الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة تحليلية عن دواوين الشَّاعر الأب يوسف سعيد 5

صبري يوسف

2011 / 4 / 27
الادب والفن


رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الشَّاعر الأب يوسف سعيد


5


ثمَّ يصدر ديوانه الثالث بعنوان: طبعة ثانية للتَّاريخ، وللوهلة الأولى يلاحظ القارئ بغرابة العنوان، وكأنَّ العنوان ليس له علاقة بالشِّعر، فعندما وقع هذا الدِّيوان تحت يدي توقَّعتُ أن للشاعر اهتمامات بالتَّاريخ لهذا ظننت أنّه ربّما يتناول مسائل تاريخيّة عبر كتابه هذا، لأنّ على غلاف الكتاب لا يوجد مايشير إلى أنّه شعر، أو نصّ، فقط العنوان ثمَّ الأب يوسف سعيد، منشورات الشَّباب، جونية ـ لبنان.

وعندما فتحتُ الكتاب وجدت الكتاب يتصدَّر مقاطع شعريّة شفافة بعنوان: إيماءات، مقطّعة إلى مقاطع شعريّة، اندهشتُ متمتماً، إذاً طبعة ثانية للتاريخ هو ديوان شعر وليس دراسة عن التَّاريخ، وهكذا من العنوان والمدخل يفاجئكَ الشَّاعر، وقبل أن أدخل في جوِّ الدِّيوان أريد أن أشير إلى أنَّ الأب يوسف سعيد فعلاً من المهتمِّين بالتّاريخ، وقد حصل على دكتوراه فخريّة من السويد في التَّاريخ، لمعرفته وإهتماماته الواسعة في هذا الحقل، لهذا فإنّ ورود اسم الدِّيوان بهذه الصِّيغة لم يأتِ من فراغ، وأتساءل، هل يريد الشَّاعر من خلال نصوصه أن يعيد صياغة التَّاريخ بطريقته أم أنّه كشاعر يريد أن يكون التَّاريخ بغير صياغاته التَّاريخيّة وإنّما يريدها بصيغة شعريّة كما يتخيّلها أو يريدها هو؟ وهذا يقودنا إلى تساؤل، هل هو غير راضٍ عن التَّاريخ كتاريخ لأنّه في أغلب الأحيان يُصاغ بطريقة بعيدة عن حقائق التَّاريخ! .. وهذا يذكِّرني بمقولة أحد المحلِّلين عندما قال "بما معناه": (إن أغلب مايرد في كتب التَّاريخ هو غير صحيح، ما عدا الأرقام والتَّواريخ وأسماء الأماكن والمدن والخ، وأغلب ما يرد في الرِّوايات هو صحيح ما عدا الأسماء والأماكن والتَّواريخ، لأنّها من بنات خيال الكاتب ...) ومن هنا نرى أنّه من الجائز أن نشكِّك بموضوعيّة التَّاريخ كتاريخ! .. نعود إلى مدخل القصائد، إيماءات، التي إنطلق منها الشَّاعر حيث يقول:

" انعطافات نهريّة داخل أزمنة مهرولة
فوق جسر الذُّهول.
صبّير يفتح درباً
في صدر الفضاء
ليحلب أثداء متدلّية.
جلد معبّأ باسفنجة بحريّة" ..

هكذا يبدأ الأب الشَّاعر إيماءاته، حيث نراه من الجملة الأولى يحلّق بفضاءاتٍ لا يمكن الإمساك بها، تقوده مخيّلته الجامحة في عالم الشِّعر، ما هذه الإنعطافات النَّهريّة داخل أزمنة مهرولة، تسير فوق جسر الذُّهول؟ .. هنا لبّ الفكرة الّتي تضع الإصبع على الجرح، وهي أزمنة مهرولة، وهل هناكَ أزمنة مهرولة مثلما نراها الآن، علماً أن الأب الشَّاعر كتبَ نصّه هذا منذ ربع قرن من الزَّمان، وكأنّه كان يقرأ هرولة الأزمنة، فوق جسر الذُّهول، نعم وهل يوجد ذهولاً أكثر من الذُّهول الذي نراه الآن؟ أنّه قمّة الذُّهول والإندهاش لما نراه على السَّاحة سواء في الشَّرق أو في الغرب، ويقول في مقطعٍ آخر:

" .. ضفاف من جيلٍ مرمد
يلولب بأصابعه الحجريّة
محارة خضراء.
لا محالة ، آتية تلك المسافة الأنثوية .." ..
هناك إشارة إلى أنَّ المرأة ستأخذ موقعها في المستقبل والجيل يلولب بأصابعه محارة خضراء، هل فعلاً تحقّق تخيّل الشَّاعر، ثمَّ يتأوَّه قائلاً:
" آهٍ .. أأجرؤ أن أقول
الفرح يزهر في جدران قصائدي؟ " ..

لغة التَّفاؤل واردة بقوّة في متون نصوص الأب الشَّاعر لأنّه ينظر إلى الحياة من منظور خيّر راغباً أن يتحقّق الخير والفرح للإنسان، حيث يقول:

" ثمّة إيماءات حارّة تصنع قفاز البهجة ...
تعانق وجه تفاحة الأفق
وتحتسي الحياة من وجنة الشَّمس" ..
كما يقول:
"..ضمائرٌ تتأرّجح على حبال المحبَّة
وتفتحُ أكثر من شراع فوق رأس تنّين الخليج" ..

وهل يوجد أكثر مما يوجد الآن من أشرعة فوق قمم الخليج ورأس الخليج وأعماق الخليج! .. منذ أكثر من ربع قرن يتوقّع الشَّاعر أن تنفتح الأشرعة فوقَ رأس تنّين الخليج! وهل يقصد بتنّين الخليج المرصرص بالنّفط، الذَّهب الأسود أم يقصد قوى الخليج؟! والشَّاعر يحبُّ العراق حبّاً رومانسيّاً عميقاً حيث يقول:
" العراق في بؤبؤي أقحوان" ..

إنّ مَنْ يدرس نصوص الأب الشَّاعر يجد جموحاً واضحاً في خياله:

"..يا رمشاً يحرِّكُ قطارات العالم في بواطني
ويسافر رابطاً قرن الشَّمس بأعضائه الناتئة." ..
وفي مطلع قصيدة المسافة يقول:
" في هذه المسافة فقط دوائر لها حفائر عميقة
لكنّها معبّأة بطين أحمر وأحذية الجنود القتلى." ..
وفي قصيدة، حناجر محنّطة بمادة الأوقات، يقول:
" .. أهواء الرُّوح، أنتِ أبعد من شهوةِ الجسد
وأقرب من تفاعل الماء
فوق أنسجة اللَّغة النَّامية
في حقول العقل." ..

من خلال هذا المقطع نرى أن الأب الشَّاعر يركِّز على شفافية الرُّوح وتوقها إلى عوالم العقل وابتعادها عن شهوة الجسد، وهو بهذا يلتصق بنـزوعه الصُّوفي النَّقي، مؤكِّداً على هذا النـُّزوع من خلال نصوصه. والأب الشَّاعر يجنح إلى التكثيف ولديه قصيدة بعنوان، لا ... يقول فيها:
" أيُّها اللَّيل،
هل ترصَّعَ جدار جسدي بالأوقات؟
لا ..." ..

يكتبُ قصيدة من بضعة كلمات، لكنّها معبّرة ومكثّفة ككثافة الوقت الذي أشار إليه عبر جملة شعريّة تساؤليّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو