الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة تحليلية عن دواوين الشَّاعر الأب يوسف سعيد 1

صبري يوسف

2011 / 4 / 25
الادب والفن


رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الشَّاعر الأب يوسف سعيد

بقلم: صبري يوسف

أخَذَتْ قصيدة الطُّفولة من ديوان (السَّفر داخل المنافي البعيدة) للشاعر الأب يوسف سعيد*، وقتاً مطوَّلاً منّي، وكلَّما كنتُ أقرأها كنتُ أجد شيئاً جديداً، وما وجدتُ نفسي إلا وأنا غائصٌ في عالم هذا الشَّاعر المتدفِّق شعراً، مستمِّداً رحيق أشعاره من عالم الطُّفولة الرَّحب تارةً، ومن عالم الحياة تارةً أخرى. أيُّ عالم شفَّاف هذا الّذي يغرف منه الشَّاعر توهُّجات شعره المتلألئ في الذَّاكرة البعيدة!
قصيدة الطُّفولة هي أشبه ما تكون بترتيلة الحياة، حياة الشَّاعر نفسه، إنّه يرغب عبر نصّه الشِّعري العودة إلى نقاء الطُّفولة، إلى الماضي الحميم، رغبةً منه في تجسيد هذا العالم المكتنـز بالصَّفاء ونزوعه إلى الحرّية، رغم قساوة الحياة الّتي عاشها! .. ومن خلال دراستي وتحليلي لهذه القصيدة، تبيّنَ لي أنَّ الشَّاعر أسقط بين ثنايا نصّه دلالات فكريّة وحياتيّة واجتماعيّة ورؤاه الكثيفة في الحياة وموقفه منها دون أيِّ تحفُّظٍ وكأنّه يتلو في حالة انتشاء ترتيلته المفضّلة من أخصب وأنقى محطّات عمره، حيث يبدو واضحاً أن الشَّاعر كتب قصيدته بكلِّ مشاعره وأحاسيسه وأحلامه ودمه وأعصابه، فهذه القصيدة هي أنشودته الروحانيّة الشَّفَّافة، والّتي انبثققَت من نقاط دمه، حيث يقول:
" أتركُ نقاط دمي على جوانب محبرة،
بعض هذه النِّقاط انساب كدهنٍ مهراق، ....
أشيِّدُ أعشاشاً لطيورٍ مصنوعة من دم الكلمات" ..

وهناك أمثلة كثيرة تشير إلى أنَّ الشَّاعر ملتحم بكلّ مشاعره وأعصابه ودمه مع بناء القصيدة، فيعلنها صراحةً ويقول:
" هذا العالم أعصابه من دماء الشِّعر، ..."

طرح الشَّاعر موضوع الحرّية، ويبدو أن الشَّاعر يتوق توقاً عميقاً إلى الحرّية والتَّسامي والارتقاء والتَّأمُّل، وهذه الخصائل تشتركُ مع بعضها في مسألة صفاء الرُّوح ونبلها وسموِّها، حيث يقول:
"نفسي وهي في انتعاشتها المتسامية تحتسي شوقاً من مياه ينابيعها".
" جدائل ليلي قرب ساقية تروي شجرة التَّأمُّل" ..
" نسوةٌ قرب سريري يحدثنني عن هلاكي المؤجّل،
بينما أراقبُ كوكباً كبيراً، متمنِّياً الارتقاء إلى دياره،
هل في أحواضه السَّماويّة زنابق من نوع ٍآخر؟!" ..

هناك توق شديد لدى الشَّاعر للارتقاء والسُّموّ نحو أحضانِ السَّماء، وقد تلوَّنت شفافية روحه بهذا النزوع نحو عالم السُّموّ والارتقاء، ربّما لكونه أبّاً روحيَّاً، عمل أكثر من نصف قرن من الزَّمن في عالم الكهنوت وما يزال (يمارس طقوسه الكهنوتيّة رغم تقاعده عن العمل)، جنباً إلى جنب مع عالم الشِّعر، المتعطِّش إلى سماء القصيدة، سماء الرًّوح، سماء الإبداع، سماء الأب يوسف سعيد، وسماؤه لها نكهة خاصّة، نراها مطرّزة برحيق الكلمة، المتطايرة من تعاريج الحلم!.. مستمدّاً من رحاب رؤاه الحلميّة بناءً مختمراً في ذاكرة الشَّاعر التواّقة إلى مزج الواقع بالحلم والخيال فتأتي القصيدة متفرٍِّدة في بنائها وأسلوبها، حيث يقول:
" انّي أستيقظُ في ظهيرة النَّخيل،
أبحث عن مدنٍ متعرِّجة القلب، ...
انّي أحلم برائعِ نسكي،
وتصوُّفي أرجوزة خالدة" ..

" يوميّاً دجلة مع سرادقهِ البيضاء ينام في سفوحي" ..
"أحلم أن أنام على عتبات من مصاطب المرمر" ..
" كنتُ وحيداً مع أحلامي " ..

إنَّ ما يميِّز أسلوب الأب يوسف سعيد عن غيره من الشُّعراء هو عفويته في الكتابة ودمج نزوعه الصُّوفي الشَّفّاف مع رؤاه السُّورياليّة النابعة من تراكمات الحالات الحلميّة، ورؤاه المستمدّة من تجربته الحياتية الفسيحة في عالم الكلمة، حيث يقول:
" يخرج حلم المجدليّة من أحلامي" ..
"..ترشقني سهام الأحلام" ..
"وحدها الفراشات تستريح على أجنحة البرق" ..

هذه الصُّورة الشِّعريّة تحمل بُعداً عفويّاً مجنّحاً في عالم الإبداع! .. مع العلم أنّ الفراشات لا يمكن أن تستريح على أجنحةِ البرق، ولكن طالما ارتأى الشَّاعر أن يقول ذلك، فما علينا إلا أن نسمعَ إليه، دونما أن نناقشه في كيفيّة بناء هذه الصُّورة الغرائبيّة، لئلا نجرح أحاسيس (فراشات) الشَّاعر، لأنّه كما أنَّ للشاعر حساسيّة أدبيّة من نوع خاصّ، كذلك لفراشاته استراحات من نوعٍ خاصّ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الفلسطيني الكبير كامل الباشا يكشف لحظة حصوله على جائز


.. جدول ليالي مهرجان الموسيقى العربية?? #معكم_منى_الشاذلي




.. استقبال خاص من منى الشاذلي للفنان كامل الباشا الممثل العربي


.. محمود حميدة بصحبة ابنته في حفل افتتاح مهرجان وهران للفيلم ال




.. في ليلة لا تُنسى.. أوركسترا الموسيقى الغنائية تُشعل أجواء مس