الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... عن أميركا والمؤامرة والتشكيك بالثورات العربية

سلامة كيلة

2011 / 4 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ما أن بدأ الحراك الشعبي العربي مع اندلاع الانتفاضة التونسية حتى أخذ التشكيك مجراه. فقد وضعت الحالة في إطار استثارة أميركية للشعوب من أجل تغيير النظم. لماذا هذا الفيلم الهوليوودي؟
تختلف التفسيرات، لكن يبقى التشكيك هو المنطلق، خصوصاً حينما وصل الأمر إلى ليبيا وسورية، حيث أصبح "التحليل التآمري" مكتملاً. فالمسألة هنا تتعلق بإسقاط نظم "ممانعة". لكن نظاما بن علي وحسني مبارك لم يكونا كذلك، ولا النظام اليمني أو البحريني أو العماني أو المغربي أو الأردني. البعض يشير إلى "بعد نظر" أميركي، لهذا يعتقد بأن الولايات المتحدة عملت على استباق الوضع المتفجّر فدفعت نحو "تفجير الثورات". ورغم أنني أتعامل بحذر مع "نظرية المؤامرة" من منطلق أن في التاريخ هناك مؤامرات، وأن كل المحاولات التي بذلت من أجل تبخيس فكرة المؤامرة كانت تهدف إلى تمرير المؤامرات، إلا أنني لا أرى أن كل ما يجري هو مؤامرة. ولا أرى أن الولايات المتحدة أو أي قوة في العالم تستطيع أن تحرّك الشعوب، التي هي أكثر فهماً لدورها لأنها لا تتحرّك إلا حينما لا تعود قادرة على العيش أو حتى الوجود، سواء نتيجة المسخ الذي تقوم به النظم الشمولية أو نتيجة الإفقار الذي تقوم به الرأسماليات المافياوية، إضافة إلى مسخها المجتمع والسياسة. ولقد لاحظنا المسخ في النظم الاشتراكية، ونلاحظ الآن الإفقار في طول الوطن العربي وعرضه.
ما يهمني هو مسك جذر هذا التفسير الذي يظهر لدى نخب، وأظن بأن المنطق الصوري يظهر واضحاً هنا، المنطق الذي يجعل السياسة أقرب إلى المسخرة، حيث تضيع العلاقة بين السبب والنتيجة، الفعل والانعكاس، ومن ثم تفسّر الأحداث بما هي أسباب بينما لم تكن سوى أعراض لأحداث، ونتيجة لوضع تشكل في الواقع.
وإذا كان الأمر فيما يتعلق بكل من ليبيا وسورية ينطلق من تحديد مسبق لموقفهما "الممانع"، فإن الأمر سيبدو أسوأ حين تناول البلدان الأخرى التي كانت نظمها ملحقة بالسياسة الأميركية، كما كل وضعها. ورغم شكلية التقدير لمعنى "الممانعة" فإنها تؤسس للقول بافتعال الثورات من أجل التغيير فيهما. هل يمكن التأثير في شعب لكي يقوم بهذه "المهمة" الأميركية؟
لقد حدثت الثورات في تونس وفي مصر، وأفضت إلى تدخل الجيش من أجل إزاحة الرئيس والبدء بتحقيق بعض التعديلات، ببطء أو بتسارع سيان، ولا يبدو أن السياسة العامة لهذه النظم قد تغيرت كثيراً. كما لا يبدو أن الثورة قد حققت أهدافها بعد. وأن الولايات المتحدة تدعم هذه النظم الجديدة، خصوصاً وأن العلاقات بينها وبين قادة الجيش متداولة ومعروفة. ورغم أن الثورة في هاتين البلدين لم تتوقف بعد إلا أنه يمكن القول بأن الثورة أتت بـ "رجالات" أميركا. هذه النتيجة سرعان ما تنقلب إلى سبب، بمعنى أن الولايات المتحدة قد دفعت لحدوث هذه الثورات من أجل الإتيان بـ "رجالاتها". هنا تدفعنا العواطف للقول "مسكين حسني مبارك، ومسكين بن علي". ويتصاعد هذا المنطق حين تصل الثورات إلى ليبيا، حيث يتهدد عرش "قائد الثورات العالمية"، و"المناضل العنيد ضد الإمبريالية"، حيث تنفلت كل التحليلات التي تؤكد بأن الولايات المتحدة قد افتعلت الثورات هذه. ويتكرس ذلك حين وصول الثورة إلى سورية البلد "الممانع".
لاشك في أن أميركا تعمل من أجل تكريس مصالحها، وبالتالي تكريس النظم التي تمرر هذه المصالح. ولقد كانت نظم وتونس واليمن، وحتى ليبيا وكل النظم الأخرى تحقق هذه المصالح. وكان التكوين الاقتصادي الذي صيغ ضمن هذه العلاقة (أو بدونها كما في سورية) يفضي إلى تهميش كتلة هائلة من المجتمع هي التي بدأت التمرد. فهل ستقف الولايات المتحدة متفرجة على ما يحدث، وعلى ضياع مصالحها؟ المنطق الصوري يظن ذلك، ولهذا لا يفهم من التحرك الأميركي إلا أنه هو الذي بدأ الثورات. لكن الواقع هو أن الولايات المتحدة تحركت من أجل الحفاظ على مصالحها حتى وإن تحقق ذلك على حساب الرؤساء، وبعض النخب المافياوية. وهي تدعم تكريس نظم جديدة تحافظ على التكوين الاقتصادي القائم، وعلى السياسات والاتفاقات السابقة. وهذا رد فعل طبيعي على حدث لم يكن متوقعاً، وهو يعني أن تدعم قوى تابعة جديدة حين يكون ذلك ضرورياً، ودعم النظم ذاتها حين ترى ضرورة أن تهزم الثورات، كما يحدث في ليبيا واليمن، أو تنتظر التحولات لكي تستفيد منها كما في سورية.
لكن كل ذلك لا يجعل الثورات افتعالاً أميركياً، ولا يعني أن ما تخطط له سوف ينجح بالضرورة. هذا يعتمد على دور الطبقات والقوى التي تشارك في الثورات، وعلى مقدرتها على دفعها إلى أقصى ما يمكن من أجل تحقيق التغيير الجذري. هنا الصراع الواقعي هو الذي يحسم أمر إعادة إنتاج الطبقة المافياوية ذاتها أو تحقيق الانتقال إلى وضع طبقي آخر. ومن ثم لا بد من أن نلاحظ أن كل هذه الثورات هي نتاج التهميش الذي أوجده الارتباط بالنمط الرأسمالي في مرحلة سيطرة الطغم المالية، التهميش الذي وسّع البطالة والفقر، وعمّق الاستغلال والقهر، في ظل سيطرة نظم مستبدة. الأمر الذي يسمح بالقول بأن هذه الثورات لن تتوقف دون تحقيق التغيير العميق في التكوين الاقتصادي ذاته، والذي لن يكون سوف بالتناقض مع الإمبريالية ذاتها. وهنا ليست المسألة هي مسألة حرية فقط، رغم أهمية هذه المسألة، بل أن هذه الحرية لن تكون ممكنة إلا من خلال تغيير التكوين الاقتصادي ذاته. وهو ما يظهر بأن هذه الثورات سوف تمرّ بأكثر من مرحلة، ربما تستطيع أميركا اللعب في مرحلتها الأولى من خلال فئات في النظم القديمة، لكنها لن تتوقف دون الوصول إلى وضع آخر يتجاوز الرأسمالية ذاتها.
ما يجري الآن فيما يتعلق بالتغييرات التي تحدث، والمتأثرة بالدور الأميركي، هي نتاج غياب القوى السياسية الفاعلة المعبّرة عن الطبقات الشعبية، وهذا ما ليس ممكناً أن يستمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نص مُتميّز
السّموأل راجي ( 2011 / 4 / 25 - 17:20 )
سَلِمَت يداك رفيقي لقد كرهت الكتابة وكرهت التحليل من كثرة ما ضرط أشباه الكَتَبة بمقولات التّآمُر والذي لولا القمع ولاشرعيّة الأنظمة وهشاشة السّلطة لما قامت ثورات وكذلك البعض من التقعّر الإقتصادوي حيث يكتب قليلُو المعرفة عن الطبيعة الطبقيّة للثّورات كأنهم لم يسمعُوا يوما عن مفهوم الثورة الشعبيّة من قبل وعن مُراكمة نضالات سابقة عمّت كُلّ القوى أدّت لما يحدث اليوم.وبالفعل الحديث عن المُؤامرة نتاجٌ لغياب أطراف تُعبّرُ عن الطّبقات الشّعبيّة في صْيَغٍ كلاسيكيّة لكنها موجودة واليسار في تونس مثلاً دليل وكذلك إئتلاف الشباب في مصر واليمن والتنسيقية الموجودة في سوريا لكن لن يتواصل الأمر مُستقبَلا وستظهر تعبيرات واضحة جليّة تخُصّ الطّبقات الشّعبيّة إما تنبثق من رحم الثورة أو هي فعلا موجودة مُنخرطة في جبهة واسعة للنضال تحجبُ إمكانية رُؤيتها مُنردة.
نصّ مُتميّز رفيقي

اخر الافلام

.. اليمين المتطرف في فرنسا يعتزم منع مزدوجي الجنسية من شغل مناص


.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح




.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال


.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي




.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين