الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات العربية التركية بين الماضي والحاضر

ثائر البياتي

2011 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


مرّت العلاقات العربية التركية بكثير من التوتر والقطيعة بعد الحرب العالمية الأولى، فالأتراك اعتبروا خيانة العرب سببا ً لخسارتهم في الحرب العالمية الأولى ، عندما تحالفوا مع بريطانيا ضد الإمبراطورية العثمانية، فيما أعتبر العرب سبب تخلفهم ناتجا ً عن السيطرة العثمانية عليهم لأكثر من أربعة قرون، لذلك فالعلاقات العربية التركية مشحونة لسنين طويلة، لا بل اُعتـُبرت ْ تركيا ثالث دولة معادية للعرب والمسلمين من بين دول العالم، بعد أمريكا وإسرائيل. فتركيا نهجت نهجا معاديا للخط الإسلامي منذ إعلانها نبذ الخلافة الإسلامية وتأسيس جمهوريتها عام 1923 بقيادة زعيمها القومي مصطفى كمال أتاتورك، الذي كان متأثرا بأوربا بشكل كبير، ما جعله يهتدي بدساتيرها العلمانية، ويجعل من تركيا أول دولة إسلامية تفصل الدين عن الدولة بشكل صريح، وأنهى في عهده كثيرا ً من مظاهر الحياة الإسلامية ، كالأذان وارتداء الحجاب وتداول الشريعة الإسلامية رسميا، وسار على خطاه من بعده رفاقه العسكر في فرض العلمانية على الحياة السياسية بالقوة، فتركيا كانت أول دول أسلامية اعترفت بإسرائيل عام 1949م، وعمقت علاقاتها معها ، لتصل إلى مستوى حلف عسكري يخيف الأمن العربي، ولم تعترف باستقلال الجزائر عام 1954 ، مما أدى إلى استمرار قطيعتها مع العرب والمسلمين .

ولكن بعد العام 2002 تحسنت العلاقات التركية العربية بشكل لم يسبقه مثيل في التاريخ الحديث، ففي عام 2004 أصبح الأمين العالم لمنظمة المؤتمر الإسلامي من حظ تركيا ، كما أ ُنتخب َ رئيس الجمهورية التركية رئيسا ً للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري في منظمة الدول الإسلامية، ومن ثم أصبحت تركيا عضوا مراقبا في جامعة الدول العربية، كل ذلك تم بجهود خليجية وسعودية. وكان لتركيا دور متميز في تقريب العلاقات الخليجية مع حلف الناتو في مؤتمر حلف الأطلسي الذي عقد في تركيا عام 2004، بهدف تعزيز الأمن العالمي والإقليمي من خلال تعاون الحلف مع دول منطقة الشرق الأوسط الكبير، وعززت تركيا خطواتها نحو العرب بمناهضة العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وعلى غزة عام 2009، وكان لها دور مـُشـَرف في فتح الحصار على غزة بإرسال سفينة الحرية، حيث أستشهد تسعة متطوعين أتراك من طاقم السفينة بنيران القوات الإسرائيلية، ولها موقف إيجابي في حل الأزمة السياسية اللبنانية عام 2009 ، كما وحصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في عام 2011 على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام وتوطيد العلاقات التركية الخليجية بشكل أفضل. في هذا المقال سنناقش العوامل الأساسية التي تقف وراء تطور العلاقات التركية العربية في السنين الأخيرة.

يرجع تحسن العلاقات التركية العربية في العقد الأخيرة إلى عوامل مختلفة، منها داخلية تخص السياسة التركية ومنها خارجية تخص المتغيرات الدولية والإقليمية. ففي العوامل الداخلية يعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002 عاملا أساسيا في تحسن العلاقات التركية مع دول الجوار العربي والمسلم، فالحزب بالأساس أسلامي معتدل، ولمؤسسيه عبدالله غول، رئيس جمهورية تركيا، وصديقه رجب طيب أردوغان ، رئيس وزراء تركيا حاليا، باع طويل مع الأحزاب السياسية الإسلامية التركية، فتلاقيهما مع العرب والمسلمين ليس غريبا ً، إذ أن حزبهم يؤكد على الهوية الإسلامية لتركيا وَيـُثـَمن ْ التاريخ الطويل المشترك مع الدول العربية والإسلامية، رغم أنه يؤمن بالالتزام التام بعلمانية الدولة على غرار الدول الأوربية.


وفي العوامل الخارجية تعتبر تعثر حوارات الإتحاد الأوربي في قبول تركيا في عضويتها من الأسباب التي جعلت تركيا تعيد النظر في تقييم علاقاتها مع كثير من الأطراف ومنهم العرب والمسلمين. فمنذ أن تشكل الإتحاد الأوربي عام 1992م، حرصت الحكومات التركية المتعاقبة العمل على الانضمام إلى عضوية الإتحاد، ما يتطلب ذلك من معايير ومستلزمات لم تتمكن الحكومات التركية المختلفة من الارتقاء إليها، وبفوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية في الانتخابات النيابية التركية عام 2002، ووصول السيد رجب طيب أوردوغان إلى رئاسة الوزارة عام 2003 ، أصبح همه الكبير قبول تركيا في عضوية الإتحاد الأوربي، ولذلك قدم إصلاحات داخلية وخارجية جادة، كاستتباب الحكومة والأمن وتحقيق المصالحة الوطنية مع الأرمن بعد عداء تاريخي طويل، وإعطاء الأكراد كثيرا ً من حقوقهم القومية، بعد إن كانت مسلوبة، كإعادة الأسماء الكردية القديمة لبعض المدن ، والسماح بالخطبة باللغة الكردية. وفي الإصلاحات الخارجية، فتح باب الحوار مع اليونان بعد خصومات طويلة ومد جسور التعاون مع اذريبجان وبقية جمهوريات روسيا بعد إن كانت مقطوعة، وَوثـَق َ العلاقات مع إيران وتعاون مع العراق وسوريا، بعد إن كانت العلاقات متوترة، بسبب مشاكل المياه، أو بسبب التحالف العسكري مع إسرائيل أو المشكلة الكردية، وتم رفع تأشيرات الدخول بين هذه الدول وتركيا وأبرمت معاهدات وعقود تجارية وأمنية وغيرها خدمة للتقارب والعمل المشترك بين تركيا وهذه البلدان.

ولكن رغم كل الجهود التي بذلتها الحكومة التركية في مجال الإصلاحات، إلا إن حوارات الإتحاد الأوربي بخصوص قبولها في عضويته تعثرت وباءت بالفشل لأسباب كثيرة ، فتارة ثقافة تركيا لا تتطابق مع الثقافة الأوربية، وتارة أخرى جغرافية تركيا تتوزع بين قارتي أسيا وأوربا، ومرة أخرى تركيا لا تتقيد ببنود حقوق الإنسان العالمية كما ينبغي ، كموقفها غير العادل من قوميات غير تركية في تركيا، وعدم منحها حقوقهم الثقافية كاملة، كما وان لأعضاء الإتحاد الأوربي هواجس على طبيعة النظام السياسي التركي الذي يهيمن الجيش فيه على الحياة السياسية، باعتباره حامي العلمانية، إذ أن للجيش التركي جولات وصولات في إقالة مجالس نيابية جاءت بانتخابات ديمقراطية نزيهة، مما لا ينسجم مع طبيعة نظم الحكومات الأوربية المدنية التي تبغي تركيا أن تكون عضوا في اتحادها .

إضافة إلى إن إثارة قضية الأرمن القديمة ضد الحكومة التركية من قبل بعض أطراف الإتحاد الأوربي، هو الأخر جاء لوضع عراقيل أضافية أمام قبول تركيا في عضوية الإتحاد، مما خيب آمالها وجعلها تراجع مواقفها القديمة، ومنها إعادة ترتيب علاقتها السياسية والاقتصادية مع الدول العربية والمسلمة بما يعزز ويقوي مكانتها لدى الدول الأوربية وأمريكا، من خلال تأكيدها، بأنها تشكل جسرا سياسيا واقتصاديا وحضاريا بين الغرب والإسلام، على أسس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. وقد بين القادة الأتراك للحكومات العربية في مواقف كثيرة خيبة أملهم من مواقف أمريكا وأوربا، وحثوا العرب على العمل سوية معهم باعتبارهم الأقرب إليهم جغرافيا وتاريخيا وحضاريا.

من العوامل الخارجية التي دفعت تركيا إلى الانفتاح على العرب، انتهاء فترة الحرب الباردة ، وفقدان تركيا لدورها المتميز في الشرق الأوسط ، فكان لا بد أن تجد لها موقعا متميزا في خارطة الشرق الأوسط الجديدة، بإعادة وترتيب علاقاتها التاريخية مع العرب والمسلمين، كما يؤكده مقال الأستاذ هيثم جودية ، تحت عنوان: تركيا تبحث عن دور في الشرق الأوسط، يمكن الإطلاع عليه بزيارة الموقع الإليكتروني:
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=89636

يقول الكاتب: بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ، بدأت تركيا تعاني من هاجس فقدان الأهمية الإستراتيجية في المنطقة ، الأمر الذي دعاها إلى مراجعة دورها بعد قراءة متأنية للواقع الإقليمي والعالمي، فجاء الانفتاح على الدول العربية والإسلامية كجزء من سياستها الجديدة.

وفي لقاء لمجلة أخر ساعة بتاريخ 6-1-2011 مع البروفسور أمر الله أيشكر كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي ، قال في حديثه: كان لزاما على السياسة الخارجية التركية المغلقة على نفسها أن تستجيب للمتغيرات الجديدة بعد نهاية الحرب الباردة، وكان علينا أن نطور دبلوماسيتنا لتلائم دور تركيا كدولة مركزية. ويمكن مراجعة التفاصيل بزيارة الموقع الاليكتروني:
www.hournews.net/news-2307.htm


وفعلا تقدمت العلاقات التركية العربية وتطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ففي زيارة لرئيس وزراء تركيا للمملكة العربية السعودية عام 2010 وصف العلاقات السعودية التركية بأنها لا تقل أهمية عن العلاقات التركية الأوربية، وذكر سيادته، إن التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا نمت من 17 مليار دولار أمريكي عام 1998 لتصل إلى 166 مليار دولار عام 2008، بحسب الإحصائيات الحكومية التركية. وفي التقدم الاقتصادي الكبير الذي حصل في تركيا في السنين الأخيرة أعلن سيادته في مؤتمر الكويت بتاريخ 11-1-2011 إن الناتج القومي لتركيا في عام 2003، سنة استلامه لرئاسة الوزارة كان 230 مليار دولار أمريكي ولكن في عام 2010 أصبح الناتج القومي 740 مليار دولار ، وكان حجم الصادرات التركية عام 2003 ، 34 مليار دولار ولكن في نهاية عام 2010 أصبح 114 مليار دولار وحجم التضخم كان 30% أما في عام 2010 فأصبح 6.4 %، ما يشجع العرب في استثمار أموالهم في البنوك التركية.

إذا كنا قد عرفنا بعض العوامل التي جعلت تركيا تخرج من انغلاقها وتنفتح على جيرانها العرب والمسلمين متناسية خلافاتها الماضية، فما هي العوامل الأخرى التي جعلت العرب يرحبون بالانفتاح التركي نحوهم رغم الحساسية التاريخية من الأتراك؟

أولا: كان لموقف البرلمان التركي الرافض للسماح للقوات العسكرية الأمريكية العبور من أراضيها في احتلال العراق عام 2003 رد فعل ايجابي في معظم الأوساط العربية التي وقفت ضد الاحتلال الأمريكي للعراق.
ثانيا: ان تـَحـَول الموقف التركي بالنسبة للقضية الفلسطينية وتـَراجع العلاقات التركية الإسرائيلية، من تحالف عسكري إلى خصومات ومواقف سياسية حدية، غَيـّّـرَت من وجهة نظر المجتمع العربي تجاه تركيا وجعلته في موقع تقدير واحترام.
ثالثا: أن تعاظم الدور الإقليمي لإيران يقع على رأس العوامل التي غيرت الموقف العربي الحكومي وجعلته يعمل مع تركيا بشكل جاد.

إن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، فتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط، فمن جانب تـَد َمرت ْ القدرة العسكرية للعراق، أقوى دول المشرق العربي ، ومن ثم سيطرت أحزاب طائفية وقومية على مقاليد الحكم فيه، بما يبدو للمراقب الخارجي، وكأن العراق بدأ ينسحب من الصف القومي العربي، خاصة ببروز الدور الإيراني فيه ، جعل كثيرا ً من حكومات دول المشرق العربي تشعر بالضعف والتخاذل وخاصة تلك التي تستند في حكمها على طائفة دينية، كالسعودية ودول الخليج، فقابلت تلك الحكومات خطوات تركيا تجاهها بالترحيب والانشراح، باعتبارها المرشح الأفضل لملء الفراغ السياسي وإعادة التوازن الطائفي والعسكري في المنطقة بعد خروج العراق منه.

تـَعتـَبر تركيا الاحتلال الأمريكي للعراق تهديدا ً لمصالحها، وخاصة بعد تـَعـَمق العلاقات الكردستانية مع إسرائيل، التي بدأت نشاطاتها في كردستان العراق منذ عام 1991، وبعد ازدياد مطالبات الأكراد بكركوك وأجزاء من ديالى والموصل النفطية. فتركيا تعاني من عقدة المشكلة الكردية من جانب، وتعيش في قلق احتمال إعادة العمل بخط أنبوب كركوك- عكا القديم من جانب آخر، بما قد يؤثر عليها اقتصاديا ، ما فرض عليها الانفتاح على العرب، لمواجهة المتغيرات الجديدة، بشكل يخدم مصالحها.

لا يمكننا إهمال دور المياه في تحديد مسار العلاقات التركية العربية، فالأراضي التركية هي منابع رئيسية لنهري دجلة والفرات، اللذين يمران في سوريا والعراق قبل مصبيهما النهائي في شط العرب، وتركيا أصبحت الخيار الوحيد لتزويد هاتين الدولتين (أكبر دولتين في المشرق العربي) بالمياه، خاصة بعد إنجازها سدودا ً وخزانات مياه عملاقة، وتكون المياه عاملا مهما في تعزيز دور تركيا الإقليمي وفرض علاقة شراكة ومصالح متبادلة، لا علاقة إنفراد، ويعتبر قطع المياه قوة ضغط وتهديد للعرب، سيجعلهم لن يخرجوا من دوامة الحساسيات التاريخية لفكرة أن يكونوا رهينة لتركيا.


وخلاصة الموضوع، يمكننا القول إن العلاقات الاقتصادية والسياسية تشكل الدوافع الأساسية لتغيير العلاقات التركية العربية، فخيبة أمل تركيا من عدم قبولها في عضوية الإتحاد الأوربي، أفقدها أمل انفتاح السوق الأوربية المشتركة أمام تجارتها وإنتاجها الصناعي والزراعي، وخاصة بعد أنشاء خزانات وسدود مياه عملاقة والشروع في مشاريع الأناضول الزراعية الضخمة، التي سيفوق إنتاج حاصلاتها الزراعية حاجة السوق التركية المحلية، فالأسواق العربية المـُستـَهـلـِكة تـُعتـَبر البديل الأفضل لتصريف المنتجات، لحاجتها إليها أولا ولقربها منها جغرافيا ثانيا ً ، والأموال العربية الوفيرة ستجد المكان المناسب لها للأستثمار في بنوك تركية - أسلامية مساهمة.

من جانب أخر فتعميق العلاقات العربية التركية، يعزز العلاقات التركية الأمريكية الأوربية، باعتبار تركيا حلقة وصل بين الغرب والمجتمعات الإسلامية، وخاصة مع تعاظم الدور الإيراني ومحاولة انفراده، كقوة إقليمية ، ما يتطلب من تركيا اخذ دور الموازنة في المنطقة. فتركيا انتهجت سياسة السلام مع جيرانها العرب والإيرانيين على السواء، ورفضت سياسة جر المنطقة إلى مواجهة عسكرية مع إيران، كما كان يراد لها. فهل إن تركيا قادرة على الموازنة بين المعسكر الأمريكي وحلفائه في المنطقة ( دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر وإسرائيل) من جهة والمعسكر الإيراني السوري والتنظيمات الجهادية العربية كحزب الله وحماس من جهة أخرى؟ والتحدي الكبير الذي يواجهها هو فيما إذا نشبت الحرب بين المعسكرين، فان وقفت مع المعسكر الإيراني ، خسرت الخليج ودعمه المالي واستثماراته وسوقه، وان وقفت مع المعسكر الأمريكي دخلت في صراعات مع إيران نتيجة دعمها لبعض التنظيمات المناوئة لتركيا كحزب الله التركي وحزب العمل الكردي. فهل ستتمكن تركيا من الاستمرار في استثمار علاقاتها الجيدة مع الغرب وأمريكا وإسرائيل من جهة وإيران وحماس والعرب عموما من جهة أخرى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة