الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة العصر مرتكزة على التواصل الفكري والإنساني

صبري يوسف

2011 / 4 / 25
الادب والفن


التواصل الفكري والإنساني
معيار حضارة العصر


جاءني دعوة منذ بضع سنوات، 2004، للمساهمة في إحدى الصحف والمواقع الالكترونية، لكتابة مقالة حول رواة المدن، وحول المدن كمدن لها تاريخها وحضارتها وحول الغرب والشرف فيما يخص التواصل الفكري والإنساني، فولد هذا المقال، ألا يناسب ما جاء فيه لأن نعالج مشاكل ما تفاقمت منذ سنين وعقود وما تأتي الآن وما ستأتي بعد عقود وقرون!

............................................................................................... صبري يوسف

رواة المدن، فكرة رائعة، الشّاعر ممكن أن يستلهم من المدائن التي يعبر عوالمها الشيء الكثير، والمكان يمنح مساحات فسيحة لخيال المبدع، وكلما كان الشاعر عابراً مساحات جديدة، كان تدفّقه متجدداً ورحباً، وقد حان الأوان أن تتداخل الثَّقافات وتتلاقح عبر مبدعيها لأنّ لغة الشِّعر والإبداع لغة عالمية أشبه ما تكون بلغة الموسيقى والتشكيل اللَّوني، وليس مهمَّاً أن يعرف الشَّاعر تفاصيل التفاصيل عن مدينة ما كي يكتب عنها ويستلهم من عوالمها، فكم من الشّعراء حلّوا ضيوفاً لفترة من الزَّمن في مدينة ما وكتبوا ما لا يكتبه أصحاب المدن أنفسهم، فهذا الأمر يتعلّق بقدرة المبدع على التحليقات الشِّعرية والإبداعية والسردية، ثم أن المسألة لا تكون نسخة من وقائع المدينة التي نعبرها فالخيال الجامح يلعب دوره في هذا الإطار، فيستطيع المبدع أن يدوِّن ما يشاء ويضيف ما يشاء ويحذف ما يشاء مما يراه أو لا يراه فالحرف هو الحكم النهائي في المشهد الذي يراه.

هذا المشروع في غاية الرّوعة، فيه بُعد حضاري وإنساني وثقافي ويذيب الصَّقيع المتراكم ما بين الغرب والشَّرق، وهذه اللّغة، لغة غرب وشرق يجب أن نخلخلها من حيث حساسية الاصطلاح، عبر الإبداع كإبداع! البشر بشر من لحم ودم وشاءت الظّروف أن يكون هذا الغرب في الغرب وهذا الشّرق في الشرق ثم أنَّ هناك ملايين الشَّرقيين في الغرب وبضع مئات من الغربيين في الشَّرق فكيف يتحدَّث بعضهم عن الغرب والشَّرق، على أساس أنَّ هناك فروقات على صعيد الكثير من الأصعدة! نعم هناك فروقات وعوائق كثيرة وعديدة وخاصَّة من النَّاحية السياسية والجغرافية والحضارية والتحليلية الأخرى لكن المبدع كمبدع، المفكر كمفكّر وكل مَن يحمل لواء الكلمة عليه أن ينظر إلى هذا الجانب من منظور حضاري بعيداً عن الرُّؤية السّياسية المصلحية الضّيقة، وبعيداً عن لغة تعميق الخلاف والاختلاف، وليتأكّد كل بني البشر أنه يستحيل على أكتاف ساسة اليوم أن يتم ردم جسور الخلافات والصِّراعات مابين الشَّرق والغرب، لهذا لا بدَّ أن يتحدّى لهذا الأمر المفكِّر والشَّاعر والمبدع والفنّان والمثقف أينما كان كي يزرع بذور فكرية إنسانية ثقافية حضارية جديدة كي تتلاقح الثقافات وتترعرع في جوٍّ من التّعانق الإنساني بعيداً عن الخلافات بكل أنواعها وتفرعاتها ولم ينهض الغرب من سباته عندما كان في القرون المظلمة إلا بعد أن رفع سلاح العلم والثّقافة والديمقراطية وأطلق العنان لمواطنيه كي يبدعوا على امتداد مساحات الخيال لهذا علينا نحن معشر الشّرقيين أن نضع في الاعتبار أنّنا نحتاج أن نتواصل مع الغرب كي نتعانق كلانا عبر خبراتنا وإبداعنا وحضاراتنا وجغرافياتنا ونزرع بذور الوئام والمحبة والحرف بيننا وإلا لو نعتمد على الخطابات النّارية التي يطلقها تارة ساسة الشَّرق وتارة أخرى ساسة الغرب فلم نصل إلا إلى بُرَكِ الدم وإلى المزيد من الحروب والفتن التي تصبّ في قعر الحضارة ويدهشني سماكات الغباء المتفاقم في رؤى السَّاسة في الوقت الرّاهن، كيف لا يستطيعوا أن يجدوا مخارج للمآزق التي عبروا ويعبروا فيها؟!

لقد آن الأوان أن يتكاتف الجميع ويقوم كلّ إنسان بدوره كي يمنح حضارة العصر ما يليق بها خاصة وأن التطوُّر المعلوماتي والفكري والحضاري في أوجِهِ لكن وللأسف الشَّديد أنّني أرى أنَّ العلاقات الدَّولية مابين الغرب والشّرق هي في قمّة الانحطاط الفكري وقمّة الخبث الحضاري حيث لا يتم معالجات الهوّة القائمة من منظور إنساني ومن جهتي فإنني أعتبر أن ساسة الكون وتحديداً الدّول الكبرى في العالم فشلوا فشلاً ذريعاً في قيادة جغرافية الكون حيث يحلّون مشاكل الدُّول المغلوبة على أمرها بمزيد من الدَّم وبمزيد من الفقر وبمزيد من الدَّمار والهلاك وكأنّنا في عصر الظلمات وينادون بالديمقراطية والعدالة وإلى آخره من شعارات براقة ولكن في العمق يمارسون عكس ما ينادون به في الدُّول التي يدخلونها والأمثلة كثيرة وأكثر مما تُحصى!

لهذا أرى من الضّروري أن يتحدّى لهذه الكوارث الحياتية كتّاب وشعراء وفنّانون ومفكِّرون وبحاثة ومحلِّلون وفلاسفة ومبدعون لهم علاقة مباشرة بالإنسان كإنسان بغض النّظر عن كونه شرقي أو غربي أو من هذا الطيف أو ذاك! على الجميع أن يذيبوا الخلافات المجنونة القائمة ما بين الشَّرق والغرب عبر طروحات جديدة حضارية وإنسانية تناسب أبجديات العصر بناء على مصلحة الإنسان أينما كان هذا الإنسان وعلى الجميع أن يخطِّطوا لخلق توازنات ما بين الغرب والشّرق والحياة بما يكفل حياة حرة وكريمة للكائن الحيّ، عندها سيخفت وميض التّناحر بين شرق وغرب ورويداً رويداً سيصل الإنسان إلى برّ الأمان، هذا إذا حمل الإنسان بين أجنحته أمان!

ــــــــــــــــــ
ستوكهولم: حزيران (يونيو) 2004
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]
http://www.sabriyousef.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الفلسطيني الكبير كامل الباشا يكشف لحظة حصوله على جائز


.. جدول ليالي مهرجان الموسيقى العربية?? #معكم_منى_الشاذلي




.. استقبال خاص من منى الشاذلي للفنان كامل الباشا الممثل العربي


.. محمود حميدة بصحبة ابنته في حفل افتتاح مهرجان وهران للفيلم ال




.. في ليلة لا تُنسى.. أوركسترا الموسيقى الغنائية تُشعل أجواء مس