الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغلو و التطرف ..هل هو سمة عامة للعرب ؟

عمرو اسماعيل

2004 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


المراقب والمتابع للنقاش الدائر الآن في الصحف ومواقع الانترنت وحتي في الشارع السياسي والثقافي في العالم العربي يلاحظ غلوا شديدا في التعاطي مع الاحداث أو الاشخاص او المراحل التاريخية .. غلوا في التأييد وغلوا في الاستنكار .. غلوا في الحب لقادة سابقين او حاليين وغلوا في الكره لهم .. غلوا وتطرف في التدين لدرجة الذبح والنحر باسم الدين .. وغلوا في الاستهتار والعري في الفن .. حتي افلامنا ومسلسلاتنا التاريخية عندما تعرض تاريخ بعض ابطالنا او حتي نجومنا .. تغالي في أظهار الحسنات و أخفاء الهنات .. مما يقلل من مصداقية هذه الاعمال لانها تتعامل مع البشر وكأنهم ملائكة لايخطئون .. رغم ان الحقيقة الانسانية البسيطة تقول أن الكمال هو لله وحده وأن العمل و الانجاز لايعني اطلاقا عدم الوقوع في الاخطاء .. وأن الخطأ الانساني حتي لو كان ناتجا عن بعض النوازع البشرية التي لا يمكن أنكارها كالرغبة في السيطرة أحيانا أو الشهرة أو القيادة لايعني أطلاقا الخيانة أو العمالة للشرق أو الغرب .
ولعل من أقوي ألامثلة لهذا الغلو هو تعاطينا في مصر خاصة والعالم العربي عامة مع عهدين حدثت فيهما الكثير من الاحداث التي ما زالت تؤثر فينا الي الآن وهما عهد جمال عبد الناصر وعهد السادات .. ومشاعرنا نحو الزعيمين هي أما غلوا في الحب والتأييد أو غلوا في الكره والمعارضة .. ونجد أوصافا مثل الخيانة او اتهامات العمالة تتطاير في أي مقال او دراسة عن أي منهما.
الحقيقة البسيطة التي لا نستطيع أن نراها أن كلاهما كان مصريا أحب وطنه وحاول من خلال نظرته للأمور والظروف المحيطة به السياسية والاقتصادية والخلفية الثقافية والعائلية .. وان كلاهما أخطأ واصاب وهذا لا يعني اطلاقا ان اي منهما خائن أو عميل سواء للغرب او الشرق ..
لقد كان عبد الناصر مهموما بالاستقلال وأعطاء الغلابة حقوقهم واستطاع ان يكسب حب وقلوب غالبية الشعب المصري والعربي وأنا من هؤلاء .. بل وازيد ان الكثيرين في مصر من أثرياءها ونجوم المجتمع فيها وبعضهم ممن يهاجمونه بضراوة الآن يدينون له فيما وصلوا اليه ..لان عبد الناصر أعطي الجميع الفرصة للتعليم والابتعاث للخارج للحصول علي أعلي الشهادات دون النظر الي الاصل الاجتماعي .. والواسطة والمحسوبية كانا الي حد كبير في ادني درجة لهما بالقياس الي كل عهود مصر الحديثة السابقة واللاحقة لعهد عبد الناصر .. ولكن هذا لايعني اطلاقا ان عبد الناصر لم يخطئ او كان ملاكا .. لقد انحاز عبد الناصر الي العدالة الاجتماعية علي حساب الحرية والديمقراطية مما أتاح حدوث أخطاء لم يستطيع أن يراها ببساطة لانه لم يكن هناك من يقول له اين الخطأ وكيف يمكن تلافيه مما أدي في النهاية الي كارثة 67
ورغم ان عبد الناصر حاول في المدة التي أتاحها له القدر بعد هزيمة يونيو وحتي وفاته اصلاح بعض الاخطاء التي أدت الي هزيمة 67 والمجهود الذي بذله في محاولة الاصلاح ربما كان مسئولا عن وفاته المبكرة ولكن الحقيقة التاريخية التي لايمكن أنكارها ان عبد الناصر ونتيجة لسياسات خاطئة أهمها تبني نظام حكم شمولي هو المسئول ألاول عن هزيمة يونيو .. ولكن هل يعني هذا ان يغالي البعض في كراهيته كما يغالي البعض في حبه .. بالطبع لا بل يجب ان ندرس وبعد هذه الفترة الطويلة تجربته ونستفيد من نجاحاته ونتلافي أخطاءه.. قد يحبه البعض منا ويكرهه البعض ولكن سيظل عبد الناصر وعهده يمثلان مرحلة هامة من تاريخنا الحديث فيها الكثير من الجوانب الايجابية والكثير ايضا من السلبيات.
وما ينطبق علي عبد الناصر ينطبق علي السادات .. فقد يكون هناك من لا يوافق علي سياساته وبعض قراراته وأنا منهم .. ولكن هذا لا يعني أطلاقا اتهامه في وطنيته أو اتهامه بالعمالة لآي جهة كانت .. فالحقيقة التاريخية ستظل أنه كان عضوا في قيادة الثورة ورفيقا لعبد الناصر ونائبا له ثم رئيسا لمصر وانه من قاد حرب اكتوبر وان مصر استعادت سيناء في عهده ..قد يكون للبعض منا تحفظاته علي معاهدة كامب دافيد .. ولكن هذا لن ينفي الحقيقة التاريخية أن السادات ضحي بحياته في سبيل ما كان يراه من وجهة نظره صحيحا وانه أخطأ واصاب ولكن خطأه الاكبر كان مشاركا فيه عبد الناصر وجميع حكامنا بلا استثناء بل وايضا شعوبنا وهو اننا جميعا في الحقيقة تحركنا ثقافة الدكتاتورية ونعشق نظم الحكم الشمولي تحت مسميات عديدة قومية كانت او يسارية ..دينية كانت أو يمينية .. نتشدق بالديمقراطية ولكننا لا نمارسها لا في حياتنا ولا أماكن عملنا ولا حواراتنا ولا حتي داخل منازلنا .. نغلو في حبنا وكراهيتنا ليس فقط مع عبد الناصر او السادات ولكن مع صدام وبن لادن وغيرهم .. نرفع من نحبهم الي مقام القديسين مهما ادعينا العكس ونخسف بمن يختلف معنا في الرأي أو التوجه الفكري او السياسي الارض وندوسه بالنعال .. اتهامات العمالة والخيانة والكفر والزندقة وانضمت اليها تهمة جديدة اسمها العلمانية جاهزة لكل من يخالفنا في الرأي .. نتحاور بكلمات مثل طلقات الرصاص توطئة لاستعمال الرصاص نفسه .. نسرع بالاتهام والقذف رغم أن الله ورسوله قالوا لنا الا نتهم بدون بينة ورغم ان ديننا قد عاقب علي القذف وحد عليه .
لماذا الغلو والتشدد في المشاعر والتأييد والمعارضه والحوار رغم ان الله خلقنا مختلفين واي أمة في الدنيا سيكون فيها دائما وسطا ويمين ويسار وانه لا يوجد من البشر من هو علي حق دائما .
لقد كتبت من قبل تعبيرا عن اعجابي بالمناظرات التي تمت بين بوش وكيري ورغم حجم الخلاف بينهما فقد تصافحا في النهاية وارتضيا حكم الشعب عليهما ولم نسمع ان أحدهما ادعي ان الآخر عميلا او زنديقا .. ورغم ان كلامي كان واضحا وليس فيه أي تأييد لأمريكا أو لاي من بوش او كيري ولكنه اعجاب بالنظام الديمقراطي الذي اتاح أجراء هذه المناظرة .. ولكن كالعادة انطلقت في وجهي طلقات الرصاص المعتادة .. هل الغلو هو سمة لنا .. لا أدري ولكن في النهاية ورغم أخطاء كل حكامنا السابقين والحاليين وعلي راسهم عبد الناصر والسادات .. فلا يمكن اتهام اي منهم بالعمالة او الخيانة او التقليل من وطنيتهم .. ولكن يمكن القول بعدم كفاءة البعض لادارة شئون الدولة .. والاهم القول بسيطرة ثقافة الديكتاتورية عليهم .. ولكن ان كان هذا اتهاما فهو اتهاما يطولنا جميعا بلا استثناء شعوبا وحكاما .. أحزاب حاكمة ومعارضة .. انه الغلو في كل شيء رغم اننا نكرر ليل نهار ان الله خلقنا أمة وسطا .
أتمني الا يكون كلامي فيه غلوا ولكني في النهاية لست سوي نتاج هذه الثقافة ..!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما