طوكيو وداعا

عندما حدثت الكارثة اليابانية بالمعايير الموضوعية للكلمة تطورت الأحداث كما شهدها الجميع من زلزال لتسونامى لخطر تسرب نووى لا يمكن لأحد أن يتخيل تطوراته المستقبلية. وكنت مستقرة رغم قلق الآخرين على فكرة أننى جزء من المشهد، وأن فكرة الرحيل ليست واردة


فى ساعات قليلة مع بدايات يوم 15 مارس 2011 كانت التطورات متلاحقة، والحديث عن توابع الزلازل وانعكاساتها المحتملة مثيرة لقلق متزايد. بدأت الأمور فى التطور بدرجة أكبر خاصة فيما يتعلق بوضعية فوكوشيما ونسب الاشعاع المختلفة، كنت لازلت فى حالة أعتبرها المتعاملين معى هادئة مقارنة بالأخبار المنقولة من اليابان ومقارنة بالتطورات المحتملة. وخلال ساعات قليلة من نوم متقطع بفعل الزلزال وتوابعه بداية من زلزال 11 مارس حدثت العديد من التطورات التى كان أبرزها متعلقا بحدوث انفجار فى مفاعل فوكوشيما والحديث عن إجراءات احترازية يجب القيام بها للتعامل مع زيادة نسبة التلوث الاشعاعى وأن كان بنسبة قليلة فى طوكيو حيث أدرس


لم أكن أفكر فى الموضوع حتى هذا الوقت بوصفه مسببا للهلع أو دافعا للرحيل وكنت فى انتظار التطورات والتعليقات من المصادر المختلفة محل الثقة كالجامعة وبعض الشخصيات المصرية والعربية والأجنبية التى يمكن التباحث معهم حول التطورات التى تحدث


ولكن كما كانت تلك الساعات القليلة مهمة على صعيد ما حدث بالنسبة لليابان، فقد كانت مهمة على صعيد أخر وهو الأسرة بالطبع التى رأت فيما تنقله التغطية الإعلامية لما يحدث جزء من صورة قد تكون أكثر خطورة مما يقال وكان هذا هو عذرهم فى التحرك، كما قد يكون البعض قد فعل بالطبع، من خلال الاتصال بالجهات المعنية فى مصر للتعامل مع الموقف خاصة كما سبق الإشارة فى مقالى السابق فى ظل غياب رحلات مصر للطيران بعد أحداث الثورة المصرية


وكانت ساعات الصباح يوم 15 مارس محملة بالكثير من الاخبار، فمن جانب هناك التطورات فى فوكوشيما وما تبعها من تطورات فى طوكيو بعد الحديث عن زيادة قيل أنها طفيفة لنسبة الاشعاع، وما طلب منا من خطوات ينبغى الالتزام بها عند التحرك، إلى التحرك الأسرى، وما عرفته منهم وتأكد خلال الاتصال بالسفارة المصرية من وجود نية لدى الحكومة المصرية لإرسال طائرة/ طائرات تابعة لمصر للطيران لإعادة الراغبين كما فعلت عدد من الدول


2- العام والخاص

هنا تبدأ القصة فى الدخول فى حالة أخرى من الجدل، حالة يخصنى فيها الجزء العام، أو الجزء القابل للتعميم منها بوصفه قضية وليس حالة فردية


وبداية ينبغى التأكيد بأنه ليس لى من قريب أو بعيد أى خلافات مع السفارة المصرية أو المكاتب الفنية العاملة والمساندة لعمل السفارة المصرية فى اليابان. كما ينبغى القول أن هناك معرفة بالعديد من العاملين فى السفارة والمكاتب. فالسفير المصرى فى اليابان د. وليد عبد الناصر أعرفه مسبقا عبر كتاباته الأكاديمية الرصينة وعبر اللقاء فى أحد المؤتمرات من عدة سنوات عندما يكون يتولى منصب مدير المعهد الدبلوماسى التابع لوزارة الخارجية. كما أنه بحكم طبيعة دراستى كطالبة منحة من الحكومة اليابانية لم يكن هناك الكثير من الاحتكاك الدراسى إلا بما تستوجبه الإجراءات الرسمية أو الاسئلة العادية لطالب فى بداية دراسته فى دولة أجنبية


وبحكم مشاركتى من وقت لآخر فى أنشطة أو لقاءات السفارة المصرية كانت هناك الفرصة لمقابلة بعض تلك الشخصيات والتحاور معها حسبما سمح الوقت، بالإضافة لبعض العمل الصحفى والحوارات التى أجريتها مع بعض من تلك الشخصيات بما فيها السفير المصرى


كما ينبغى القول أنه بغض النظر عن شهادتى هنا، ومع علمى التام بما قد تقود إليه من غضب أو على الأقل عدم سعادة البعض منها، فأنها لا تقصد أن تشير لأحد بوصفه الشخصى ولا أن تعبر عن عدم تقدير واحترام منى لأى منهم ولكنها فقط تطبيقا لمبدأ وعهد التزمت به مع نفسى


ووفقا لهذا العهد فأن النقطة الأساسية المهمة بالنسبة لى تبقى دوما فى القواعد والأسس وليس فى التفاصيل والحالات والاستثناءات. والسبب ببساطة أن وجود القاعدة يمكنا من إيجاد آليات لتطبيقها، لتعميمها ومعرفة من تنطبق عليه ممن لا تنطبق عليه، بالإضافة إلى عنصر شديدة الأهمية وهو المحاسبة


فقط فى وجود القاعدة يمكن أن نحاسب وأن نطالب بحقوق ونتحدث عن واجبات، ولكن عندما تغيب القواعد المنظمة نصبح فى آلية أخرى لا أجيدها ولا أرغب فى أجادتها يوما. آلية تقول أن المنافع يتم الحصول عليها وفقا للاستثناءات التى تحدث بدورها وفقا لعوامل أخرى، بمعنى أنها عوامل غير موضوعية ومفتوحة ويملك فقط من يضعها أن يحدد من يستفيد منها ومن لا يستفيد منها


كنت وسأظل ضد الاستثناءات التى تدير الحياة بوصفها منحة من شخص ما أيا كان رئيس أو مدير، لأن من يمنح يمنع، ومن يمنح لا يشترط أن يلتزم العدل والانصاف، ومن يمنح لا يحاسب لعدم وجود قواعد للمحاسبة


من أجل هذا الالتزام الشخصى أعرف بأنى أخسر الكثير فى آليات وصول غير موضوعية فى نظام فاسد، وأعرف بأن مصر لازال عليها الكثير لتتجاوزه وتتجاوز عقليات عاشت وتربت ووصلت بحكم تلك الآليات الفاسدة ولازالت قادرة على إيجاد مساحات لها وفقا لعملية التحريك الجديدة بنفس العقلية


أعود من تلك الصورة لمشاهداتى حول العودة ليس من جانب الجدل حولها، ليس من جانب اليابان وأهلها ولكن من جانب مصرى بحت


3- الطريق لأوساكا

عندما تطورت الأحداث ومع تزايد قلق الأسرة فى مصر كان أول اجراء قمت به هو الانتظار، فالأخبار تقول بأن مصر تتحرك وهناك توجه لإرسال طائرة للعودة بها مباشرة، وأن السفارة سيكون عليها أن تتصل بالمصريين. لم يكن هناك ما أفعله أذن غير الانتظار بوصفى مواطن مصرى. ولأكون صادقة سأقول بأننى لجأت لتحرك أولى أفترضته أساسيا، وهو الدخول على موقع السفارة المصرية على الانترنت، وبالطبع لن يكون مفأجاة لأحد أن أقول بأن كل أحداث الزلزال أو أى اخبار عن أحوال المصريين لم تكن على الموقع الذى لم يجدد بالطبع. مع التأكيد على أن تلك ليست المرة الأولى، فخلال سنوات وجودى الثلاثة تقريبا أثرت التساؤل عدة مرات حول موقع السفارة على الانترنت. تساؤلاتى دوما كانت عن عدم وضع أنشطة السفارة على الموقع أو تجديد الأخبار مع تلقى ردود من نوعية نقص الإمكانيات وغيرها من التفسيرات المشابهة. ومن المؤكد أن سؤال كهذا يصبح أكثر منطقية فى أوقات الأزمات حيث يفترض فى تلك المواقع أن تكون الجسر الأساسى بين المواطن والسفارة، وأن تكون وسيلة أسهل بدلا من سيل الاتصالات والدخول فى ساحة الآليات الأخرى حيث العلاقات الشخصية تصبح سيدة الموقف للآسف


مع الانتظار وعدم وجود أخبار عبر موقع السفارة الألكترونى قمت بالاتصال لمعرفة التطورات، دخلت فى ساحة استخدام العلاقات الشخصية حسبما أعتقد، سألت وكان متحدثى غاضبا على ما يبدو لمحادثات ومراسلات الآسرة فى مصر. فهمت أن هناك إجراء ما سيتم عبر إرسال طائرة سيعلن عنها للجميع، تسأءلت عن طريقة إبلاغ الجميع أن كان موقع السفارة لا يفعل فقيل عبر الاتصال... ولمنتصف اليوم لم أتلق اتصالا، ولم أرغب فى الاتصال مرة أخرى فقد كنت أنتظر بوصفى الأساسى والمفترض مواطنة مصرية


على منتصف اليوم توالت الأحداث مرة أخرى وكلها صبت فى اتجاه واحد هو ضرورة المغادرة وعلى الأقل المغادرة من طوكيو كإجراء أفضل ترقبا للتطورات. ثم اتصال من السفارة بأن الطائرة أن حضرت ستأتى إلى أوساكا تحسبا لأى تطورات فى طوكيو أو فى جوارها. كان سؤالى واضحا لمتحدثى، والذى تم فى إطار معرفة بالمصدر، حول نقطة التجمع أو طريقة السفر أو غيرها من النقاط أو النصائح الممكنة ولكن الإجابات كانت غامضة تؤكد أن المتحدث لا يعرف تحديدا التفاصيل وأن الطائرة ستأتى إلى أوساكا، والأفضل مغادرة طوكيو اليوم


وهنا ينبغى القول أن العلاقات الشخصية تبدو منقذة أحيانا كثيرة عندما تغيب المؤسسية والقواعد الواضحة. فما بين اتصالى الأول بالسفارة والاتصال الثانى منهم كان اتصال شخصى بصديق مصرى هو الأكثر أهمية فى توضيح الإجراءات المفروضة التى لم يبلغنى بها أحد


وفقا للصديق كان من المفترض أن يتم التسجيل فى السفارة لأسماء من يرغب فى السفر وهو بالطبع أمر لم يخبرنى به أحد!! وبالتالى عند الاتصال الثانى كنت من أشار لمتحدثى لفكرة التسجيل فأكد أنها مطلوبة فعلا فكان تعجبى صامتا مع قيامى بطلب إضافة الاسم بالطبع


مع تزامن عدة نصائح حول مغادرة طوكيو كان واضحا أن المغادرة هى الخيار الأنسب للحظة. ورغم أن قلق الأسرة ونصائح أخرى خلال هذا الصباح قد دفعتنى للبحث عن طرق عودة عبر خطوط جوية أخرى، خليجية بالأساس، ظل خيار مصر للطيران كرحلة مباشرة للقاهرة يبدو أفضل وأوقع رغم أننى سريعا وجدت أنه ليس كذلك


خلال أقل من ساعتين كنت أغادر مسكنى فى رحلتى إلى أوساكا، رحلة لم تكن مريحة بالطبع نفسيا، نظرة أخيرة على كتبى وأوراقى التى تخص دراستى، وعلى كل شئ آخر، كلمة أخيرة قلتها لنفسى بأن الدراسة لن تكون هى الخسارة الكبرى أن حدث ما يضر اليابان أو يقف عائق دون العودة، كلمة جعلت ترك كل الأشياء أمر طبيعى ومبرر لخسارة قد تكون بحجم بلد قدم لى الكثير بالطبع


مع رحلتى إلى أوساكا بدأت رحلة أخرى، اتصالات مستمرة من الأسرة والأصدقاء لا تهتم بفارق التوقيت كمبرر لتأجيل الاتصال والسؤال كلما حدث شئ جديد. كما بدأت رحلة ملاحظات أخرى ربما قد تعد أحد الأبعاد الأكثر أهمية فى مشهد الزلزال وتوابعه، صور أخرى تجبرنى على المقارنة غير العادلة وغير المنصفة بين ناس تعانئ من كارثة حقيقية ومستقبل دولتهم محل سؤال، وبشر أعتبروا أن الرحيل -أيا كانت أسبابه- هو خيارهم وشتان بين الوضعين


فى الطريق كانت هناك مشاهدات فالحياة مليئة بها، كان هناك عدد كبير بالطبع فى محطة القطار متجهين لخارج طوكيو كما يتضح، كانت هناك حركة عادية ومنظمة لكن الاحساس بها مختلف ربما لأن نظرتى للأمور كانت أيضا مختلفة مع مشاهد جموع البشر التى تتوقف لتشاهد خبر عن زلزال جديد وعن تطورات أخرى بفعل المفاعل أو بفعل التسونامى. كانت الصورة أنهم لازالو رغم كل الأشياء متماسكين وقادرين على الحياة، ولا أرغب فى أن أقارن بمشاهدات أخرى على هامش سلوكيات مصرية لا تتخلى عن احساس الفهلوة حتى فى لحظات تتطلب التفكير الجمعى ومراعاة الآخرين


أتلقى اتصالا من صديق يتحدث عن أتوبيس خرج من السفارة وعن بعض من تلقى اتصالات للركوب فى هذا الأتوبيس... حسنا لم أكن من أهل الحظوة والحمد لله فالمعاملة الخاصة تعنى فى السياق المصرى جميلة أو فساد. لم أكن أرغب فى جميلة تتجاوز جميلة شعب مصر والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة المصرية وكل من ساعد فى تحريك تلك المسألة. ولكنها بالطبع تبقى مسألة مثيرة للتساؤل: فأن كان أتوبيس السفارة يتحرك بالعاملين فى السفارة فهو مبرر، ولكن أن ينقل أفراد من خارج سياق الدبلوماسيين أو العاملين فى السفارة بحكم علاقات شخصية فهو شأن أخر وفقا لطبيعة الأتوبيس وطريقة تمويله سواء أكانت ذاتية وهو شأن لا يخص أحد أو من أموال المواطن المصرى وهو شأن عام


اكتفى بهذا الجزء فى الشهادة الأولى على أن تنقل الشهادة فى جزئها الثانى المشهد من أوساكا إلى القاهرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة