الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلفزيون التصوير الواقعي وأوهامه

أمين الكنوني

2004 / 10 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يبدو أن ضبابية مصطلح " تلفزيون الواقع" هي أول ما يصادف المتأمل لتطور برامج التلفزيون وقنواته، فتلفزيون الواقع ليس نقيضا لتلفزيون الخيال إن وجد أصلا ، وهو بجرأته ووقاحته لا يعبر عن الواقع بالتأكيد ، لقد تبنى الكثيرون مصطلح " تلفزيون الواقع" وروجوا له انطلاقا من ترجمتهم لكلمة la télé réalité الفرنسية والمأخوذة أصلا عن الكلمة الانجليزية Reality TV، ويبدو مصطلح " تلفزيون الواقع " غير معبر عن حقيقته، فمواده تخضع لتصور مسبق ولسيناريو محكم لا يخضع للثبات بل يتم تعديله بما يسمح تحقيق أعلى نسب المشاهدة ، برامجه أيضا تقوم على أسس انتقائية في تحديد المرشحين، انطلاقا من اجتياز عدد من الاختبارات، مرورا بالقدرة على التعبير و الابتكار، وصولا إلى معايير الجمال والوسامة، وبما أن الصورة التلفزيونية هي نتاج عملية توضيب الصور،انطلاقا من زوايا ومشاهد ولقطات المصور التلفزي، وبناءا على رؤية المخرج واختياراته، فإن مصطلح تلفزيون التصوير الواقعي على قلة استعماله يبدو أكثر دقة لأنه يصور ويسجل عددا من الأحداث والوقائع كما هو عليها الحال في الواقع، وعلى غرار القنوات المتخصصة في الجنس والرياضة والموسيقى التي تناسلت آواخر القرن الماضي، يمكن تصنيف تلفزيون التصوير الواقعي كتلفزيون متخصص في تصوير أحداث واقعة وقصص حاصلة وتحصل وأصحابها هم "مؤلفوها" أنفسهم. لقد شكل تلفزيون التصوير الواقعي صدمة للمتلقي العربي بكسره عددا من الثوابت وخرقه للأعراف الاجتماعية والدينية، وما يعاب عليه هو عدم ملامسته لعدد من القضايا التي تحمل هما إنسانيا وبعدا اجتماعيا، وحيث يستمر تدفق برامج تلفزيون التصوير الواقعي المستنسخة على عالمنا العربي، مشكلة نوعا من التبعية الذي لا يمكن فصله عن تبعية في مجالات أخرى تتفاعل فيها مؤثرات داخلية وخارجية ، بشكل يؤدي إلى تدعيم كل ما ينتج عن كل أنواع التبعية من هيمنة إيديولوجية وسلوك استهلاكي، وبينما يستطيع المشاهد الغربي إطفاء زر التشغيل في جهاز التلفزيون والتوجه إلى فنون بصرية أخرى ممتعة ومتعددة يبقى المشاهد العربي خاضعا في بيته لسيطرة التلفزيون حيث وجد في تلفزيون التصوير الواقعي ذلك الملاذ الانبهاري الذي يلجأ إليه بعيدا عن باقي فنون البصرية الأخرى.

ولا شك من أن ذيوع صيت برامج تلفزيون التصوير الواقعي في عالمنا العربي يرجع أساسا لتهافت المشاهدين وحرصهم على متابعتها و السعي للتواصل مع أبطالها، حيث تحالف تلفزيون التصوير الواقعي مع شركات الاتصالات الهاتفية تحالفا تجاريا، لا يوجد أي رادع إنساني وحقوقي يمنعهما من القيام بالكثير من التجاوزات التي تخدم مصالحهما، فلدى رغبته في المشاركة أو التصويت في برامج تلفزيون التصوير الواقعي، يرى المشاهد "المستهلك" كلفة الاتصال أو كلفة إرسال رسالة خليوية مكتوبة على شاشة التلفزيون، بحروف صغيرة جدا، ولا يدرك العديد من المشاهدين أن التواصل و التفاعل مع تلفزيون التصوير الواقعي يعتبر تسلية جد مكلفة، وليست مجرد تمرين ديمقراطي للتصويت أو لإبداء الرأي، كما أنه يعتمد على تمويل عدد من الرعاة الرسميين مقابل عرض شبه متواصل لإعلانات عن منتجاتهم، وتعتبر الرسائل والاتصالات الهاتفية مصدرا مهما لعائدات منتجي برامج تلفزيون التصوير الواقعي الذي أصبح صناعة مربحة، تفرع عنه بالإضافة إلى الصوت و الصورة عدد من المنتجات كالمجلات والملابس والعطور والألعاب والملصقات التي ترمز لأبطال تلفزيون التصوير الواقعي، وتستهوي قلوب عشاق هذه البرامج.

في الوقت الذي كرست فيه منظمات حقوق الإنسان جهودها لحث الحكومات والأنظمة على احترام خصوصية الأفراد يأتي تلفزيون التصوير الواقعي ليهتك مبدأ "الحق في صيانة الحياة الخاصة" فكاميرات تلفزيون التصوير الواقعي تصاحب المشاركين في حلهم و ترحالهم ، وتنقل لنا جدالهم، أحاديثهم ونميمتهم، و لا تتوقف سوى أمام المراحيض حيث يتم الاستعاضة عن الكاميرا بالميكروفون، لقد استطاع تلفزيون التصوير الواقعي تحطيم عنصر الخجل الذاتي لدى المشاهد، وحول التلصص إلى عنصر إمتاعي، فالمشاهد يستمتع في التلصص الذي يقوده نحو الدخول في حالة إيهامية تجاه "الأبطال" المشاركين، ليتبنى عبرهم مواقف أخلاقية أو إنسانية يومية ترضي النزعات المفقودة لديه ، وفي المقابل يستمتع المشاركون بحالة المراقبة وتسليط الأضواء عليهم، بما يحولهم إلى مصاف النجوم الذين تهف إليهم الأفئدة بعد أن أمسوا المادة الأثيرة لكاميرات و عيون المشاهدين ، غير أن تلفزيون التصوير الواقعي لا ينتخب سوى نجما واحدا، وبينما يحتفظ البعض من المشاركين بذكريات جملية وصداقات نجمت عن المشاركة في برامج تلفزيون التصوير الواقعي، و فتحت أمامهم فرص العمل في تقديم البرامج التلفزيونية ، واحتراف التمثيل والغناء ، تقبر أحلام باقي المشاركين الذين استأنسوا بأضواء الشهرة.

كنزة هجرت العراق إبان حرب الخليج الأولى لتقيم في فرنسا،ولتشارك فيما بعد في برنامج لوفت ستوري، وهو النسخة الفرنسية من الأخ الأكبر، ورغم أنه لم يطب لها المقام كثيرا في البرنامج إلا أنها استمرت في الظهور على شاشات التلفزيون الفرنسي للحديث عن تجربتها المرة في العراق، وتعدى الأمر ذلك فوضعت كتابا حول العراق وأوضاعه الاجتماعية، تشتغل كنزة اليوم لحساب قناة فرنسية خاصة صورت لها مؤخرا استطلاعا حول العراق الجديد حظي بالثناء من لدن الأوساط الإعلامية الفرنسية، وإذا كانت كنزة مثالا يقتدى به من طرف المهووسين بالاشتراك في تلفزيون التصوير الواقعي، فإن إيزابييل وهي فتاة فرنسية تخلت عن وظيفتها كمعلمة من أجل المشاركة في النسخة الثانية لبرنامج ستار أكاديمي، حاملة معها طموحاتها وأحلامها في أن تصبح مغنية شهيرة ، وبعد أن سلطت عليها الأضواء أزيد من شهر، غادرت البرنامج مرغمة بعد فشلها في الحصول على أصوات المشاهدين، إيزابييل وضعت بيضها في سلة واحدة وهي الآن مستمرة في البحث عن شركة إنتاج من أجل أن يرى شريطها الغنائي النور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا