الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة تحليلية عن دواوين الشَّاعر الأب يوسف سعيد 4

صبري يوسف

2011 / 4 / 27
الادب والفن


رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الشَّاعر الأب يوسف سعيد



4


ثم أصدر ديوان: ويأتي صاحب الزّمان/ الديوان الثَّاني ويتألّف من قصيدة نثريّة واحدة، تدور أحداثها وعوالمها حول الكتب والأماكن المقدّسة، فيحلّق الشّاعر في فضاءات روحيّة فسيحة، مستعرضاً بأسلوب سردي أفكاره وتصوّراته، متَّخذاً من أنجيل المحبة منطلقاً له لبناء نصّ مفتوح على القدس وبابل وكربلاء والنَّجف وسائر الأماكن المقدّسة لدى مختلف الأديان والحضارات القديمة حيث يقول في مطلع القصيدة:
" في كفن الأسطورة الورديّة،
جفّفت كلمات إنجيل المحبّة.
وقلت لقافلة القدّيسين،
هل اللَّحظة في بؤبؤي عيني النّجف العذراء قلادة،
سبحة من شيخ؟" ..

نراه مركِّزاً على قدوم صاحب الزَّمان، ومَنْ هو صاحب الزَّمان، الّذي ينوّه الشَّاعر إلى قدومه على مدار القصيدة كلّها؟! .. هل هو المنقذ؟ ومَنْ هو هذا المنقذ؟ .. يقول الشَّاعر:
" وقلتُ للفتى الغرّير: ياصاحب الزَّمان،
توّجتَ هامتكَ بإكليل الشَّهادة،
وجذبتَ كتلة بيضاء من نور،
تسربل نبض النبوءة .." ..

مَنْ هو هذا الفتى الغرّير الّذي يشير إليه الشَّاعر؟ .. وينوّه الشَّاعر إلى أنَّ صاحب الزمان:
" سيأتي في ساعة بلا ظنون،
سيأتي في ليلة ليس للقمر ظلال،
وجفون النَّجوم في إغفاءة مقتطعة من سجف الدُّهور .." ..
" سيأتي صاحب الزَّمان،
حاملاً في كيسه الأخضر،
قنبلة من مياه الغمر،
وقيل قنبلة من رحيق الورود،
وقيل يحمل سيفاً،
يندلق منه رائحة الفلّ والنّسرين .."
ما هذا الرّبط ما بين القنبلة ومياه الغمر ورحيق الورود ورائحة الفلّ والنّسرين، التي يرسمها الشَّاعر في سياق تنويهه لقدوم صاحب الزّمان، وبنفس الوقت يقول سيأتي في ساعة بلا ظنون، أي في وقتٍ غير معلوم؟ .. ما هذا الضّباب الّذي يغلّف صاحب الزَّمان الّذي يتحدّث عنه الشّاعر، حيث نراه يسترسل في غموضٍ مسهب بطريقة قدومه:

" سيأتي صاحب الزّمان في اللَّحظة البكر،
في هبوب النّسيم على رعشة الجفون.
سيأتي بعد أن يستنـزف من أصابعه الخمسة رعشة الأشواق ..
سيقول لهذه الجحافل المنتظرة،
عمّموا هاماتكم بألوان من قوس قزح،
وادخلوا في سجف السّنين ثانيةً
لينام الوقت محنَّطاً في أوداجكم الورديّة ..
ويبقى البحر ثانيةً، وقد كُبِّلَت أمواجه الدَّهريّة لأيّام وسنين،
وعندما يتحوَّل الإنسان في كلِّ مكان إلى رقيم مطلسم،
يأتي صاحب الزَّمان على حافّة الحفر البابليّة ..
عادةً في الصَّباح الوليد يقرأ قصائده
وفي المساء يوقع على قيثارته
ذات الأوتار العشرة مزاميره الرَّقيقة ..
ويأتي ثانيةً صاحب الزَّمان وتبقى الحياة مجفّفة
داخل محارة الأسرار " ..
بهذه الصُّور والحالات المتفرّدة بالغرابة، يكتب الشَّاعر نصّه حول صاحب الزَّمان، فتارةً يصوِّره كإنسان يستنـزف من أصابعه رعشة الأشواق، وتارةً يصوِّره وكأنّه شاعر يقرأ قصائده في الصَّباح الوليد، وتارةً أخرى كموسيقي يعزف على قيثارته مزاميره الرَّقيقة! .. ما هذه الفضاءات الشِّعريّة الّتي يحلِّق فيها الشَّاعر عبر تجلِّياته الرَّحبة مركِّزاً على صاحب الزَّمان، أحياناً يحسُّ القارئ وكأنَّ الشَّاعر يعرف صاحب الزَّمان معرفة عميقة، وأحياناً أخرى يبدو وكأنّ الشَّاعر لا يعرفه على الإطلاق! ..

هذه المفارقة الشِّعريّة تضعنا أمام شاعر أطلق العنان لمخيّلته في أرقى حالات تجلّياته الشِّعريّة غير آبه لأيّة مفارقات، مركِّزاً على تدفُّقه الشِّعري بعفويَّته المعهودة، مجسِّداً بذلك خصوبة الخيال المتناثرة على مساحات الرُّؤى الرَّغائبيّة المتطايرة من أحلامه البعيدة، المنسوجة من ذاكرة شاعر، نذر نفسه للشعر والحياة والإنسان!
ويبدو واضحاً أنّ الشَّاعر متأثِّر بالفضاءات الدينيّة من خلال بناء نصّ القصيدة، حيث نراه يركِّز على الزَّيت المقدّس، ماء زمزم، هيكل، لغة الطقوس:
" يا صاحب الزَّمان .. في رحلة القدس،
تلمع حوافي البرق بأنوار الزَّيت المقدّس" ..
كما ركّز على لغة الكتاب المقدّس والأماكن التي وردت في الكتب المقدّسة كأورشليم/ القدس، كفرناحوم، سادوم وعامورة، كربلاء والنَّجف.. حيث يقول:
" .. وأورشليم تبتلع أسرار مدينة الموصل." ..
" .. وعلى ناصية لمذابح الرَّبّ يقرأ علينا تعويذة عن السِّنين ..
نسمعه يرتّل بالسّريانيّة ذات الجرس المبجّل الجميل" ..
"تريد أن تحمل على قماشة بيضاء كلمات تعازيك إلى كربلاء" ..
كلّ هذا يدلّ على اعتماد الشَّاعر على الفضاءات الرُّوحيّة الرَّحبة، والقصيدة بمجملها هي حالة من حالات تجلّيات الشَّاعر، ويبدو وكأنّ القصيدة مفتوحة على شواطئ المحبّة والحياة الفسيحة. إنّها ترنيمة بهيجة من ترنيمات الشَّاعر المنبثقة من تلألؤات قبّة الرُّوح!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو