الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التمثال لا يسقط منفرداً
جمال علي الحلاق
2011 / 4 / 26اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ما يهمني من كلّ ما يحدث في العراق والوطن العربي من أقصاه الى أقصاه ، هو هذا ( المزاج الجديد ) للتغيّر والتغيير داخل بنية العقل ، هو هذه القدرة على طرح السؤال .
الذات ليست مدانة ، بل النظام المعرفي الإجتماعي ككل .
***
مزاج جديد للرؤيا ، أشبه بمجسّات جديدة ، تتحسّس العالم والحياة بشكل آخر ، رغبة عارمة للخروج من الأطر التي تحجّم القدرة على التفكير ، وتعيق الحركة .
***
كما لو أنّها لعبة شطرنج .
الشعوب الآن تتحرّك بتلقائية جميلة ، تلقائية بإيعاز داخلي جداً ، الفرد العربي – ولأوّل مرّة - يقترب من ذاته حدّ الإلتصاق بها ، لأوّل مرّة يمتلك الإحساس بالأنا ، الأنا المنفتحة على الآخر .
وبالتأكيد فإنّ الرؤساء والملوك ، البقايا الرثّة لزمنٍ رثٍّ ، هم أضعف أحجار الشطرنج الآن .
***
عندما يسقط حجرٌ لتمثال ، نسمع صدى دوّيٍّ متتالٍ لانهياراتٍ هنا وهناك داخل بنية المجتمع ككلّ ، إنّها انهياراتٌ لكلِّ ما يمكن أن يستتنسخ الرتابة والجمود . هكذا ، التمثال لا يسقط منفرداً .
***
أنظر الى القتل في ليبيا وسوريا واليمن والبحرين والعراق أيضا ، أرى الدماء على الشوارع ، والأرصفة ، والحيطان ، أرى الدماء تحلّق ، وأراها تعوم أيضاً ، الدماء هي كلّ ما يمكن أن تقدّمه الحكومات الآن لشعوبها ، ومع هذا فالقضية أكثر سعة من تغيير المالكي أو بشّار أو معمّر وعلي ، القضية أكبر بكثير من تغيير ملك البحرين أو ملك الأردن ، هناك رغبة تنمو لكنس الثقافة المتوارثة التي تُغذّي هذه الأنظمة ، وهذه الطواطم ، الشركات الداعمة ورؤوس الأموال .
***
المزاج الجديد ، في الرغبة ، في مواصلة الإحتجاج ضدّ تعليب العقل أو تأجيله ، ضدّ إستهلاكية العقل عبر ترديدات ببغائية مجوّفة ، دينية ، حزبية ، عرفية .
***
يولد العربي داخل بواتق عديدة بعضها داخل بعض ، إبتداءً من بوتقة العائلة ، فالدين ، فالحزب ، فالمجتمع ، فالدولة ، كلّها جميعاً تصبّ في نفس المجرى .
التعليم الحكومي ، التربية المنزلية ، النظام الإجتماعي ، كلّها أشكال مختلفة تنتج نسقاً إجتماعياً واحداً .
الحرام ، الممنوع ، غير الجائز ، العقاب ، الإهانة ، التشهير ، كلّها مفاهيم إجتماعية تجعل الفرد يتقنفذ ، تقتل لديه حسّ المبادرة .
النظام الإجتماعي بأكمله قائم على إجهاض أيّ إحساس بالتفرّد ، أيّ إحساس بالخصوصية .
***
تتمّ قراءة التفرّد بغباء مطلق على أنّه أنانيّة ، وليس حياةً خارج نطاق الرقابة الحكومية ، والتدخّل العائلتي ، وخارج نطاق ثقافة الفضول الإجتماعي .
هناك إصرار متواصل بشكل بكتيري على كمّ الأفواه ولجم العقول النافرة ، ومع هذا يتمّ التبجّح داخل كلّ البواتق الإجتماعية بانّها مع السؤال ، وبأنّها مع التفكير ، وبأنّ العقل العربي في جوهره إحتجاج ضدّ العنف والفقر والجهل وهلم جرّا .
***
أحدهم يحاول الآن أن يهشّم زجاج البواتق كلّها بضربة واحدة ، هكذا ، يحاول تحطيم الأبوّة الزجاجية ، أحدهم يستمع الآن لنبض حياته ، يستمع لحركة الماء في الأغصان والأوراق ، أحدهم يحاول الآن ، هو أنت ، وهو أنا ، وهو الأخرون ، كلّنا يحاول إنتشال ما يستطيع من هذا الخراب الكبير .
***
إمرأة كبيرة السنّ تجعل من مسبحتها روزنامة تُحصي بها الأيام المائة لعطوة المالكي ، وتجعل من زيارة نصب الحريّة كلّ جمعة طقساً حياتيّاً جديداً . هكذا ، الناس تخلق طقوسها ، وتعلن إنتماءها لنبض الشارع ، للحياة .
***
رجل آخر ، وبعفويّة مطلقة يردّد : " الفيس بوك على كلّ ظالم " . الفيس بوك وليس الله . الفعل وليس التمنّي .
***
المزاج الجديد للشارع العربي هو بذرة تشكّل العقل الجديد ، عقل قائم على هدم التوريث ، توريث الماضي ، توريث السلطة ، توريث الجهل ، القمع ، العنطزة ، والأنا الفارغة .
لن أكون حالماً ، فالطفرات الاجتماعية لا تحدث بغتةً ، ولا تأتي إعتباطاً ، لكن ، ما أعرفه ، وما أراه بوضوح ، أنّ الشعوب العربية قد تجاوزت نقطة الصفر ، عبرت حدود الخطوط الحمراء ، لقد وضعت أقدامها أخيراً على أرضية النفق الذي ينتهي بضوء .
إنتهى زمن المشي في أنفاقٍ غير نافذة .
***
أرى وأفرح ، ضوء الحريّة ، ضوء الإنفتاح ، ضوء التأقلم على الإحتمال ، التأقلم على وجود الآخر ، الآخر المنفتح أيضاً ، ضوء الخروج من وهم المعرفة المطلقة ، وهم الصنميّة ، وهم العبادات بكلّ أشكالها .
***
الإنسان حرٌّ ، وهو لونٌ لا يشبه الألوان الأخرى ، لون يجعل الحياة زاخرة بانثيالاتٍ قزحيّة ، ليست سواداً ولا بياضاً ، ولا حتى تدرّجاً رمادياً ، الحياة كتل ألوان هائلة تتفتّح ، ليس كعواصف ترابية تدفن المدن ، أو تحيلها الى مقابر ، بل تتفتّح مثل أفقٍ من الورد إحتجاجاً ضدّ القبح .
***
المزاج الجديد يعي تماماً أنّ الرؤساء والملوك ليسوا وحدهم من يؤثّث الخراب ، ويعي جيّداً أنّ التغيير ينبغي أن يكنس التفاصيل الجزئية كلّها . الملابس العتيقة وشمّاعتها .
***
لا جدوى من التشبّث أيّها الماضي ، إنّه جيل جديد يسخر بكلّ ما هو ثابت ، يستهزئ بكلّ ما هو جاثم مثل جبلٍ غثٍّ على العقول .
جيل جديد ، سأكون سعيداً لو تقبّلني كي أقف بين شبابه وأرفع لافتة التغيير ، سأكون سعيداً أن أحمل مكنستي أيضاً . المكنسة ليست ممحاةً ، بل فرشاة بألوان أخرى ، فرشاة تحاصر الفساد ، تجعله قبيحاً ، بل تجعله يشمئز بنفسه من قبحه ، وتجعل العقل ( العشائري / الطائفي / القومي ) تجعلهم جميعاً في سلّة واحدة ، تكشف عن ضحالة الرؤيا التي يحملونها للحاضر والمستقبل .
***
الجيل الجديد وحده ، خارج المراجع والأساتذة ، وحده يعيد صياغة نفسه وعقله ، وحده يعيد صياغة لغته أيضاً .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا
.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار
.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |
.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟
.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار