الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعادة سيناء الى حضن مصر الجديدة

محمود عبد الرحيم

2011 / 4 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أكثر ما استوقفني في لقاء رئيس الوزراء المصري عصام شرف بأهالى سيناء، الخروج عن النص، أو بالاحرى السيناريو المعد سلفا، على النحو البروتوكولي المألوف فى عهد نظام الرئيس المخلوع مبارك، من حشد للجماهير لمجرد الترحيب والتهليل للقادمين من قلعة الحكم واتباعهم أمام كاميرات التليفزيون والصحافة، وترك الحديث للمسئولين أصحاب الوعود الكاذبة، أو لشيوخ القبائل الذين يعرضون مطالبهم على استحياء بلغة المواءمات والاسترضاء ومراعاة البعد الأمنى فى كل كلمة، بل وحرف ينطقون به، ثم ينفض السامر، ويبقى السيناويون محلك سر، وتذهب مطالبهم أدراج الرياح، ولا يبالي أحد بسماع صوتهم، الذي إن تعالى يواجه بعصا الأمن الغليظة، وحملات تشويه إعلامية تصل إلى حد اتهام أهل سيناء بتجارة المخدرات و العمالة والخيانة.

لكن هذه المرة الأمر يبدو مختلفا تماما، فروح الثورة حاضرة بقوة فى سيناء، والنواميس التى وضعها مبارك وأعوانه، سواء الموضوعية أو الشكلية لم يعد لها وجود وسقطت مع سقوطه المخزي.

ويكفي للتدليل على ذلك، اصرار ممثلين حقيقيين عن الجماهير على الحديث قبل رئيس الحكومة، وانتزاع الكلمة انتزاعا، حين رأوا أن المشايخ تتحدث بلغة ديبلوماسية مهادنة، لا ثورية حاسمة، وبخطاب لا يقترب من التابوهات التى اعتادوا عليها، مع تحاشي توجيه انتقادات واضحة أو فضح للفساد القائم.

لا أخفي إعجابي بالشاب الذي أصر على الحديث بنبرة ملئها الحماسة والشجاعة والثقة، وقال صراحة دون تردد:" أشعرونا أن الثورة قد حدثت.. فالمحافظ الذي كان ينتمي للعهد البائد باق، والسكرتير العام للمحافظة ، ومديرو الادارات، رغم فسادهم باقون، ولا خدمات صحية ولا تنموية"

وكذلك الفتاة التى انتزعت الكلمة هى الأخرى، و تحدثت عن تشويه صورة السيناوية بشكل متعمد من إعلام النظام الساقط، و مطالبتها بكل قوة بوضع حد لهذه النظرة السلبية الظالمة.

حتى حديث الناشط السيناوي مسعد ابو فجر الذي وجهه لشيوخ القبائل بالالتفاف حول الثوار لاستكمال الثورة لا يخلو من دلالات.

ودلالة المشهد برمته، أن السيناويين، وخاصة الشباب منهم يؤكدون أنهم جزء رئيس من الزخم الثوري العام في مصر، وليسوا بعدين عن ديناميكية التغيير وجدلية معادلته، وأن خطاب وممارسات ما بعد ثورة يناير ليس كما قبلها، إلى جانب التأكيد على أن صيغ التعاطي القديمة القائمة على المواءمات، وشيوخ يلعبون دور الاحتواء قد سقطت، فالعلاقات الجديدة تقوم على مبدأ الحقوق والواجبات لا المناشدات والاستجداء، ونهج التهميش والاقصاء والتشكيك سقط هو الأخر، و بات من حق المواطن رفع صوته بمطالبه بكل حرية، وعلى المسئول أن ينصت إليه باهتمام وجدية، ويبذل قصارى جهده لتحقيقها طالما كانت مشروعة وعادلة، وبشكل يحوى التزاما جادا يستوجب المسائلة والمحاسبة على التقصير أو التقاعس.

ثم أن التقاليد القديمة المقيدة للحركة، لا مكان لها في عهد الثورة، فلا فرق بين شيخ وشاب أو بين رجل وأمرأة، فالعبرة بمن يعبر عن الجماهير بشكل حقيقي لا شكلي، ويوصل صوتها ويأتي إليها بحقوقها.

وفي ظل شرعية الثورة، وبعد اسقاط الديكتاتورية، على النهج الثوري أن يتكرس، ويؤكد في كل موقف وموقع أن الشعب هو البطل الرئيس، وليس كومبارسا صامتا، دوره فقط أن يصفق أو يهلل حين تأتيه الاشارة، كما كان الحال فى عهد الرئيس المخلوع مبارك، فأبناء الأمة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها هم من يجب أن يتصدروا المشهد من الآن فصاعدا، انسجاما مع كون الشعب مصدر السيادة والشرعية، وأن مبدأي المواطنة وسيادة القانون يجب أن يترسخا.

إن كنت لا أحب أن امتدح أى مسئول على عمل يقوم به لأن هذا يدخل في اطار واجباته ولا شكر على واجب، وإن كان لى تحفظات على الدكتور عصام شرف، خاصة ما يتعلق بتشكيلة حكومته التى تحتفظ بوجوه مرفوضة من العهد البائد، وآخرين عليهم علامات استفهام، إلا اننى لا أملك الا الاعتراف بذكاءه وحسه السياسي العالي، سواء ما يتعلق بخطوة زيارة سيناء، وتوقيت الزيارة المواكبة لذكرى تحرير سيناء التى تنسب للشعب المصري ورجالاته ومن بينهم أهالى سيناء أصحاب البطولات التى لا تنسى، وليس للرئيس المخلوع مبارك كما كان يروج رجال اعلامه الفاسد، بالاضافة إلى افساح المجال للجماهير لتعبر عما بداخلها على حساب البروتوكول الذي لا قيمة له فى مثل هذه المواقف، وتوجيه انتقاد مبطن لمحافظ سيناء على إستعلائه على مطالب الجماهير، والتأكيد على أنها خطة عمل وأوامر للتنفيذ، وليست مجرد عناوين أو كلام والسلام، كما كان نهج النظام السابق، والأهم من ذلك، الاعتذار لأهالى سيناء عن جرائم النظام السابق بحقهم.

ويبقى تنفيذ الوعود والتعهدات، بعد مبادرة حسن النوايا، والانسجام مع روح الثورة، واشعار الشعب أن ثمة حصادا لنضالاتهم ودماء شهدائهم، واشعار السيناوية تحديدا أنهم جزء أصيل من نسيج هذا الوطن، وليس بدو رحل، أومواطنين ناقصو المواطنة، ليس من حقهم امتلاك الارض التى ولدوا عليها وضحوا من أجلها، أو تغليب الحلول الأمنية على السياسية والتنموية في التعاطي مع مشاكلهم الحقيقية، فثمار الثورة يجب ان ينالها السيناويون من حرية وعدالة اجتماعية وكرامة انسانية، مثل غيرهم من أبناء الوطن، كما ينبغي إعادة سيناء إلى حضن مصر الجديدة، فالتحرر من الديكتاتورية يتساوى مع التحرر من الاستعمار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح