الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة تحليلية عن دواوين الشَّاعر الأب يوسف سعيد 2

صبري يوسف

2011 / 4 / 26
الادب والفن


رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة
عند الشَّاعر الأب يوسف سعيد

2


.. هناك حضور قوي للمرأة في قصيدته، مؤكّداً على أهميّة المرأة في حياة الإنسان من جهة، وإلى حاجة الإنسان للمرأة عبر العصور من جهةٍ أخرى!.. وقد طرحها عبر تساؤلات:
" هل ستأتي امرأة الحيّ إلى ديارنا؟
وهل في سلّةِ أحلامها عناقيد من عنب أو تفّاح أخضر؟
هل سترقص قرب سرير من الجوز؟" ..

وللشاعر موقف جليل تجاه الشُّعراء ويعتبرهم حكماء هذا العالم:
" .. ايُّها الشُّعراء أنتم حكماء العالم" ..
" مَنْ يقتلُ شعراءنا، يحذفُ مليون حكمة من دفاتر الشَّرائع" ..

ويعتبر الشَّاعر أنّ الشِّعر هو بمثابة روح الحياة، حيث يشبِّه العالم بإنسان، وهذا الإنسان (أعصابه من دماء الشِّعر).. إنّ حبَّ الأب يوسف سعيد للشعر والشُّعراء، جعله أن يضع الشَّاعر في مصافّ الحكماء والمشرِّعين، واعتبر الشِّعر عصب الحياة في هذا العالم:
"أعلنها صراحةً: هذا العالم أعصابه من دماء الشِّعر" ..
ونستشفّ من هذه الأمثلة أنَّ الشَّاعر لديه موقف تجاه نفسه كشاعر واتجاه الحياة كوجود، وموقفه تجاه نفسه هو أن يكون حكيماً يحمل بين جناحيه رحيق الشَّريعة والحكمة ليقدِّمها للحياة والوجود، وهناك نزوع ورغبة داخليّة في أعماق الشَّاعر للالتحام في الحياة، في هذا العالم الّذي يعيشه.
حملت قصيدة الطُّفولة بين ثناياها هموم الغربة وهموم الحياة، وهذه الهموم هي اِمتدادات لعذابات الطُّفولة وتشرُّدها، حيث عاش الشَّاعر طفولةً قاسية، ذاق خلالها مرارات التشرُّدِ والفقر، لكنّه مع كلّ هذا حافظ على نقاوته منذ الطُّفولة:
" لا شيء في حياة هذه الطُّفولة،
سوى ممارسة التشرُّد،
ماشياً بلا زوجين من الأحذية،
ومن فرط الانشقاقات في قميصي،
الشَّمس تغزو جسدي .." ..

إلا أنَّ الشَّاعر (الطُّفل) ما كان يهتمُّ بمسألة الفقر وما كانت الانشقاقات في قميصه تشكِّلُ له مشكلةً حتّى ولو غزَت الشَّمس جسده .. لقد كان يوسف سعيد (الطُّفل) كما يرسمه الشَّاعر، يحلم برائحة الكباب والطّرشي المطجن ولكنَّه كان أكثر سعادةً منهم (أي من الأغنياء)، لأنّه كان يستمدُّ سعادته من حرّيته وتجواله في غابات المدينة ويصوِّر لنا الشَّاعر هذه المواقف بوضوح في قصيدته حيث يقول:
" الموصل العذراء تعرف جيّداً كم كنتُ أعاني الفقر.
مراراً مارستُ طقوسه في سبوتي اليتيمة،
أمخرُ في عباب مياهِ الكنائس،
ومع هذا كنت أحلم برائحة الكباب والطّرشي المطجن،
لكنّني في تشرُّدي كنتُ أكثر سعادةً منهم،
كنتُ حرّاً في الظَّهيرة المحرقة،
أسوح في غابات المدينة" ..

إنَّ يوسف سعيد (الطّفل)، يحمل خصائص يوسف سعيد الشَّاعر، ويبدو من خلال تصوير الشَّاعر لطفولته، أنّه كان ينـزع نزوعاً عميقاً نحو الحرّية وهو طفل، وكان يحبُّ السُّموّ فوق المادّيات، مفضِّلاً مشاهدة الطُّيور في الحديقة عن لذائذ الطَّعام وكلّ هذا يشير إلى أنّ نفسيّة يوسف سعيد (الطّفل) كانت راقية وسامية بالرَّغم من الفقر الذّي كان يعانيه، وهذه إحدى الدَّلالات الّتي تشير إلى أنَّ الشَّاعر ما كان يهتم بمادّيات الحياة منذ نعومة أظفاره، وتبدو لنا مواقفه مجسّدة من خلال المقطع التَّالي:
" .. ربّما تلك القيلولة عادة مكتسبة في الظَّهيرة،
تناول الأغنياء غذاءهم الدَّسم من مقاصفهم.
أغزو موائدهم ببراثن جوعي،
أحياناً أنظر خلسةً،
آكلُّ سريعاً من مقاصفهم،
أتناول فتاتهم فقط، ثمَّ أهرع إلى برّية المدينة،
راكضاً وملاحقاً أسراب القبّرات وأعودُ أدراجي،
وقد نسيتُ لذائذ تلك المناسف،
مراقباً الطُّيور في الحديقة الوحيدة .." ..

إنَّ تفضيل يوسف سعيد (الطّفل)، مراقبة الطُّيور، عن لذائذ الطَّعام ينمّ عن وجود خصوصيّة مزاجيّة تقترب إلى عالم فضاءات الشِّعر والحرّية. ولو اهتمَّ منذ الطُّفولة بالمادّيات، لأصبحت هذه الاهتمامات في مقتبل الأيام على حساب حساسيته الشِّعريّة، ولكنّه لم ينجرف إلى عالم المادّيات رغم قساوة طفولته، لهذا حافظ على نقاوة ذاته الشِّعريّة، ويبدو لي أنّ يوسف سعيد (الطّفل)، كان في داخله شاعراً، وذلك من خلال سلوكه وتوقه إلى عالم الطُّيور والبراري الفسيحة، تاركاً خلفه لذائذ الطَّعام ومادّيات الحياة، مركِّزاً ومستمتعاً بمباهج الطَّبيعة. وعندما شبَّ الشَّاعر عن الطَّوق، وبدأ يمارس رسالته الكهنوتيّة، نراه يمارس (نزوعه الطُّفولي النقيّ)، حيث لم يجده أحد طوال رسالته الكهنوتيّة الّتي امتدّت أكثر من نصف قرن، أن قَبِلَ عرضاً ماليَّاً خلال قيامه بأعمال أكاليل الزَّفاف، والعماد ومراسيم التَّأبين والدَّفن والقائمة طويلة في المهمّات المترتِّبة عليه، على عكس رجالات الدِّين الآخرين، الّذين ما كانوا يتوانون دقيقة واحدة عن استلام الهبات الّتي كانت تُقدَّم إليهم، بل غالباً ما كانوا يبدون امتعاضهم لو كانت الهبة المقدّمة إليهم قليلة، لا يضعون بالإعتبار فقر الآخرين أو ظروفهم القاسية، لهذا نرى أنّ الأب يوسف سعيد حالة استثنائية نادرة في عالم اليوم!..حيث تحوَّلت العلاقات إلى عالم مادّي بغيض، إلا أنَّ الأب الشَّاعر كان بمنأى عن هذا العالم، ترك لذائذ الطَّعام منذ الطُّفولة، واتّخذ من القلم رايةً له غير مبالٍ بمادّيات هذا العالم على الإطلاق!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو