الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجهزة تكييف ل -فندق طرة- .. عجبى!

سعد هجرس

2011 / 4 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نسبت صحيفة "قومية" كبرى لمسئول مرموق بوزارة الداخلية تصريحات مثيرة، خلاصتها أنه يجرى تركيب أجهزة تكييف "صحراوى" فى زنازين كبار مسئولى النظام المخلوع المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات فى سجن مزرعة طره.
وهى تصريحات لم أقرأ تكذيبا أو نفياً أو تصحيحاً لها من المسئول الأمنى رفيع المستوى المشار إليه، أو من غيره من كبار رجال الداخلية ومصلحة السجون، بل رأيت بعضا من هؤلاء يتحدثون فى برامج "التوك شو" عن مواصفات زنازين وعنابر سجن مزرعة طره، وكيف انها أصبحت مزودة بأسرّه (جمع سرير) وحمامات ومراوح (سقف) وتليفزيون (ينقل القنوات الأرضية فقط دون الفضائيات).
كل هذه التصريحات أعادت إلى ذاكرتى ظروف "الحياة" فى السجن ذاته فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى عندما تم اعتقالنا فيه بضعة سنوات.
علما بأننا لم نكن من لصوص المال العام أو من المبددين لموارد البلاد وثرواتها أو من أرباب الفساد والافساد، بل كانت كل تهمتنا هى حب الوطن والمطالبة بالديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
على أى حال .. لم يكن فى الزنازين من متاع الدنيا سوى "برش" وبطانية سوداء جربانة وجردل لمياه الشرب وجردل مجاور له –عفوا- للتبول، والبرش لمن لا يعرف مستطيل طوله أقل من مترين وعرضه اقل من 80 سنتيمتر مصنوع من حبال الليف، هذا البرش الخشن هو "السرير" و"المرتبة" و"المخدة" وكل مكونات "غرفة النوم" وهو موضوع على الأرض الاسفلتية للزنزانة، ولك ان تتخيل الحياة فى حر الصيف وبرد الشتاء على هذا "البرش" ولوازمه.
أما العنابر التى "تستضيف" أعدادا كبيرة من "النزلاء" فإنها لا تختلف إلا فى اتساع المساحة و"الصحبة".
وأما الطعام فهو "اليمك" الميرى، الذى يصعب أن تميز مكوناته الأصلية.
وكل شئ عدا ذلك من الممنوعات .. الأوراق والاقلام والكتب غير مسموح بها.. الراديو من المحرمات .. التليفون المحمول لم يكن قد تم اختراعه بعد وكان من المحتم أنه سيتصدر قائمة المحظورات .. وعندما تم السماح لنا بمشاهدة التليفزيون (الأبيض والأسود) بعد سنوات جاءت إدارة المعتقل بجهاز تليفزيون واحد وضعوه فى مساحة خالية، امام دورات المياه! للمشاهدة الجماعية فى أوقات محددة.
***
وما أكثر الاحتجاجات والمذكرات والاضرابات عن الطعام التى اضطررنا لخوض غمارها للمطالبة بتحسين هذه الظروف غير الآدمية وغير المبررة وهى اضرابات كانت تنتهى غالبا بـ "تحسين مستوى "العسل الأسود" الذى كان يتم توزيعه علينا باعتباره نوعا من انواع "الترفيه".
هكذا كان يقيد فى الدفاتر الرسمية.. ترفيه!!
ولذلك .. عندما أسمع الآن عن أجهزة تكييف وعن ثلاجات وأسرة وكراسى وموائد، وطعام من فنادق خمس نجوم وعربات أيس كريم، أتذكر الأيام الخوالى، لتبدو المفارقة كبيرة جدا جدا.
فهل يتصور أحد أن يعانى "سجناء الرأى" من الظروف القاسية وغير الإنسانية المشار إليها، بينما متهمون بالفساد والتربح وسرقة المال العام ونهب مصر وتزوير إرادة الأمة وإهدار كرامة ملايين المصريين، يتمتعون بتلك الإقامة المريحة التى حولت السجن الى ما يشبه فندق خمس نجوم!!
فما بالك إذا عدنا أكثر إلى الوراء وتذكرنا ما عاناه أساتذة عظام لنا وقامات شامخة يتفاخر بها أكبر بلد، مثل الدكتور لويس عوض والدكتور اسماعيل صبرى عبد الله والدكتور فؤاد مرسى والشهيد شهدى عطيه الشافعى والشاعر العظيم فؤاد حداد والقديس نبيل الهلالى.. وقائمة طويلة من أعظم من أنجبت مصر، واستعدنا شريط التعذيب الوحشى والتنكيل البربرى الذى تعرضوا له فى معتقلات الواحات وأوردى أبو زعبل وسجن الفيوم .. وغيرها.
كل هؤلاء ناموا على الاسفلت وارتدوا ملابس السجن المهلهلة وأكلوا "اليمك" المقزز المشفوع بأشكال شتى من التعذيب والإهانات، بينما اللصوص والفاسدون لا تعجبهم "أبهة سجن طره" المعدل ويتأففون من مجرد احتجازهم تحت ذمة التحقيق بينما الأسماء الشامخة المشار إليها من أكبر عقول وقلوب مصر وضميرها الحى، قضوا سنوات دون محاكمة أصلا.. وإذا تمت محاكمة فانها بلا أى ضمانات عادلة على الإطلاق.
***
ومع ذلك .. فأن كثيرين من بينهم كاتب هذه السطور كانوا يطالبون بتطوير السجون المصرية ولا اعتراض على كل التحسينات التى دخلت على زنازين وعنابر سجن مزرعة طره، فهذا جزء مما كنا نطالب به.
المشكلة الوحيدة هى أن تكون هذه التحسينات حكر على "الصفوة" والمسئولين السابقين والحيتان الكبيرة.
ولا مشكلة على الاطلاق أن يتمتع أحمد عز وجمال مبارك وغيرهما بكل هذه "الابهة" .. بشرط ان تكون متاحة لجميع نزلاء السجون.
وغير ذلك.. يعتبر تمييزا مرفوضاً بالثلاثة
فما رأيك يا وزير الداخلية؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها نقطة ايجابية
رشا احمد ( 2011 / 4 / 27 - 18:45 )
اعتقد ان ماذكرته فى هذا المقال يحسب للرئيس السابق حسنى مبارك و لا يحسب عليه فكما ذكرت ان السجون قد تحسنت فى عهده عن العهود السابقة
واما عن نظرية التفرقة العنصرية بين الاغنياء والفقراء فى السجون فهى لا تختلف كثيرا عما كان يحدث خارج السجون فهى سياسة الدولة عامة
اذا هذا المقال لم ياتى باى جديد
ملحوظة:
اعتقد وهذا اعتقاد شخصى بحت انك لو تعاملت مع الافراد المترفين فى السجون بنفس طريقة المعاملة اللا ادمية لباقى المساجين فانت تعرضهم لخطر اصابتهم بامراض قد تؤدى لوفاتهم
انا لا ادافع عن طريقة معاملة المساجين فى السجون بقدر ما ادافع عن طبقة وان كانت فيهم كل موبقات الفساد من ان يموتون فى السجون حتى قبل محاسبتهم
تقبل مرورى

اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة