الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عباس المستعجل

نجيب المدفعي

2004 / 10 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


هناك حكاية تـُحكى عن قلة صبر العراقيين، لا أعرف مدى صحتها، تتناقلها الألسن ربما من باب التندر. تقول هذه الحكاية إنه في خمسينيات القرن الماضي و في إحدى المناسبات الدبلوماسية في لندن دار حديث مجاملة بين السفير الهندي و وزير الخارجية البريطاني. عندما سأل السفير الهندي الوزير عن السبب الذي دعا البريطانيين إلى منح العراقيين استقلالهم بعد سنوات قليلة، تـُعد على أطراف الأصابع، من احتلالهم للعراق، في حين أن شبه القارة الهندية بتنوع سكانها و سعة مساحتها لم تـُمنح الاستقلال إلا بعد عشرات السنين من الاحتلال البريطاني لتلك البلاد. فرد عليه الوزير البريطاني: سعادة السفير.. لا أستطيع الإجابة على سؤالك في هذا المكان.. و لكن إن كنت راغبا بالحصول على جواب، سأكون مسرورا لاستقبالك في مكتبي بالوزارة يوم غد في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر.
و فعلا تمّ الاتفاق على الموعد. و في اليوم التالي حضر السفير الهندي إلى مكتب الوزير قبل نصف ساعة من الموعد، و استقبله مدير المكتب و ضيّـفه عنده لحين حلول الموعد المتفق عليه.

بعد مرور حوالي خمسة و عشرين دقيقة دخل إلى المكان السفير العراقي في لندن و استقبله مدير المكتب و قام بما يستلزمه الاستقبال و أجلسه صحبة السفير الهندي. و بعد حديث مجاملة بين السفيرين تبيّن أن السفير العراقي على موعد ـ هو الأخرـ مع الوزير و بذات الوقت، أي الثالثة بعد الظهر. و عندما دقت ( بغ بن) معلنة تمام الثالثة دخل مدير المكتب على الوزير ليستأذنه في دخول السفيرين الهندي و العراقي. فطلب منه الوزير تأخير ذلك قليلا لانشغاله بشأن ٍ ما. و فعلا نقل مدير المكتب رجاء الوزير إلى ضيفيه. و بعد مرور خمسة عشر دقيقة طلب السفير العراقي من مدير المكتب تنبيه الوزير عن انتظاره لأجراء المقابلة. دخل مدير المكتب على الوزير و ليخرج للسفيرين مكررا نفس الرجاء بتأخير اللقاء قليلا مع اعتذاره لما يحصل. و بعد مرور خمسة عشر دقيقة أخرى كرر السفير العراقي طلبه على مدير المكتب و ليتكرر نفس السيناريو مرة أخرى. إلا أن خمسة عشر دقيقة ثالثة من الانتظار دفعت السفير العراقي للقفز من مقعده و قد بدا عليه نفاذ الصبر و الاستياء، و خاطب مدير المكتب قائلا: ليس لدي اليوم بطوله للانتظار.. إذا أراد السيد الوزير مقابلتي فهو يعرف عنوان السفارة العراقية. و غادر المكتب و مبنى الوزارة.

أما صاحبنا السفير الهندي فقد قبع في مكانه بكل هدوء منذ أن طـُـلـب منه الانتظار في المرة الأولى صحبة السفير العراقي. و بعد مرور عدة ساعات، كان الوزير قد أنهى عمله لذاك اليوم و عند مغادرته مرّ أثناء خروجه على مدير مكتبه و ليجد السفير الهندي جالسا بانتظاره، الذي هبّ واقفا و توجه إلى الوزير بالسؤال: هناك موعد مضروب بيننا.. و أنا أنتظر هنا منذ عدة ساعات.. فهل أبقى أنتظر أم نُجري المقابلة سيدي؟ فرد عليه الوزير: كنت قد سألتني يوم أمس عن سبب تأخير منح الهند استقلالها عن العراق، و الجواب أظنه صار واضحا لك اليوم. فالسفير العراقي لم يُطق الانتظار أكثر من ثلاثة أرباع الساعة، في حين مازلت أنت تنتظر منذ عدة ساعات. و هذا ما يجيب على سؤالك ( و الوزير يلمّح من طرف خفي إلى قلة صبر العراقيين). انتهت القصة.

الحكاية تـُروى من باب التندر على العراقيين و مدى استعجالهم و قلة صبرهم في كل شئ، مما يدفع بهم إلى حلول آنية و غير مدروسة تقود إلى نتائج غير محمودة، حتى عُرف واحدهم ب(عباس المستعجل). و الحكاية أعلاه تتجاهل ـ في الواقع ـ كفاح الأمة الهندية من أجل استقلالها، و التي يكفيها فخرا إنجابها لزعماء و قادة تـُضرب بهم الأمثال حتى صُـنـّف أحدهم بمنزلة الأولياء و الصالحين ألا و هو (المهاتما موهنداس غاندي). إن طول صبر و أناة الشعب الهندي و قادته في كفاحهم من أجل الاستقلال، جعل قاعدة الحركة المطالبة بالاستقلال تتسع و تتغلغل في شريحة واسعة جدا من الأمة الهندية، و بالتالي أفرزت قيادات و زعامات جماهيرية طوّرت، من خلال الممارسة، أسلوب عملها إلى تجمعات سياسية تتسم بالحرفية. و نجحت في وضع الأسس لدولة تقوم على نظام المؤسسات لا عبادة الفرد، رغم شيوع ديانات مختلفة في تلك البلاد، توصف العديد منها بالوثنية. لقد نجحت الهند في إنشاء ديمقراطية يشار لها بالبنان على أنها أكبر ديمقراطية في العالم.

فانضباط الشعب الهندي ـ في غالبه ـ و حكمة قادته أفرزا نظاما سياسيا حرا و ديمقراطيا. لقد نجحت هذه الأمة الخلاقة في إرساء دولة القانون رغم تعدد الطوائف و الأديان فيها، و التي تعتمل فيما بينها صراعات لم نرى لها مثيلا في تاريخ العراق. و رغم انتشار الفقر و الجهل في الهند إلا أن قادتها و بروح الجماعة نجحوا في دفع تلك البلاد إلى مصاف الدول الكبرى. فقد نجحت في الدخول إلى النادي النووي و عالم الفضاء، حتى صارت تطالب في هذه الأيام، و بكل ثقة، بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. و لأنها دولة قانون فما عادت قومية أو ديانة القائد السياسي تهم النخبة السياسية الهندية، التي أظهرت نضجا سياسيا عاليا. ففي يومنا هذا نجد رئيس الدولة الهندية من الأقلية الإسلامية، و رئيس الوزراء من الأقلية السيخية، و كذا رئيسة البرلمان فهي من اصل إيطالي.

فهل سننجح كعراقيين في أخذ العبرة من ألأمة الهندية، و ننتج قادة سياسيين نسمع لهم و ننتخبهم و ننقدهم و نحاسبهم بموجب القانون، لا بموجب الأهواء الشخصية والانتماءات الضيقة و الانقلابات العسكرية التي تجعل مصير البلاد في أيدي مجموعة لا تفقه من أمور السياسة سوى تحقيق مآربها الخاصة. نحن بحاجة لمكافحة برنامج الفايروس الصنمي ـ بلغة الحاسوب ـ الذي يسكن برامجيات عقولنا و القضاء على برنامج عبادة الفرد الذي يُحمّـل إلى عقولنا منذ نعومة أظفارنا. و تحميل برامجيات جديدة من مجموعة ( الاختلاف بدون عنف)، على الأقل في عقول أبناءنا في حال صعوبة التعامل مع عقولنا ـ المتصنمة ـ نحن الذين تقدم بهم العمر.

إن رموز الحكومة العراقية الحالية يـُظهرون كفاءة في إدارة البلاد، و لكني أتمنى أن لا يستمروا في السلطة بعد الانتخابات القادمة. وهذا يُسهم في إيصال رسالة إلى العقل العراقي ـ المتصنم ـ بأن الحاكم غير مخلد على كرسيه و أن التغيير يمكن أن يتم بدون عنف. و إن من يترك السلطة اليوم يمكن أن يعيده الناس غدا، و هو لن يذهب إلى السجن أو يـُعدم ( كما هي العادة في بلداننا) بل هو أخ كريم و سيبقى يسهم في العمل السياسي و النشاط الاجتماعي. و الرسالة الأهم هي أن الوطن للجميع و ليس ملكا لأحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يهاجم مجددا مدعي عام نيويورك ويصعد لهجته ضد بايدن | #أ


.. استطلاع يكشف عدم اكتراث ذوي الأصول الإفريقية بانتخابات الرئا




.. بمشاركة 33 دولة.. انطلاق تدريبات -الأسد المتأهب- في الأردن |


.. الوجهة مجهولة.. نزوح كثيف من جباليا بسبب توغل الاحتلال




.. شهداء وجرحى بقصف الاحتلال على تل الزعتر في غزة