الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحي ما حدث في تونس و مصر أو اختلال العلاقة بين عنف الطرف الحاكم و استكانة الخاضعين لسلطته

يوسف نكادي

2011 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


من وحي ما حدث في تونس و مصر
أو
اختلال العلاقة بين عنف الطرف الحاكم و استكانة الخاضعين لسلطته




لاشك أن ما وقع في تونس و مصر من احتجاجات، تحولت إلى انتفاضات ثم إلى ثورات عارمة، يعني أن شرخا عميقا حدث في علاقة القوى الشعبية في القطرين بالأطراف التي كانت تحكمها.
أستحضر و أنا أقول هذا الكلام وجهة نظر موريس ﯕودوليي (Maurice Godelier) عن العنف وعن القبول بالخضوع (le consentement) التي أوردها في مؤلفه : "الفكراني و المادي" (L’idéel et le matériel, Paris, Fayard, 1984).
و ملخص وجهة النظر هاته هو أن السلطة المهيمنة تقوم، في جميع الأزمنة و في جميع الأمكنة، على عنصرين متلازمين يمدان تلك السلطة بالقوة و هما : العنف و القبول بالخضوع، أو ما أصطلح شخصيا على تسميته باﻹستكانة (le consentement). و يميل ﯕودوليي إلى الاعتقاد بان العنصر الأكثر تأثيرا في هذين الزوجين لا يتمثل في العنف الذي يمارسه الطرف المسيطر،و إنما في استكانة القوى الاجتماعية الخاضعة له. و الحصيلة هي أن العنف، أو ما يشاكله من طغيان و جبروت، ليس هو الذي يساعد الطرف المسيطر على ممارسة السلطة و السيادة، و إنما اﻹستكانة التي تبديها القوى الخاضعة و استعدادها للتعاون. لتسهيل مأمورية المسيطر.
و مما لا شك فيه، أن هذا الأمر ينطبق على تونس و على مصر ما قبل الثورة. فقد ظل الطرف المسيطر يمارس السلطة (القائمة على العنف الظاهر حينا و الخفي أحيانا أخرى) لمدة عقود من الزمن؛ و ظلت القوى الشعبية الخاضعة له مستكينة و متعاونة.
و رغم أن اﻹستكانة قد تكون في بعض الحالات مصطنعة و قد تكون مفروضة بالقوة حين يتعرض موطن مجتمع من المجتمعات للاحتلال الأجنبي، فإنها تتخذ في أغلب الحالات أشكالا تلقائية، كأن يستكين معظم النساء المتزوجات في العالم لسلطة أزواجهن، بغض النظر عن طبيعة سلطة أولائك الأزواج، التي تتراوح طبعا بين اللين هنا و التشدد هناك.
و في جميع الحالات، فان اﻹستكانة، بعيدا عن أن تكون مجرد قبول أو موافقة فردية أو جماعية سالبة، فهي موقف فاعل ناتج عن تربية و عن منظومة فكرية و ثقافية، هي بدورها وليدة فعل مستمر لمجموعة رجال و نساء قادرين على إعادة إنتاج مجتمعهم.
و الأهم من ذلك ربما، هو أن العلاقة بين العنف و اﻹستكانة ليست دائما علاقة ود و امتنان. و تكاد من هذه الوجهة تشبه العلاقة بين الزوجين. و لكي يسود الهدوء أطول مدة ممكنة بين العنف و اﻹستكانة، فان الطرف المسيطر يجتهد دوما لكي يظل التآلف قائما بين عنصري هذه الثنائية. و يندرج هذا الاجتهاد ضمن الوظائف اليومية التي يقوم بها الطرف المسيطر و هو يمارس السلطة و السيادة. و يكون هذا الاجتهاد مكثفا أحيانا و يخف أحيانا أخرى تبعا للظروف و المتغيرات الداخلية في البلد أو الحاصلة في محيط البلد؛ و معنى ذلك أن " لعبة شد الحبل " بين العنف و اﻹستكانة لا تختفي أبدا من رزنامة مهام الطرف المسيطر في هذا البلد أو ذاك، حتى و إن وصل هذا الطرف إلى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع و بتثمين من مختلف أطياف شعب البلد، لأن استخدام العنف ضرورة يتم اللجوء إليها حين تتراجع اﻹستكانة. و يتصاعد استعمال العنف حين يتحول تراجع استكانة القوى الخاضعة إلى رفض. و قد يتزايد تصاعدا حين يتحول الرفض إلى عصيان أو إلى انتفاضة.
و تستغرق الانتفاضة أمدا قصيرا من الزمن. و قد بطول أمدها أحيانا بفعل عوامل داخلية متصلة بالطرف المسيطر الحاكم أو متصلة بالقوى الشعبية المنتفضة ، أو عوامل خارجية متصلة بقوى أجنبية متدخلة في مجريات الانتفاضة. و يحدث أن تتحول الانتفاضة إلى ثورة حين تنجح القوى الشعبية المنتفضة في الإطاحة بالطرف الذي يحكمها. و تبدي القوى المنتفضة و هي تقوم بالثورة استعدادها للاستكانة لطرف "جديد" يمارس عليها السلطة و السيادة بعد نجاح الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و