الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جماليات القبيح والجريمة وعالميتهما
مهند يعقوب
2011 / 4 / 25الادب والفن
" للأشياء القبيحة خصوصية فنية
قد لا نجدها في الاشياء الجميلة
وعين الفنان لا تخطئ ذلك ".
فينسنت فان غوخ
يكتسب كل من القبيح والجريمة في الأدب والفن التشكيلي والسينما ، جماليتهما من الموهبة ، والذكاء ، والحساسية الفنية المفرطة لدى المبدع ، لتنجيز الشكل او الفعل الجمالي نفسه وتحريكه في تلك المواضيع . كما وان نقل القبيح والجريمة فنياً ، أكسب هذه المواضيع بعداً مختلفاً ونقلها من خامات مباشرة مستبعدة ومطرودة ذوقاً ، الى صور وأفكار وفلسفات تأخذ " خصوصيتها الفنية " من جماليات الصناعة وعمق الافكار، في تأويل وفهم القبيح والجريمة معاً .
ان الميل لكشف جماليات القبيح ليس ميلاً اعتباطياً او صناعة طارئة ، انه جزء من العالم والوجود ، بل جزء من الطبيعة الانسانية التي لم تستكمل بعد العلوم والمعارف الحديثة كعلم النفس والاجتماع والانثربولوجيا كشف خريطتها بالكامل ، وكيف تتشكل لديها النوازع والافعال التي نطلق عليها فيما بعد خيراً او شراً ، وهو ايضاً اي القبيح جزء مساو في ذات الطبيعة الام وداخلاً في قوانينها " اشتقاق الطيب من الخبيث والاعتماد عليه والعكس " والشر عندما يرتفع الى مستوى مكافئ للخير تنعدم لدينا الخيارات بينهما في الترجيح وهذا يعود الى القيم الجمالية ذاتها .
تُعد شخصية " الضفدع " Ben whishaw بطل فيلم " العطر " 2006 للروائي الالماني " باتريك زوسكيند " وكذلك شخصية الدكتور "هنيبال لكتر " Anthony hopkins في فيلم " صمت الحملان " 1991 من أبرز النماذج التي تمثل طغيان المبررات المنطقية والجمالية في فعلهم الاجرامي على أية مبررات أخرى داخل تلك الاعمال ، لوجود قصديّة مباشرة وواعية في صناعة الجريمة على النحو الفني ، وان كانت تلك الأعمال السينمائية تُصنف ضمن أعمال " المرض في السينما " لكنها اشتغلت على أفكار فلسفية وأخلاقية هي متوفرة من الأساس في طبيعة وجودنا كبشر، نقلاً عن أساطير وأديان وثنية وأعمال فنية ومنحوتات ، كما تضمن فيلم " التنين الاحمر" 2002 تحديداً كواحد من سلسلة افلام الدكتورهانيبال لكترأعمالاً فنية ونصوصاً شعرية عديدة للشاعر والرسام الأنجليزي " وليم بليك " وخاصة لوحته الشهيرة " الشبق " او " التنين " التي أخذت مكانة رمزية قوية في هذا الفيلم للتدليل على معنى التحول الجنسي عند " فرانسيس دولارهايد " Ralp fiennes ، وكذلك تضمنت أعمال دانتي في الجحيم ، ويهوذا في الأناجيل ، وعلم التشريح كممارسة ، وبعض نماذج من الحشرات والعصافير كطائر " أبو الحناء " وما يشتمل عليه سلوك هذا الطائر من ممارسات غرائبية تتسم احياناً بالعنف والتخريب ، وجميعها كانت اشارات وتضمينات تدفع باتجاه دعم وابراز الخصوصية الجمالية في الجريمة ، التي تفرض الميل اليها وفقاً لطبيعة العمل وعناصره الأبداعية شكلاً ونقداً وتحليلاً وشواهداً .
ان جماليات الفعل او الشيء تكمن في الاضافة التي يسحبنا الى تحقيقها الفعل او الشيء نفسه ، لان حقيقته تقول بهذه القابلية على الانزياح ، وهذه القابلية تستدعي وجود " عين فنان " محترف لتعيد اكتشاف هذا الفعل وهذا الشيء وفقا لمصيره في الحضور والتشكل على يد الفنان .وأي كانت التصنيفات التي يمكن ان نضع فيها الأعمال والشخصيات التي أظهرت جماليات القبيح والجريمة ، سواء كانت في سياق عد هذه النماذج البشرية تعاني من أمراض وأزمات نفسية حادة ، او في سياق اعتبار هذه الاعمال انعكاساً لطبائع البشرعموماً. يبقى الاشتغال وشكل الصناعة يمدنا بهذا المعنى والجمال من خلال عناصر العمل نفسه ، ومن خلال الموضوع المفكَر فيه ، والموهبة الخالصة في تقديمه كعمل فريد . وهذا كله كافياً لان نجعل من بطل " العطر " شخصية مثالية في تربية الذائقة الانسانية الى ما هو أرفع من المألوف والعادي ، في سياق فهم وتطوير معنى الجمال وحضوره ، وهو نفسه الذي يجعلنا نعتقد باهمية نصوص وليم بليك ، وكذلك نصوص الماركيز دو ساد ، وايضاً نصوص الشاعر والقاص العراقي حسن بلاسم ، الذي يُعد حالة مميزة من بين الشعراء العراقيين في طبيعة الموضوعات التي يختارها لنصوصه الشعرية والقصصية الصادمة والوحشية وخاصة مجموعته " طفل الشيعة المسمّوم " .
لقد جاءت الاشارة لهذه النماذج بوصفها أعمالاً اختارت ان تتناول موضوع القبيح والجريمة ضمن سياق جمالي وفلسفي خالص ، وغير معنية في نقل الجريمة كفعل انساني مدان ومرفوض أخلاقياً وقانونياً . وما يجعلنا نهتم بموضوع من هذا النوع ، هو أثره في احداث التطور في النظرة على الجمال مفهوماً وفلسفة وتجريب ، وكذلك محاولة متواضعة منا لتنسيب صفة الشمول والعالمية الى تلك الاعمال . حيث يأخذ أي عمل كان وفي أي حقل ابداعي صفة العالمية او الكونية نسبة الى سعة انتشاره ، وكذلك حسب ما يندرج عليه موضوع العمل وعناصره الابداعية التي تشكله كحقل ابداعي وعالمي من الأساس . وموضوعات من قبيل الموت او الحب او الحرب ، اندرجت بما يشبه المجاز للتعبير عن كونية العمل او عالميته . والعالمية ليست محددة فقط بالموضوع بما يحمل من صفات جمالية عامة وأهمية انسانية شاملة ، فالليومي ، والذاتي ، والبسيط ، والقبيح ، أهميتهم في اعطاء العمل صفة العالمية ايضاً ، والذي يجعل من هذه العناصر والموضوعات تأخذ هذه السعة والشمول ، هو قدرتها على ان تتحول من حالة ذاتية وجزئية الى فكرة عالمية يتحكم في اعطائها هذه الصفة والمكانة ، شكل الصناعة عموماً والابداع والذكاء والحرفية العالية في تلك الصناعة. وفي هذا السياق لا نستطيع التدليل - اضافة لما تقدم من نماذج - على تحول الجزئي او البسيط او القبيح الى صفة العالمية في السينما مثلاً ، بأكثر من لقطة " طفل الفضلات " في فيلم " المليونير المتشرد " 2008 وهي لقطة تحّول فيها الطفل Ayush mahesh khedekar الذي يسعى لمقابلة النجم الهندي " آميتاب " الى طفل مصنوع من الريش ، وهو يحاول التخلص من مأزق حبسه بالخلاء ، للحاق بالنجم لكي يوقع له على الصورة. كان مشهد انغماسه في الداخل ويده ترتفع بالصورة الى الأعلى ، مشهداً لا جدال وشك في عالميته وحرفيتة الفنية العالية وأثره الجمالي الشعري الواضح .
لقد تحولت الفضلات الى موضوع جمالي مثير للاهتمام والاعجاب بفضل الموهبة والقدرة على صناعة اللقطة بحساسية فنية نادرة ، والفضلات هنا لم تقل أهمية عن أهمية موضوع الموت وفلسفته في فيلم " الرحيل " الياباني 2008 الحائز على الاوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية . لهذا فالبحث عن صفة العالمية ومن ثم اسناد هذه الصفة الى الأعمال الابداعية حسب موضوعاتها لا تحكمه شمولية هذه المواضيع او محليتها ، بقدر ما تحكمه عين الفنان نفسه ، وموهبته الفذة في جعل هذه الموضوعات ذات انتشار وتلقي عالميين.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض
.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل
.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو
.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا
.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان