الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السقطات

زياد شاهين

2011 / 4 / 26
الادب والفن


السقطات زياد شاهين-دالية الكرمل-حيفا
(1)
حصار الغضب
جمراتُ الغضب التي تتأججُ في داخلي غير قابلةٍ للإنطفاء، أغضبُ كثيراً، سريعُ الاشتعال أنا مثل الشوك اليابس في الطبيعة اليائسة ، أحياناً يبدو لي سلوكَ الحمام وتهديلـَهُ المتراكم فوق نافذتي صباحاً لأنني أعود مع الفجر ، مصدراً لإشعال غضبي وأحياناً أخرى قسمات السائق البارد مثلاً وهو يتضاحكُ مع زميله في الطريق غير آبهٍ لضوضاء طابور السيارات الواقفة إجلالاً لـه ، وأحياناً لا أدري لماذا أغضبُ ، أغضبُ كثيرا، فأشتمُ أو لا أشتمُ ، أو أرسلُ يدي ، مثلآً ، لا شعورياً ، إلى علبة السجائر وأشعلُ واحدةً من أخرى على الطريقة النزارية ، عادةٌ سيئة ، أعرفُ ، كي أطفئَ لظى القلب خلافَ ما يقولُه الخيامُ في رباعياته ، او أهربُ إلى شهد الخيار الذي أدمنـتـُهُ : المقهى ، كأس النبيذ أو كأس البيرة المثلجة مثل مستقبل الحضارات الغارقة في فضاءات الحرب والنار.
(2)
الشخص الغريب
ما زلتُ أنتظرُ أمام الطاولة، المكانُ مزدحمٌ ،والأحاديثُ والضحكاتُ تطفو على سطح الموسيقى مـداً وجـزراً ،وأنا أحدقُ في الفراغ الصاخب ، ألمحُ هناك في الركن البعيد ، شخصاً ما يصوّبُ نظراتـِه إلي ، اكتشفتُهُ فجأة ، ربما أعرفـُهُ ؟! لا لا أعرفُـهُ، أدخلُ في حوار ذاتي شائك ، لماذا كل هذه النظرات الشرسـة ؟ من هو هذا الشخص الذي يغتصبُ وحدتي ، وأخيراً كأسُ البيرة، شكراً شكراُ أيتها النادلة الشقراء الجميلة ( سأختصرُ وصفَ النادلة حفاظاً على عقول أصحاب القرار ، وحفاظاً على ملوك العرب ، وعلى صاحبي ومحبي الثروات الطبيعية وقطاعي الطرق والاثرياء ) التدخينُ ممنوعٌ ، لا بأس ، سأحتسي قليلا من البيرة .
(3)
خصال رديئة
هذا الشخص ما زال يطلقُ رصاصَ نظراتـِه إليّ ، لماذا ؟!! ، أنا مواطنٌ بسيطٌ وصالحٌ ونقـيٌ دمـي ، لم أسلكْ يوماً درباً ملتوية ، لم أشتمْ أحداً ، لم أشاركْ في الانتخابات والنقاشات السياسية ، حتى أنني أذكرُ ، نعم أذكرُ أنني لم أشاركْ في مظاهرات ضد مصادرة الأراضي وضد الاحتلال ، لم أخرجْ مع الشيوخ الابطال والنساء والاطفال إلى هناك ، إلى السهول والطرقات الغاضبة ، ولم أتعاركْ مع رجال الأمن ، ولم أستمعْ إلى أصوات بعض السياسيين الانتهازيين ، ولم أتدخلْ في النقاش ، كيف أحترق الكرمل ؟! يا كرمل يستأصلونَ قمـرَكَ ،هذا عنوانُ القصيدة الصارخ وعنوان حيواتنا ،أنا مواطنٌ أغضبُ كثيراً ،أحتدمُ ويتعالى الدخانُ القاتمُ من قمة رأسي ، هذه إحدى خصالي الرديئة المتجذرة في عقليتي ، لا .. ليس في ثقافتي.

(4)
Take it easy
كأسُ البيرة المثلجة ، كيف تحررتْ من يدي كأسُ البيرة وقفزتْ وسقطتْ سقطتْ على الأرض ، على حين غرة ، ماذا حصلَ ؟ هزةٌ كونية ، يا للهول ، تناثرتْ الكأسُ أشلاءً أشلاءً وتداخلَ دويُّ انفجارها بالقهقهات وبالصيحات ، Take it easy ! ، سأحضرُ لك كأساً أخرى ، صوتُ النادلة الناعم ، حتى اللغات الأخرى مهجنةٌ ومتداخلة ، اللغة العربية عبرية ، واللغة العبرية انجليزية ، واللغة الانجليزية عربية وعبرية ،ماذا لو تكلمَ العالمُ برمتـِهِ لغةً واحدةً ؟! الاحتمالُ أن تتحققَ هذه الأمنية فقط في الجنة، أو في جهنم ! ماذا سيتحدثون هناك في الجنة أوفي جهنم ، أية لغة ، هل هناك لغةٌ جنيـةٌ ولغـةٌ جهنمية ؟!
(5)
النادلة الجميلة
هذه النادلةُ الجميلةُ تبتسمُ وتكررُ جملتـَها بكل اللغات ، وأنا أبتسمُ في داخلي بكل لغات الابتسام وأختصرُ شهوةَ الحوار ، لأنني لا أستطيعُ أن اتقاسمَ سببَ ابتسامتي مع أحد ،لأن جملتها الانجليزية انحرفتْ عن مسلكها الطبيعي في القسم الثاني وتداخلتْ باللغة العربية ، وتبدلتْ الحروف ، ليتها تتبدلُ أيامي وأحزاني .
هذا ما سمعتُ ، وابتسمتُ وحبستُ غبطتي في داخلي كأنني أخفي كنزاً نادراً وبادلتني الابتسام هذه النادلةُ التي سلبتْ عقلَ وقلبَ صديقي في الأسبوع الماضي ، وحسب تصريح صديقي المغرم ، أنها تستطيعُ أن تسلبَ كلَّ ما يملكُ لو تكرمتْ عليه هذه النادلةُ الجميلة بنظرة وابتسامة ولقاء ، هو لا يملكُ شيئاً ، يملكُ أو لا يملكُ ، السؤالُ الذي يُـطلقـُـهُ قوسُ المشهد المتوتر: يا أيها العالم ، هناك شخصٌ في الركن البعيد ، يدميني بنظراته ، لم أعرفـْهُ ، لم أشتمْهُ ، لم أصادقْ شقيقـَـته ، لم أضايقْ صديقته ، لم أقابلـْـهُ يومـاً .
(6)
السقطة
في فندق هيلتون في "طابا "، عندما كنا نستعدُّ لإحضار وجبة الفطور ، أنا زوجتي ابني وابنتي ، تناولتْ ابنتي صحنـاً واندفعتْ لتملأه بما لذًّ وطابَ من أنواع الأطعمة العصرية ، وعندما عادتْ إلى حيث نحن ننتظرُ بفارغ الجوع ، وسط الازدحام الشديد ، دفعَها غيرَ قاصدٍ أحدُهم فتحررَ من بين يديها الصحنُ الأنيقُ المدججُ بالأطعمة العصرية ، وسقطَ سقط وارتطمَ بأرض المطعم ، فأسرعَ أليها النادلُ القريب ، وبلغته المصرية الجميلة ،القريبة من القلب ، طيّبَ خاطرَها ورافقها حتى المائدة وأحضرَ لها ما تريدُ وأكثر ، يومَها لم يسعـْـني العالمُ من شدة فرحي ، وقررتُ أن أكسرَ رخامَ يميني أن لا أعودُ إلى "طابا " بسبب نقطة العبور المصرية ، وبعض الموظفين وتعاملهم الغريب مع الزائرين العرب ، النادلُ المصريُّ يحدثني عن ضيق العيش وعن الصراع في كسب لقمـة معيشته ، ويتساءلُ وأتساءلُ لماذا هذا الفقر الشديد ؟
(7)
أبن الساقطة
كأسُ البيرة ، سأحتسي قليلاً ، ما هذا التواردُ السقوطي في هذه الظروف الضبابية ، الكل يسقطُ يسقط يسقط ،الكأس تسقطُ مني ، الصحن يسقطُ من ابنتي ، صديقي يسقط في حب النادلة الشقراء، زين الدين العابدين سقط يسقط من تونسه، حسني مبارك سقط يسقط من نيله، ملك الملوك سقط ينتظرُ السقوط من ليبياه، الأغلبية الساحقة من الملوك والرؤساء يقفون في طابور التاريخ ، ينتظرون السقوط ، سواسية كالأسنان المسوسة ينتظرون الخلعَ والسقوط ، سيكتبُ الشعراء : تبارك السقوطُ ،تنبؤاتُ المفكرين وهواجسُهم عن أسباب السقوط ، ما بعد السقوط ، ما قبل السقوط ، أنواع السقوط ، أعراض الحمل والحلم والسقوط ، الركن البعيد .. الشخص البعيد .. السقوط القريب ، ماذا يريد مني إبن الساقطة ألذي يجلسُ هناك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل


.. كلمة أخيرة - شركة معروفة طلبت مني ماتجوزش.. ياسمين علي تكشف




.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب